اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الدور الرسالي للإمام السجاد(ع)
2-استغلال الإمام السجاد للبكاء
بكى الإمام علي ابن الحسين(ع) على والده الشهيد المظلوم ثلاثة وعشرين عام. وما وضع له طعام ألا خنقته عبرته، وما احضر له بشراب إلا انهالت دموعه فيه، وهو يقول: لقد قتل ابن رسول الله عطشانا. وإذا مر بجزار استوقفه ليسأله هل سقيت الشاة ماء ثم يبكي قائلا: لقد قتل سبط رسول الله(ص) ظامئا على شط الفرات. حتى ضج منه مواليه وأهل بيته، فقال له احدهم: إني أخاف أن تكون من الهالكين! قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله واعلم من الله ما لا تعلمون، أني لم اذكر مصرع بني فاطمة(ع) إلا خنقتني العبرة.
فقد يعترض البعض على البكاء والعويل، ويصمه بأنه من أساليب الضعفاء، من النساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا. لكن ذلك مخالف للواقع، خاصة على إمام مثل شهيد الطف(ع)، ومن فقده يعتبر فاجعة ليس لأهل البيت فحسب بل للأمة جميعها. فهو ريحانة رسول الله، وسيد شباب أهل الجنة، ومن حبه حب رسول الله، وحب رسول الله حب الله.
وقد يقال أن اللطم والجزع حرام لأنه يؤذي الميت في قبره، واعتراض على قضاء الله وقدره. لكن فند أهل البيت هذه المزاعم قائلين: (كل الجزع مذموم شرعاً إلا الجزع على الإمام الحسين فانه محبوب شرعاً)، وإن النبي (ص) بكى على إبراهيم وقال: «تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب».
ولكن ما يقوم به الإمام(ع) ليس مجرد بكاء وجزعا واعتراضا على إرادة الله، حاشاه ذلك، فهو إمام معصوم لديه رسالة يريد إيصالها للناس. وكما قلنا انه يبحث عن السبل الأنسب والأقوم لإيصالها. وليس هناك طريقة أقوى من الدمعة لغسل النفوس وترقيق القلوب. ومع ذلك كان وسيلة سياسية، لرفض الظلم وإعلان المعارضة، لا يستطيع احد منعه منها، فهو يبكي على والده المقتول.
فبعد اشتعال ثورة الإمام الحسين(ع)، التي لم تخمد جذوتها بقتله مع الثلة القليلة من أصحابه، الذين وفقهم الله لنيل الشهادة بين يديه. بقيت حية ملتهبة كالشعلة، تتقد منها ما جاء بعدها من ثورات. وأشعلت في روح الأمة التمرد على الظلم، والخروج على الطغيان. وأعادت الحياة إلي الخلايا المؤمنة، الخامدة تحت رماد سياسة معاوية المنافقة، بانتظار موته ومعرفة تكليفها والدور المطلوب منها، مثل ثورة التوابين وثورة المختار. لكن هذه الحركات كانت بحاجة إلى هوية دينية وأهداف ربانية، لان لا يستغلها الطامعون في الحكم، أمثال عبدالله ابن الزبير، الذي خرج في مكة رافعا شعار يا لثارات الحسين، وعندما استتب له الأمر امتنع عن الصلاة على محمد واله، مخافة أن يشمخ الهاشميون بأنوفهم.
فتصدى لذلك كله الإمام السجاد(ع)، واتبع عدة أساليب بما يتناسب والظروف الموضوعية التي كانت تعيشها الأمة، فكان احد تلك الأساليب البكاء.
بقلم: حسين نوح مشامع
بإشراف: الشيخ محمد محفوظ