اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
رحلة عذاب
كانت في حاجة ماسة لأخذ حقنة في العضل، حيث وقتها قد وجب، وعليها أخذها دون عطل. ففكرت كغيرها من البشر، في أنسب وأسرع طريقة لذلك العمل. فكان أمامها عدة خيارات، فتوجهت إلى أحدها، لقربه وكونه في طريقها. طارت إليه على عجل، يحدوها بذلك الأمل. كطائر يطير من فنن إلى فنن، يلتقط رزقه الهابط إليه من السماء.
وصلت لأول خياراتها، وكان إسعاف أحد المستشفيات الكبيرة في المنطقة. هالها ما رأت من كثرة المراجعين، الوقوف منهم أكثر من الجالسين. كل ينتظر دوره للدخول، قابضاً على ورقة في يده، يستجدي الصحة والعافية. ما منهم إلا متضجر أو متأفف، من طول انتظاره، وقلة حيلته. اقل ما يقال عنهم صحراء جدباء - قرعاء، تتطلع بصبر إلى الغيث والمطر.
لم تستطع الانتظار مع المنتظرين، الذين يئنون من ثقل أجسامهم على أرجلهم، محاولين عدم التفكير في القطار الطويل الذي لا يتزحزح، من البشر الذين اسطفوا قبلهم. فانتقلت إلى خيارها التالي على جناح السرعة، طوارئ مستشفى آخر أقرب من الأول. محاولة الوصول إليه قبل انتهاء وردية العمل. تسابق الزمن، وتطير مع الثواني على عجل. وملأ قلبها فرحة، أن يكون هذا أخف زحمة من ذي قبل.
وعند وصولها دلفت من فورها إلى الاستقبال، وسجلت اسمها وأخذت في الانتظار. ولم يطول وقوفها حتى نوديت، لإجراء اللازم حيالها. فرحت بما جرى، وظنت أن همها قد انقضى، وأتاها الفرج من اعظم أبوابه اتساعا. ولكن ما حدث لها في ذلك المشفى، أكبر من أن يقال في بعض كلمات قصار.
فالكل يقول أنا مشغول، انتقلي إلى ذلك الواقف في الغرفة المقابلة. فهذا واجبه، وعليه يأخذ راتبه، وعليه إتمامه والقيام به. ومن هذا إلى ذاك، حتى ضاقت نفسها، ولما ترى بدا من المغادرة. ففرت كأنها حمر مستنفرة، فرت من قسورة، والأسود المتنمرة. وبقي خيارها الأخير، إذا لم تحصل فيه على ما تريد، يكون تعبها قد ذهب هباء منثورا.
وصلت إلى الوحدة الصحية، الموجودة داخل حيها السكني. وصلت قبل انتهاء الدوام، بوقت كافي لعلاج مجموعة من المرضى. دخلت إلى وحدة الضماد، وقدمت الإبرة للممرضة، وطلبت منها تزريقها. تعجبت الممرضة من الطريقة، وقالت: لدينا إجراءات طويلة عريضة، يتوجب عليك إتباعها لتحصلي على الخدمة! قالت مستغربة مستعجبة: خطوات متعددة من أجل حقنة؟!
فأخذت فاتباع النظام، وتضرعت لله أن تخلص قبل انتهاء الدوام. ووقفت في الطابور لاستخراج ملف العائلة العليل من مخبأة. وانتظرت حتى أتت أحد المسؤولات وهي تترنح، وأخذت الملف وهي تتأفف، قائلة: أتيت يا أختي متأخرة، وقد لا نستطيع علاجك، فنحن على عجل للمغادرة! ردت وهي على وجل: لكن الدوام لم ينتهي بعد، وبقي عليه أكثر من ساعة! قالت بكل عجرفة: هذه الساعة لنا لنستعد ونرتدي ملابس المغادرة.
سحب الملف وهو يستغيث، إلى الطبيب المناوب في الوحدة. وبعد أن قام بتفحصه على مهل، وسألها عن ضرورة حاجتها إلى تلك الحقنة. قال ذلك وهو يتثاءب ويشد ذراعيه، على ذلك الكرسي المسكين الذي يئن من طول جلوسه عليه: أسرعي إلى غرفة الضماد، للعل هناك من ينهي أمورك.
بقيت نصف ساعة على الدوام، وهرولت إلى تلك الغرفة، لعلها تجد من يخدمها. ولكن الكل قد هرب وترك المكان خاويا، قبل نهاية الدوام. هربوا كأنما جرس الإنذار قد قرع، وقذيفة الأعداء على وشك أن تقع. ماذا تقول وإلى من تلجأ، فلا يوجد من يغيث أو يفزع.
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف - السعودية