اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
والدي العزيز
كانت السنوات مريرة ومتعبة، حتى خيل إلينا أن حصارا مجحفا فرض علينا ولمدة غير معلومة، لكثرة ما طلب إلينا من شد الحزام والاقتصاد في المعيشة. ولقول الوالدة مكررة ومؤكدة وهي صارمة الملامح واثقة الكلمة: على من يريد شيء خاص به عليه شراءه من مصروفه، فراتب والدكم زهيد لا يمكنه تغطية كل احتياجاتكم.
شددنا حزام الاقتصاد حتى تقلصت أمعائنا، ولم تعد لدينا القدرة على التنفس، كمن أجريت له عملية ربط معدة. وشددنا حزام التقشف، حتى اجتاحنا الخوف من انقطاعه بنا.
كنا نتذمر في الخفاء وتحت ملائات النوم، خوف غضب والدنا، لكثرة ما حذرتنا أمنا من ذلك.
علاما كل هذا، والى متى؟ ولما لا نعيش مثل بقية خلق الله؟
فمرة والدكم يريد رفع راتبه التقاعدي، لنتمكن من العيش برفاهية حينها. وأخرى يجمع كمية من المال، تجهيزا لسفرة عائلية قريبة.
الأكل داخل البيت لا تقبل عليه نفوسنا، وخارج البيت لا تقدر عليه جيوبنا. ورفقاء الدراسة تنهال عليهم الأموال كسيل من الماء جارف، دون حسيب ودون رقيب. ونحن ندفن رؤوسنا في التراب، كما تفعل النعامة، خوف أن يرانا احد ونحن نعد القروش لزهيد الطعام. والملابس تلك التي لها هم خاص، ووقتها فقط في المناسبات المهمة، ومطلوب منا الحفاظ عليها لبقية العمر .
تأتي الأوامر عبر الناطق الرسمي: عليكم بالهدوء وعدم الإزعاج، فوالدكم يمر بحالة نفسية عصيبة جراء ضغوط العمل.
إذا كنا الإنسان لا يستطيع التعبير عن دواخله في بيته، أين يتمكن أن يقوم بذلك؟!
بعد أيام تدخل الوالدة علينا غرفنا على غير العادة، وهي تحاول كتم ابتسامة تكاد تملئ صفحة وجهها، كأنها قنبلة على وشك الانفجار.
داخلنا الخوف أول الأمر، فلم نعد نحتمل المزيد من هزات المقاطعة وشدة الحصار.
أخرجت آهة حارة من جوفها، لتزيح عن صدرها حمل ثقيل قد أجهدها ثم قالت: افرحوا وتنعموا بالخير الذي وصل إلينا فجأة، لقد انتهى حصاركم وانقشع غبار مقاطعتكم، والدكم حصل على وظيفة جديدة براتب مجزي.
فرحنا واستبشرنا خيرا، واخذ كلمنا يمني نفسه بقائمة طويلة من الطلبات.
لم يمضي وقت طويل على ذلك الكلام حتى تبخرت كل أحلامنا.
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف، السعودية
آخر تعديل بواسطة خادمة بنت المصطفى ، 02-Nov-2011 الساعة 09:04 PM.