اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
مفكرة مبتعث -10
كان وجوده بين الزملاء والأصحاب من بني قومه، تعزية له وسلوى عن البعد عن الاهل والنأي عن ارض الوطن. ولكن اذا ابتعد عنهم، ولم يرهم إلا نزرا، وعادة ما تكون في المناسبات القليلة، التي تتخلل ايام الدراسة. ورغم ما يحصل عليه من المام باللغة الأجنبية، يشعر بالوحدة التي تزيد من غربته، وتجعله كثير التفكير في العائلة، من اب وأم وإخوان.
فلا يكون امامه إلا الاستعانة بالوسائل التكنولوجية الحديثة، ليتمكن من محادثتهم كأنهم الى جواره. فيطير بجناحيه محلقا فوق ربوع الوطن، عائدا مع الطيور المهاجرة الى مسقط رأسها.
فيكلمهم عن كل ما يدور في رأسه من أفكار كأنه يفعل ذلك بصوت عال. وينقل اليهم ما مر به من احداث ومواقف في الفترة السابقة، كأنه يستطلع ارائهم في ما يجب عليه القيام به.
وينظر الى اعيانهم عبر الصور الفورية، التي يحملها الاثير خلال المحادثة. فيشعر بهم يتحلقون حوله، تحلق الطائر حول فرخة خوفا عليه وحماية له. فيدق قلبه فرحا وحبورا، كدقات الطبول تجاوب بعضها بعضا.
ومع ما يثير ذلك فيه نفسه من شوق إليهم، يتمنى ان تلك الدقائق التي يمضيها معهم لا تنتهي، وتستمر الى الابد.
وعندما تشغله كثرة الدروس، ويمنعه من التواصل معهم ثقل الواجبات، فلا يكون امامه لا ركوب الطائرة، والتوجه عائدا الى الديار، كما تعد الطيور الى اوكارها.
في احد رحلات العطل الصيفية، حيث تجتمع الحرارة العالية مع الرطوبة القاتلة، وتنظم اليهما النهارات الطويلة، فيكون الثلاثة عصابة واحدة هدفها انهاكه والقضاء عليه. مقابل تلك الاجواء التي قدم منها، المعروفة ببرودتها الشتوية، واعتدال اجوائها الصيفية. مما تجعله يتفادى الخروج والتجوال، ويكتفي بالاحتماء بمكيفة الهواء.
اتفق مع احد الاصحاب، ليوصله الى المطار الداخلي، في مدينة غربته. ليستقل بعدها طائرة اخرى الى المطار الدولي في عاصمة ذلك البلد، ومن هناك ينتقل الى مطار دولة اخرى ليتمكن من الوصول الى البلاد.
وبسبب عدم دقة ذلك الزميل في مواعيده، تاخر عن الرحلة، وضطر الى الحجز من جديد. مما قلص ايام الاجازة من عشرة الى ثمانية، مرت بغمضة عين، دون ان يشعر بها.
بقلم: حسين نوح مشامع