اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
مفكرة مبتعث – 15
سكن عائلي
اتصل بمبعوثنا احد أقاربه، يلهج بلسان خائف وجل. ادخل الخوف إلى قلبه، وفتح عليه جوف الأرض، واسقط عليه سقف السماء. وان مصيبة لا مرد لها، قد ألمت به.
ودون مقدمات، ودون تمهيد قال: إذا كان بإمكانك إيواء زوجي وأولادي، لحين حصولي على سكن جديد!
هاله الخبر، فلم يستطع تحديد موقفه، ولم يستطع معرفة ما يتوجب عليه قوله، فكان كمن قد ألقم حجرا. وأحس انه حشر في خانة ضيقة، فخاف أن تكون ردة فعله عنيفة، فتكون إجابته سلبية. كقط محشور في زاوية ضيقة، فلم يجد مهربا إلا بالهجوم لخلاص نفسه. انقلب يومه المشمس ذاك، إلى رعد يصرخ ويتوسل، وبرق غاضب يزمجر. وارتفعت حرارة جبينه، فانهمر عرقه أمطارا وسيول عاتية. أراد فسحة من الزمن ليفكر، ووقتا كافيا ليتمكن من الهرب. أخذه الفكر بعيدا، يقلب كفا على كف، يهز رأسه تعجبا، كيف يمكنه مساعدته، وهو أعزب يعيش بين عزاب.
أحس الطرف الآخر بحاله، فقال: لدي شهر كامل لأتدبر أمري.
تنفس عندها الصعداء، وشعر أن السواد القاتم المحلق حول رأسه قد انقشع. فقال له: دعني انظر في أمري، وارى ماذا يمكنني أن افعله لأجلك.
وقبل أن يضع الطرف الآخر سماعة هاتفه، وينصرف لحاله، طلب منه شرح ماذا حل به.
بدأ قائلا: ماذا يكون شعورك، إذا طلب منك، بين يوم وليلة البحث عن سكن آخر!
قاطعه ليسأله متعجبا، وقد خرج صوته بنبرة مختلفة: ما لذي فعلته، لتنال كل هذا!
أنا أتعجب ما الذي فعلته، وليس أنت، لاستحق هذه المعاملة السيئة! فانظر حولي، إلى أولادي وزوجي، ونحن في هذه الغربة، بعيدون عن الأهل والأقارب. أتسأل ما الذنب الذي اقترفناه، لنطرد من سكن ألفناه، ونبعد عن أناس تعودنا عليهم! ويواصل قائلا، وقد توقف ليلتقط أنفاسه. ما ذنب زوجي، والى من تذهب! وهي غريبة في غربة، وكل من حولها غريب عنها. فلم تمضي فترة طويلة على غربتنا، ولم نشعر بألم الغربة بعد، ولا بلوعة الفراق والاشتياق للأهل والأصحاب.
وأضاف بعد أن استراحة قصيرة، ليتذكر أين انتهى، المشكلة ليست في البحث عن سكن جديد، فالمساكن حولنا كثيرة. لكن كيف نحصل عليه، والسكن السابق لم نحصل عليه إلا بجهد جهيد، وباسم صديق سبقنا إلى هنا!
قاطعه مبتعثنا ليستفسر متعجبا، ولماذا؟
فأجابه محتدا: كل ذلك لعدم حصولي، على بطاقة ضمان اجتماعي.
استوقفه مرة أخرى ليسأله باستغراب: ولما لم تحصل عليها؟
قال بلوعة، وزفرة خرجت من أعماق أحشاءه: كأنك لا تعرف، أنه لا يمكن الحصول عليها، بسهولة الكلام عنها، ولها إجراءات خاصة.
- وكيف ذلك!؟
أما أن تصدرها الجامعة، بعد إنهاء دورة اللغة بنجاح. والطريق الثاني، أن تعمل داخل الجامعة. لان العمل خارجها - كما تعلم - مسموح فقط للمجنسين. والحصول على عمل دخل الجامعة، ليس بهذه البساطة، إذا كان أمامك طابور من المنتظرين.
قاطعه مستفسرا: هل اتصلت بإدارة السكن، علك تصل معهم لرأي يريح الطرفين؟
أجاب وهو يتأوه، فخرج صوته مجروحا كسيرا: اتصلت، ولكن موقفهم كان حازما جازما، لا رجعة عنه. قائلين: تكررت الإنذارات الشفوية التي وجهت لك، وأنت لم تعرها اهتماما، بل أهملت حتى الإنذارات الخطية. أولادك مشاغبون، وكثيرو الصراخ والإزعاج، للجيران وكبار السن في المجمع. وكان آخرها ذلك الحشد من الناس، الذين حشرتهم في تلك الشقة الصغيرة، التي لا تستوعب أكثر من أربعة أشخاص.
وأضاف قائلا: أما أن أجد حلا سريعا، أو ارجع الأهل للبلد، لحين حصولي على حل.
اقفلا الخط، على أمل الحصول على مكان يؤوي عائلته مؤقتا.
بعد فترة ليست بالقصيرة، اتصل المبتعث بقريبه، ليزف له الخبر السار. قال له وهو فرحا مستبشرا، كمن انتصر على عدو غاشم: بإمكانك استغلال شقة احد الإخوان، لحين رجوعه من الإجازة الصيفية.
فأجابه بحزن عميق، لقد تأخرت كثيرا.
بقلم: حسين نوح مشامع