اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
تشتت أفراد المجتمع
كل قوم بما لديهم فرحون، ولكن نحن لسنا كذلك!
آبائنا وأجدادنا تأقلموا وأحبوا زمانهم، بقدر ما كرهوا زماننا وذموه. أحبوا زمانهم، للمحبة والألفة التي كانت تحوط أهل ذلك الزمان. ومن بقي منهم على قيد الحياة، كره زماننا، لتشتتنا وتمزق أواصر المحبة والألفة بيننا.
ليس كلنا شاهد وعايش تلك الفترة الزمنية، المزدهرة بالعلاقات الاجتماعية، ليتمكن من المقارنة بين الفترتين عن قرب. ولكن يمكننا تقييم وضعنا الراهن، الذي نحن فيه، بمشاهدة التدهور والتفكك الاجتماعي الذي وصلنا إليه. فما الذي أوصلنا إلى هذا الطريق المسدود!؟
يقول بعض الباحثين أننا قد استعضنا عن العلاقات الاجتماعية المباشرة، بالعلاقات الدولية الغير مباشرة. وقد ساعدت القنوات السلكية واللاسلكية والتكنولوجية الحديثة، على تأصيل هذه الظاهرة في حياتنا. واستبدلنا العلاقات الأخوية والعائلية، بعلاقات الصداقة خارج الأسرة والمصلحية.
وكان مجتمع الآباء والأجداد، يحتاج بعضه إلى بعض، ويستعين بعضه ببعض. فالغني يحتاج إلى الفقير، في إنهاء ما يحتاجه من أموره. والفقير يحتاج إلى الغني، لأنه مصدر معاشه.
وبعد الطفرة الاقتصادية التي اجتاحت البلاد، اصطبغنا بلون لم يكن من لوننا، وتكونا في تربة لم تكن تربتنا. تغيرت حياتنا وتغير أسلوب معيشتنا، ولم يعد يحتاج بعضنا إلى بعض. ونظام العمل الجديد لكسب المعيشة، أصبح يشجع على العزلة والمصلحة الشخصية. فتغير نمط الحياة اليومية بعد اكتشاف البترول، فتوجه الناس للعمل في الشركات والدوائر الحكومية، التي كانت تعطي بسخاء لا نظير له. مما أدى إلى تغير نمط حياة الفقراء، ولم يعودوا بحاجة للعمل عند الأغنياء. فاختفت أكثر المهن، التي كانت تحتاج إلى الكثير من الأيدي العاملة، مثل الزراعة وصيد السمك وجمع اللؤلوء. بل تبدل الحال فأصبح البعض يتأفف من بعض الأعمال اليدوية، التي كان يؤديها في السابق.(1) مع ذلك لا يمكن رمي الثقل الأكبر على الطفرة الاقتصادية، ولكن قد تكون هي القشة التي قصمت ظهر البعير.
فلو سئلنا آبائنا وأجدادنا، الذين لا يزالون بينا، عن وضعهم الاقتصادي؟ فلا اعتقد أنهم يختلفون، أن في أيامهم كانت الطبقية متفشية بشكل كبير. فهناك الأغنياء المترفون، المستأثرون بكل شيء. والفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم، إلا بالكد والكدح القاسي. فلم يكن أمام الفقراء في تلك الحقبة، ليداووا جراحهم ويتغلبوا على وضعهم التعس، إلا التعاون فيما بينهم. وبما أن أكثرهم كانوا عمالا، فلا غضاضة أن الجار يساعد جاره في البناء، ليساعده جاره عندما يحين دوره.
كما كانت عدة عائلات تعيش في بيت واحد، ولا تملك كل عائلة أكثر من حجرة واحدة، تنحشر فيها. وقد لا يكون هناك أكثر من حماما واحدا مشترك، تتقاسمه كل تلك البشرية. كما هو حال شبابنا في هذه الأيام، وبسبب الوضع الاقتصادي المتدهور، ليس أمامهم إلا السكن في بيت العائلة، والاكتفاء بشقة صغيرة، بدل من البيت المترامي الأطراف. فبتغير وتحسن الوضع المادي، تساوى الذي كان في ذلك يوم فقيرا، مع الذي كان غنيا. فهجر ألئك الفقراء، بعد تلك السنين الطويلة من القهر والاستعباد، أعمال وتجارة الأغنياء. فكأنما برز ما كان سكانا تحت الرماد، وظهرت النفوس على حقيقتها.
وظهر التباعد والتدابر، لا بسبب تحسن الوضع الاقتصادي فقط. وإنما أيضا للساعات الطويلة التي يقضيها الموظف في عمله، مبتعدا عن أهله وبني مجتمعه. مكونا له مجموعة جديدة، تتناسب معه في الأفكار والطموحات، يقضي بينهم جل وقت فراغه. فصارت هذه هي النواة للعادة الجديدة المتبعة، لان الطيور على أشكالها تقع.
أما النساء وربات البيوت، الآتي ليس لهن عمل يحجزهن عن التداخل مع أفراد المجتمع، لا زلن متمسكات بتلك العادات الاجتماعية. وذلك عبر حضور المجالس العائلية، أو المجالس النسائية العامة.
فما هو السبيل للخروج من هذا المأزق الضيق!؟
(1) مجلة الواحة العدد 8 - لكي لا يبني المجتمع قلاع عزلته ص131.
بقلم: حسين نوح مشامع