اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
إحياء الموهبة
خاب أمله تماما في تعاون إدارته معه، ولم يتمكن من الهيمنة على مهام عمله. كما أيقن في عدم حصوله على وظيفة في مكان آخر، مهما جد واجتهد. فسدت في وجهه أبواب النجاة، كأنهم أصبحوا فرصته الوحيدة والأخيرة في الحياة. فهاج به الحزن وركبه الهم، وضاقت به الأرض بما رحبت. وانقلب بياض نهاره سوادا كالحا ينذر بالدمار والخراب، كأنما هاجمه إعصار توسانامي وقلب حياته رأسا على عقب.
لكن ما هو المخرج؟ فلم يكن أمامه إلا الخروج في إجازة قصيرة، كلما وصلت روحه التراق، وظن انه الفارق. يرفه خلالها عن نفسه ويبعد عنها اسأم والضجر، ويفكر وهو صافي البال مرتاح الضمير، فيما يتوجب عليه فعله.
فكر كثيرا في ترك عمله، ليكون طائرا يمد جناحيه ويحلق في سماء الحرية. لكنها المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه اتجاه زوجه، وأبنائه الذين لم يعتمدوا على أنفسهم بعد. فكر في التقاعد، لكنه لم ينهي الحد الأدنى المقرر من عدد السنين.
في احد إجازاته القصيرة وعند عودته من أداء عمرة شعبانية وزيارة الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم، كان الليل حالك ظلامه... مخيم سكونه... غريب عجيب هدوئه، مهيمن على كل ما يتنفس على وجه البسيطة سواده، كمعطف شتوي ثقيل. فلجأ كل حي لمكمنه من الأرض، الركاب من حوله استسلموا لسلطان النوم، والحافلة تشق طريقها كسفينة تعبر أمواج البحر، صاعدة جبلا ونازلة واديا متجهة للديار. ورغم ذلك السواد الذي كان يمنع رؤية قبة السماء، كان القمر يخرج تارة ويختفي أخرى كأنه يداعبه ويسليه.
لكثرة همومه ومشاغله لم يستطع وضع رأسه على مقعده والخلود كالآخرين للنوم. فكر فيما يعمله ليخفف عنه الوحدة، ويزيل عنه هم بعد المسافة. جالت في مخيلته فكرة تسجيل ما يدور في خاطره، وما مر به من آلام ومحن. فكانت هذه بداية بعث جديد لموهبة مندثرة، لم يكن يعلم بوجودها بين طيات وحطام النكد والكدر. لكن هل كانت هذه بداية سعيدة لنهاية حميدة لآلامه ومحنه؟
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف، السعودية