اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
مفكرة مبتعث - 6
انتقل من مطار لآخر، ومن طائرة لأخرى، ومن دولة لأخرى، وانتظارا هنا، وتأخيرا هناك، حتى وصل محمود لنهاية رحلته. كأنه طائر مهاجر، يبحث عن مأوى.
بنزوله من طائرته، واستلامه أمتعته، كان يشغل فكره القيام بأمرين مهمين. احدهما الاتصال بأهله، ليطمئنهم على سلامة وصوله. والأمر الثاني، البحث عن اقرب فندق من جامعته، يؤمن فيه أمتعته ويبيت فيه ليله.
من حسن حظه وصوله قبل ميعاد الدراسة بوقت كاف، ليتمكن من ترتيب أموره، ويتعرف على المنطقة التي سيمضي فيها جل وقته. وفي احد الأيام التالية، ومع بداية التسجيل، ذهب لجامعته، وسلم أوراقه، مبديا استعداده لبدأ الدراسة.
وفي الوقت نفسه سألهم وهو على وجل، كطائر صغير تائه، يبحث عن أمه من بين ألاف الطيور:هل يوجد أحد من بني وطني؟
رأوا الحيرة في عينيه، والتلعثم على شفتيه، فوجهوه إلى مكتب الطلاب الأجانب، قائلين: هناك تجد بغيتك.
وجد من يدله على الطريق، ويأخذ بيديه. فأعطي قائمة بأسماء الطلبة، وقائمة أخرى بالخدمات التي يقدمها المكتب، والمناسبات التي يقيمها.
اتصل بأحد الطلبة دون تحديد، كأنه غريق متعلق بخشبة، يحاول التمسك بها بشدة، رجاء إنقاذ نفسه من الهلاك. قائلا: أنا (فلان .... بن فلان) من المنطقة ..... في بلدكم، وصلت قبل عدة أيام.
وقبل طلبه المساعدة، رحب به منه على الطرف الآخر واستضافه، كأنه يعرفه من مدة طويلة. وقال له وكأنه احد أفراد عائلته، انتظر حيث أنت وسوف اصل لآخذك.
عندها تذكر كلام والده: يا ولدي الطلاب الآخرين هم عشيرتك واهلك في الغربة.
اختار السكن مع مجموعة من الطلاب العزاب، ارتاح لهم وأحب صحبتهم. فصاروا له مثل أهله، يخففون عنه هم غربته، ومرارة الابتعاد عن ذويه. خاصة في الأيام التي يكون هناك تجمعا كبيرا، يضم الكثير من المبتعثين.
بعد مدة من مواصلة دراسته، تبين له أن هذا التجمع وبالرغم ما يوفره له من الألفة، ويكسر عنه الشعور بالغربة، تتجلى فيه مشكلة تتعارض مع الهدف الذي من اجله ترك أهله وأرضه. فعندما يجتمعون أو يسكنون مع بعضهم، يتناسون استعمال لغة البلد الذي هم فيه، ويصرون على استخدام لغتهم الأم، كان بهم شوق إليها. مما يضعف ألسنتهم، ويجعل من العسير اكتسابهم لتلك اللغة.
فكان عليه اتخاذ قرارا صعبا، فيه مغامرة وخسارة للمميزات التي يحصل عليها وهو بقربهم.
بقلم: حسين نوح مشامع