اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الدنيا المذمومة
------------------
مـا هـي الدنيا ولما سميت دنيا ؟
وهل يجوز لعنها وسبها وشتمها ؟
خلق الله الدنيا وزينها بأبهى حلل الزينة والجمال وجعل لها مفاتن تثير لعاب طلابها فتتكلاب عليها ، وجعل لها غطاء ورداء يرى في أعين أهل الحق فلا يتأثرون بها ولا يرون فيها إلا امرأة عاجزة ، شاب رأسها وانقطعت حيلتها ، فلا تملك من متاع الجمال إلا تجاعيد خطها الزمن .
نعم الدنيا كما يصفها القرآن الكريم : وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ . . . ﴿الأنعام: 32﴾
ولكن برغم جمالها وظلالها تبقى هي المرأة الجامدة وأنت الذي بإرادتك أن تكبح جماح نفسك لتقف على أعتاب الحق وترفضها
ما ذنبها إذا خلقت جميلة .
أنت الذي سعيت إليها ولم تسعى إليك .
أنت الذي وقعت فريسة جمالها ولم تأسرك .
فهل بعد أن وقعت في شراكها وانتهت الملذات وتصرمت وأقامت التبعات وتحومت
تسبها وتشتمها وتدعي عليها بأنها من غرتك !
أين كان عقلك سكر بخمرة فتنتها
أم غفل عن خالقها فنسيه وغاص في عباب لجتها
حتى إذا رمته على شاطئ الضعف توعى بعد الغفلة وانتبه بعد الخملة .
يقول أمير المؤمنين علي في وصفه لها : يَا دُنْيَا غُرِّي غَيْرِي ، أَبِي تَعَرَّضْتِ ؟
أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ ؟
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ، قَدْ بَايَنْتُكِ ثَلَاثًا لَا رَجْعَةَ فِيهَا ، فَعُمْرُكِ قَصِيرٌ ، وَخَطَرُكِ حَقِيرٌ ، آهٍ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ , وَبُعْدِ السَّفَرِ , وَوَحْشَةِ الطَّرِيقِ . . . هنا يريد أمير المؤمنين أن يفرق بين الدنيا المزخرفة المنبوذة التي لا يريدها الله سبحانه وبين دنيا أخرى بفضلها وصلت إلى جنات الله والرضوان المقيم لأنه يقول في مقال آخر شيء مغاير لما قاله هنا :
من خلال المقارنة بين المقالين لسيد البلغاء وأمير النطقاء علي بن أبي طالب ، نجد أنه يصف نوعين من الدنيا ، دنيا قامت على الباطل ولم ترعى ذمام الله فطلقها ، ودنيا حولها بجهده وجهوده إلى مركب يبحر فيه إلى شاطئ رضوان الله تعالى .
فإذن أنت أيها الإنسان تستطيع أن تغير المسار وتنطلق بقوة وثبات لتحول العالم إلى دنيا مشحونة بالطاعة والهداية بعيدة عن الإغراء والغواية .
ومن جهة أخرى الدنيا مرتع الشهوة واللذة ومنها ما هو محظور محرم ، ومنها ما هو مباح مسلَّم .
لكن هل الإسراف في الطيبات المحللة جائز ، والله لا يحب المسرفين ، أنت حين خوضك في متاهات اللذة تلتقف منها حتى إذا سكرت غفلت عن الله فصرت من الغافلين ، والله سبحانه دائما في كلامه يحذر من الغفلة فيقول ولا تكن من الغافلين ، وسأضرب لك مثلاً :
النوم من المحللات وهو راحة للبدن وفيه تنعدم المعصية وتنعدم الطاعة يعني ورقة العمل بيضاء ، ثم لو نمت النهار كله والليل ولم تقصر في الطاعة ، فهل أنت مرضي الله سبحانه - هل الله خلقك لهذا فقط - أم أنت مسؤول عن كل لحظة وكل فينة تقضيها في الدنيا - ثم يقول تعالى : ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴿التكاثر: 8﴾ فأنت مسؤول عن كل نعمة كيف صرفتها ومن أين جئتها ففي الحديث الشريف يسأل المرء عن خمس : عن عمره فيما أفناه ؟ وعن شبابه فيما أبلاه ؟ وماله من أين اكتسبه ؟ وفيما أنفقه ؟
من هنا نجد أن اللذة المحللة في موضع سؤال .
هذا فإن الإسراف في الطيبات مذموم وإن كان محلل لأنه يمنع العبد عن طاعة الله وذكره ،وإنما خلقنا الله لنعبده لا لنلتذ بها إذ يقول : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴿الذاريات: 56﴾
ولكن العبد يحتاج لإملاء ما تطلبه نفسه فقد تشتهي ، وما الجسد إلا مادة يفتقر ويحاتج ليتكامل فأعطاه نافذة يمكنه أن يخرج منها ليملأ ما رغبة به نفسه إذ أراد منه التوازن لكي لا ينحرف فيقول له : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّـهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كذلكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿الأعراف: 32﴾
ثم يقرن الزينة بالفتنة فاحذر من الإفراط فيها : إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴿الكهف: 7﴾
فالعمل الحسن هو في ضبط النفس وأخذ ما كنت بموضع حاجة لتملأ الغريزة التي فطرت عليها بما حلل الله وبما يكفي فلا تكن مسرفا مبذرا .
من هنا نرى الوجهين الذين ارتدتهما الدنيا وأنت أيها المبتلى فيها حاول أن لا تغص إلى العمق فتغرق وابقى دائما في حذر فإن الأمواج العالية قد تقذفك بعيدا إلى منتهى وعر فتصطدم بالصخور ويتحطم بك المركب .
إذن الدنيا ليست مذمومة ولا ملعونة بل أنت بفعلك تذمها وتزكيها .
وإنما سميت الدنيا لدنو منزلتها والمقام العالي هو الآخرة فأنت بالطاعة ترتفع من الدنيا إلى عليين وبالمعصية تنحدر من الدنيا إلى سجين في أسفل السافلين . لذا تمعن بمعناها تعرف من هي الدنيا فلا تقع أسير جمالها فتغوى وتهوى .
وهي مجرد آلة تتحرك في هوى نفسك - إما نحو الخير والصلاح ، وإما نحو المساوي القباح .
إنطلق بوعي وخذ منها ما يقيتك لطريق الآخرة فالطريق طويل والسفر بعيد والزاد مطلوب .
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الدنيا دار فناء والآخرة دار البقاء
الدنيا امتحان للآخرة...والمبتلي بحب الدنيا يرسب في الامتحان انزع من قلبك حب الدنيا يكن الفوز والنجاح حليفك لا محال..