اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
مفكرة مبتعث-17
بدلة رسمية
من بين المواد الدراسية المقررة، وعلى مبتعثنا الخضوع لها، حتى يتمكن من إنهاء دراسته، والحصول على شهادة البكالوريوس، هي إنهاء فترة تدريبية. وخلال هذه الفترة، يتوجب عليه العمل في احد شركات القطاع الخاص، في البلد المضيف. كما كان عليه البحث بنفسه، عن شركة تقبل تدريبه، ضمن قائمة أعطيت له. فتقدم بطلبه لعدة شركات.
فكان في كل مرة يذهب لمقابلة شخصية، أو اختبار قبول، يكون بين نارين. نار التفاؤل والاندفاع، تجعله يرى الدنيا أمامه واحة خضراء، قد مدت له ذراعيها على وسعهما، يلتقط منها ما يشاء. أو نار تأكل قلبه، تجعله يفقد توازنه ويفقد الأمل، فتسود الدنيا في عينيه، كغيمة سوداء تحلق فوق رأسه ترعد وتبرق، وترج الأرض تحت قدميه رجا. فكان يقدم رجل يؤخر أخرى، ويخفق قلبه خوفا وفرقا، في كل مرة يستدعى فيها.
أجريت له عدة اختبارات، وقابله عدة مدراء من مختلف الأقسام. منهم من تخصص في التصنيع، وآخرين في الإدارة، ومثلهم في شؤون الموظفين، وهكذا. ولكثرتهم وانشغالهم، كأنهم محققين يستجوبنه في قضية جنائية. ولكثرتهم لم يستطع حفظ أشكالهم، فضلا عن أسمائهم.
أسئلة كثيرة ومثيرة، لا حصر لها ولا عد. وكان من بينها، والتي لا يزال يتذكرها.
ما هي جنسيتك؟
أين تقع بلدك؟ في أي منطقة من بلدك تسكن؟
أنت هنا على نفقتك الخاصة، أم على نفقة حكومتك؟
كم عمر؟ هل أنت متزوج؟ لماذا لم تتزوج؟
أليس هذا عمرا مقبولا للزواج في بلدك؟
هل أنت اكبر أولاد أبيك، أم هناك منه اكبر منك؟
ما هو تخصصك؟ لماذا تخصصت في هذا المجال؟
لماذا لم تكمل دراستك في بلادك، ألا يوجد فيها جامعات متخصصة؟
هل ستبقى هنا بعد تخرجك، أم ستعود لبلدك؟
هل ترغب في الالتحاق بنا بعد تخرجك؟
أصيبت بعدها نفسه بالإحباط، ورأسه بالدوران، لكثرة الاختبارات وكثرة المقابلات وكثرة الأسئلة. التي لم يكونوا بانتظار جوبا لها، ولكن لمجرد معرفة ردة فعله، فكأنهم يجربون عليه جهاز جديد لكشف الكذب.
قرب صبره على النفاذ، ومعدته على قذف ما بها. فهو لم يأخذ المسألة على محمل الجد، في البدء، وان القضية بالنسبة له مجرد تدريب والسلام. حيث كان يعتقد قبل تقديم أوراقه، وبلغته الجيدة، وتخصصه الفريد، عدم استطاعة أي كان رفض طلبه.
لكن ما جرى كان على خلاف المتوقع، وخارج على المألوف. فبعد أخذ ورد، وذهاب وإياب، وطول انتظار، قبل طلبه وبدأ العمل.
ورغم أن عمله لم يكن دون مقابل، بل كان بمقابل مالي مجزي، إلا أن هناك ما أزعجه كثيرا.
كانت الشركة متخصصة في التصنيع، وبقرب عملها من تخصصه، فكان يتوقع أن يحصل منها على خبرة عملية، تفيده في مستقبل حياته. لكنه كان يترك طوال وقته دون عمل، غير التركيز على حضوره وانصراف، وحسن تعامله مع الآخرين.
فكان يأتي على نفسه، ويتحمل إرهاق الجلوس، وصعوبة مرور الوقت، كسلحفاة تنقل قوائمها على مهل، لثقل الهيكل العظمي على ظهرها. وهو على طاولته دون عمل يذكر، على أمل إنهاء فترة التدريب بسلام.
لكن الشيء الآخر الذي اثر في نفسه أكثر من الذي مضى، منع مدير القسم له، من أن يكون مثله، في كامل أناقته.
قلم: حسين نوح مشامع