اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
مناقشة من يقول الدين أفيون الشعوب
فقه الأخلاق ج2
السيد الشهيد محمد الصدر(قده)
ومن هنا ، بل من مجموع التعاليم الدينية نعرف ، أن المقولة التي قالها (كارل ماركس) مؤسس الفلسفة الشيوعية ، من أن (الدين أفيون الشعوب) ليس بصحيح تماماً .
فإن الأفيون مخدر والدين لا يمكن أن يكون مخدراً باعتبار عدة أمور :
أولاً : إيجاده للعاطفة التي سمعنا عنها . وهي نشر العدل والرحمة في أمم الأرض كلها ، لكي تمتلىء الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً .
ثانياً : إيجاده للعاطفة المضادة للظلم والظالمين ، سواء في المجتمع الذي يعيش فيه الفرد أو المجتمعات الأخرى.
ثالثاً : الأحكام المضادة للظلم من واجبات ومحرمات ، وعدم جواز الاعتداء على الآخرين وغمط حقوقهم ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تتقون﴾ .
رابعاً : إننا لو فرضنا غض النظر عن ذلك كله ، فإن الدين لا يستطيع أن يكبت عواطف الإحساس بالظلم والقهر في قلوب الشعوب . فإن هذا مما يحصل بكل تأكيد ، ولا يستطيع أي فاعل أو جاعل أن يغيره .
وإنما في الحقيقة أننا وجدنا كلاً من المذهبين الشيوعي والرأسمالي قد خافوا من وثبة المظلومين وتحرر الشعوب . فاتخذوا الإجراءات المضادة لذلك .
أما الشيوعية والدول الراديكالية ،فقد اتخذت أسلوب القمع والتنكيل والتخويف بإزاء ذلك .وأما الدول الرأسمالية، فقد ألهت شعوبها والشعوب الأخرى بالمال والمشاكل الاقتصادية وبالبرامج الرياضية والخلاعية وغير ذلك .
مما أدّى أن لا يحس الشعوب بمشاكلهم الواقعية وآلامهم الأساسية . وهم – ومع ذلك – غير فارغين من الاغتشاش والاحتجاج في كل بقاع العالم .
وليس في الدين المقدس الحق ، شيء من هذا القبيل ، فإن كل ما فعلوه هو محرم في الدين وممنوع في شريعة سيد المرسلين ، ولا سبيل إلى مشروعية إيجاده .
نعم يوجد في بعض الاتجاهات الإسلامية ما يخالف ذلك، فقد ورد في صحيح مسلم وغيره ما يدل على وجوب طاعة الحاكم وان كان ظالماً ووجوب المحافظة على حكمه والخضوع له وان كان فاسقاً . وفي بعض الأخبار هناك (( لا ، ما قاموا الصلاة )) أي ما دامو على ظاهر الإسلام . وفي بعضها وجوب الطاعة ((حتى لو ضرب ظهرك أو أخذ مالك )) ونحو ذلك . وسياقها يدل على أنه حتى لو فعل ذلك عن طريق الظلم والاعتداء . فأنه يجب طاعته والحفاظ عليه .
وهذا اتجاه شاذ في الدين ، ورواياته ضعيفة ، وهو ناشئ من فهم معين لقوله تعالى : ﴿ أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ﴾ . على أن المراد من أولي الأمر كل حاكم مسلم مهما كانت صفاته وعمله . ألا أننا لو سلمناه ، فلا أقل من تقييده بأن يكون عادلاُ في نفسه وفي أفعاله . فإذا خرج من العدالة لم يجز قبول ولايته.
ولعل ماركس قد أعتمد على مثل هذه الاتجاهات المنسوبة إلى الدين ، في الطعن في الدين ، والدين منها براء .
كما قد يفهم البعض أن في الدين اتجاهاً آخر مناف لهذا المعنى الذي قلناه ، متمثلاً باتجاه التصوف . وهو اتجاه كثير السريان في المجتمع المسلم بمختلف طبقاته ومذاهبه . ومن المعلوم أن التصوف يؤدي إلى الابتعاد عن الناس ومحاولة التسليم بالواقع ، على ما هو عليه والصبر في تحمل البلاء وعدم لزوم دفعه . وكذلك أخراج حب الدنيا من القلب ... مما يلزم عدم الاهتمام بشأن نفسه وشأن الآخرين بما فيهم من عدل أو ظلم .
