اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
دوحة المسنين-1
ذهب حسان لزيارة احد دور المسنين في منطقة سكناه، في نهار احد ايام الأسبوع ليؤدي واجب القربى. دخل بحثا عن احد اقاربه، ادخل الدار لعدم تمكن ابنائه من الاعتناء به. دخل وهو يتفرس في الوجوه، واحد بعد اخر على امل ان يجده.
بعد أن دار جميع الأقسام، ولم يجد من يسأله من المسؤلين، وأراد أن يعود أدراجه، خرج في طريقه أحد المسنين، كأنما انشقت باطن الارض عن هذا الجان فجأة.
لم يترك له المسن المجال للسؤال، أو الاستفسار عن شخصه، كأنه عثر على كنز ثمين، كان قد فقده منذ وقت طويل. فعرض عليه المسن قبول ضيافته، ولم يقبل التنازل عنها.
مضى معه حيث أراد، وجلس معه على مائدة الطعام، كأنه اسير ذليل، لا حول له ولا قوة. وخلال تناولهما الطعام، اخذ المسن بنشر همومه وآلامه، كأنهما على علاقة وطيدة سابقة.
وحسان ضاغطا على نفسه، يحاول عدم اظهار اي ردة فعل، تسيء للعجوز او تؤذي مشاعره. وكلما حاول السرحان والابتعاد بمخيلته بعيداً، كان المسن يعيده الى الواقع بهز كتفه ليوقظه.
كنت في ما مضى رجل ثري، وذو اموال طائلة، وأملاكي منتشرة في كل مكان، ولا تخلوا منطقة من وجود مصلحة لي. شاهد العجوز الاستغراب على وجهه، لان مظهره وملبسه لا يدل على ذلك. فقال له: بتحدي وتأكيد، اسأل فلان وسأل فلان، فيعطيه عدة اسماء معروفة في المنطقة، ليؤكد له صدق كلامه.
كنت لا اركن نهارا ولا ليلاً، ومشاغلي لا تنتهي، حتى على سفرة الطعام وفراش النوم. انشغالاتي وأعمالي ابعدتني عن اهلي ومجتمعي، فافتقدني الاهل والأقارب والأصحاب، حتى في مناسباتهم المفرحة والمبكية. لعتقادي ان المال والسعي ورائه، هي زينة الوجود. فببتعادي نسيني الناس، لم يعد احد يهتم لفقدي.
مع الايام كبرت سني، وكبرت معها الامي وأمراضي. في البداية أم الاولاد كانت الى جواري تطببني وتعتني بي، ولكن بمرور السنوات لم تعد قادرة على القيام بذلك. ولم يمض الوقت، حتى اختارها الله الى جواره، رحمها الله. ولبتعادي عن أولادي، ابتعدوا هم عني، ولم يعودوا يهتموا بي، وانصرف كل منهم الى حياته الخاصة.
تطلع حسان الى ساعة يده، فلاحظ ان الوقت قد تأخر، وقاربت الشمس على المغيب. فودع مظيفه قائلاً: مع السلامة أبو أحمد، سوف ازورك في وقت لاحق لتكمل لي قصتك.
رد المسن بإستغراب، كأنما بهت وأخذ بالمفاجأة، لاعتقاده ان حسان جاء لزيارته هو، انا لست أبو أحمد، فأبو أحمد قد توفي قبل بضعة أيام، بسبب تدهور صحته، على اثر الكأبة التي أصيب بها، لتوقف ابنائه عن زيارته والسؤال عنه.
بقلم: حسين نوح مشامع