اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
طلاق بائن
ظل يعمل في موقعه دون تبديل، وفي منصبه دون تغيير. لم يتقدم إلى الأمام، ولم يرتقي في الأسباب. كان مواظباً على التطور - والتوسع - والانتشار. مع طول خدمته، وعظيم ولائه. كمن كان مربوط في ساقية، يدور حولها دون أن يشعر بفائدتها، أو يجني أرباحها. ولحسن حظه لم يتراجع دخله، وبقي على حاله دون ما نقيصة. يفي بمتطلباته، ومصروفات عائلته.
تتغير الإدارة، وتصل وجوه جديدة إلى دفة القيادة. فراها فرصة سانحة، لإثبات وجوده، وإظهار مواهبه. فعله يحظى بالقبول، وينال منهم بالرضى والحبور. فلقد مضى عليه فترة طويلة، مع الإدارة السابقة ولم ينل منها على ما يريد، ولم يصله منها ما يتطلع. فليجرب حظه هذه المرة، فماذا سيخسر في هذه الكرة؟!
فخطرت له فكرة مذهلة، يغير بها مسار حياته. فليتخلص من حمله الثقيل، وكرشه المنتصب أمامه. كأنه مدفع مكتنز، وعلى وشك أن ينطلق. ذلك القرار الذي لم يستطع تنفيذه، ولم يضع له الخطوات لتذليله. فهاهي الفرصة مواتية، فاليضع أول اللبنات، وليعلي الأبنية. وحصل على مراده، وحقق هدفه. وكانت النتيجة مفاجئة كبرى لمن حوله، قبل أن تكون له! في ظرف شهور قليلة، لم يعد يرى تلك المتدلية أمامه. كأنها معجزة ربانية، أو سحر مارد داهية!
لكن حصل بعد ذلك، ما لم يكن في توقعه، وحدث لم يكن في حسبانه. فلقد ارتد عليه عمله، وانقلب عليه سحره. فبدل من أن تتحسن صحته، وتتجدد لياقته. ويقبل على الدنيا بروح مرحة. أصيب بمرض قاس، أسقطه صريع الفراش. كحيوان من أكلت اللحوم، أنشب أنيابه ومخالبه، ينهش منه القلب قبل القالب!
عندها ارتعدت فرائص رؤسائه، وتشنجت أوداجهم. وأحسوا بالخطر محدق أمامهم. كأنما بقاءه بعد ذلك سيقضي على مستقبلهم، أو يقف معدل نموهم. ولكن أكبر خوفهم كان منصباً على المبالغ الكثيرة التي ستصرف على علاجه، حتى يعود إلى سابق عهده، ويتسلم زمام منصبه. كأنما كانوا في فلك تجري بهم ريح طيبة، فجاءتهم ريح عاصف، وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم.
كانت مكافئتهم له أغرب من ما كان يعتقد، وأعجب من ما كان يتصور! لكنهم لم يجرؤا على مفاتحته مباشرة، ولم يستطيعوا إعلامه قرارهم مشافهة. بل كان أمرهم على مراحل، وخطتهم كانت على خطوات. كما تعمل الأفعى قبل الحصول على قشرة جديدة، تنتزع وتنسلخ ببطيء من جلدها السابق.
خلصوه من عمله الحالي، وسحبوا كل صلاحياته. واسندوا أعماله إلى شخص آخر، يقوم مقامه. فأقنعوه بالقيام بوظيفة أخرى، ارحب و أوسع مجالا. فبدل من إشراف محلي محدود، ينتقل إلى آخر على مستوى كافة الفروع. غير نشاطه، واصبح أقرب إلى أصحاب القرار موقعه. كان كمن يستدرج إلى الجحيم، وهو فاقد للوعي ليس بعليم.
تم لهم ما أرادوا، ونجح ما خططوا. فلم يعد هناك ما يخفونه عليه، فالقوا القنبلة عليه، وفجروها في وجهه. عندها استفاق من غفوته، وشعر بما كان يدبر له. فصل نهائي لا نقض له، وطلاق بائن لا رجعة فيه. لم يرد المناقشة، ولم ينوي المنازعة. استسلم لمصيره، مع علمه بوهن أسباب المصيبة. فلقد عافت نفسه المواصلة، ولم يجد في نفسه الرغبة والمبادرة. كمن افرغ كل ما فيه أمعائه واستراح، بعد أن أعطي سم زعاف.