ولهذا لم يعارض (الغرب) وجود التصوف والطرق الصوفية في المجتمع المسلم . لأن وجودها لا ينافي مصالحه، بل هي بالتأكيد في مصلحته لأنها تبعد الناس من التفكير في مظالمه وفضائحه.
بل الأمر أكثر من ذلك ، فقد كانت من الوصايا الأساسية الصادرة من الغرب في الجيل السابق ، هو حث الناس على تعلم وصايا (ابن عربي) ونصائحه والسير طبقاً لمنهجه. وليس ذلك صداقة مع ابن عربي أو لأجل حسن الظن به ، وإنما لأجل جعل ذلك ذريعة لإبعاد الناس عن الاهتمام بأمور الدنيا ، الأمر الذي يوفر لهم الفرصة لكي ينفذوا مصالحهم بحرية تامة.
ومن الناحية العملية فإننا نرى أن أصحاب الطرق الصوفية كذلك ، ليس لهم تدخل في الحكم و لا في السياسة ولا في العدل والظلم الاجتماعيين . وهذا هو المقصود الأساسي للغرب المستعمر بكل تأكيد .
ولعل هذه الفكرة هي التي كانت أوضح في ذهن (ماركس) حين قال قولته المشهورة التي سمعناها . والأمر كذلك بكل تأكيد ، إذا كان الدين مقتصراً على هذا الاتجاه وخاصاً به .
وجواب ذلك في عدة نقاط :
النقطة الأولى : أن اتجاه التصوف ليس هو اتجاه الوحيد في الدين ، كما انه لا يعتبر صحيحاً عند الكثير من المسلمين والمؤمنين والمخلصين.
ويكفينا في ذلك أن نسمع منهم الحث على إشاعة وإعلان تعاليم ابن عربي وحث الناس عليها ، مما نفهم منه أن الناس بعيدون عن هذا الاتجاه وغير فاهمين له وغير متبعين له. بل أن اغلبهم جاهلون له تماماً ، وهم الأعم الأغلب ، في المجتمع المسلم بكل تأكيد . أذن فرد الفعل المفهوم والمتوقع من الصوفية تجاه الظلم والمصاعب والبلاء ، غير متوقع من غالبية الناس .
النقطة الثانية : أن في الدين أحكاماً منافية لمثل هذه الاتجاهات الصوفية كوجوب العدل وتفاصيله وحرمة الظلم وتفاصيله . مما هو معلوم من محله.
النقطة الثالثة : أن الاتجاه الصوفي إن كان يربي الأنانية في النفس وعدم الاهتمام بالمسلمين فهو مما يخالف الدين ويعصي شريعة سيد المرسلين . من حيث ما يدعي الاتصال به والطاعة له.
وأما إذا كان يربى الإخلاص لله سبحانه ولرسوله ولتعاليمه ، فالأمر ليس كذلك بكل تأكيد . بل يجب عليه أن يضع كل تعليم في موضعه ويطبق كل حكم في موضعه . وإذا كان الأمر كذلك ، اختلف الأمر تماماً عما يعتقده أصحاب تلك الاتجاهات الصوفية.
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم صل على محمد وآل محمد
تسلمون على هذه المواضيع المشرقة
زادكم الله نورا وعلما
إلهي لا يفرق بينكم وبين محمد وآل محمد
صلوات الله عليهم أجمعين.
شعاع المقامات.
توقيع شعاع المقامات
قال رسول الله :
(لا يُعذِّبُ الله الخلق إلا بذنوبِ العلماء الذين يكتمون الحقَّ من فضل عليٍّ وعترته. ألا وإنّه لم يَمشِ فوق الأرض بعد النبيين والمرسلين أفضل من شيعةِ عليٍّ ومحبيه الذين يُظهرون أمره وينشرون فضله، أولئك تغشاهم الرحمة وتستغفر لهم الملائكة. والويلُ كلّ الويل لمن يكتم فضائله وينكر أمره، فما أصبرهم على النار). كتاب (الدمعة الساكبة) ص82.