اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
مفكرة مبتعث-20- جنازير الجليد
بات على جو صحو، مائلا للبرودة بعض الشيء، ولكنه لا ينذر بأي نوع من التطورات الطبيعية. لذا يستطيع الوصول إلى جامعته غدا، في جو لطيف جميل دون عناء وتعب، هكذا كان يقول لنفسه.
فكر في واجباته المدرسية، وجدول دروس اليوم اللاحق، فأحس بالإحباط لكونه مجرد يوم عادي، ليس فيه من جديد.
وقت جهاز التنبيه، القابع كعسكري مناوب بجوار سريره، لينطلق قبل ساعة من دوام جامعته. ليتناول ما بقي من عشاء الليلة السابقة، ويلبس ثيابه، ويمضي في طريقه.
اندس في سريره، كما يندس الضب في جحره. أغمض عينيه على أمل الالتذاذ بنوم عميق، التذاذ ذوات البيات الموسمي بسباتها.
فجأة انطلق صوت دوي مزعج، ملأ جميع أركان غرفته، واخذ ينتقل صداه من زاوية لأخرى. جعله يقفز من سريره، كأنما قد انتبه من حلم مرعب.
امتدت يده للمنبه، محاولا إسكاته، فلاحظ أن الوقت لم يتجاوز منتصف الليل بعد.
تسائل عن مصدر الإزعاج، فأدار رأسه حول غرفته، كرادار يلتقط الموجات المخترقة لمجاله، من مختلف الاتجاهات. أو جندي قابع في ثكنته يستكشف المنطقة حوله.
لاحظ تحرك النافذة بجنون، كمن يحاول الفرار خوفا على حياته، من وحش كاسر. فتحرك نحو الستارة بحذر، وحركها بعيدا عن النافذة بهدوء، كمن يكتشف عالم غريب مخيف. فشاهد عجبا! كانت الممرات حول السكن قد لبست معطف شوي ابيض طويل ثقيل، وحجبت الرؤية لمسافات بعيدة.
تحسر لذهابه في اليوم اللاحق للجامعة، وخسران الاستمتاع بهذا المنظر الخلاب. فوضع رأسه على وسادته من جديد، محاولا الاستغراق في النوم.
لم يمر وقت طويلا على ذلك، فإذا هاتفه النقال يهتز في مكانه، كأن به جان. يصرخ منزعجا، كأنما لامسه تيار كهربائي. رسالة من الجامعة تقول: نود إعلام كافة الطلبة، عن توقف الدراسة ليوم غدا، بسبب تراكم الثلوج على الطرقات، وصعوبة الوصل للجامعة.
عندها خطرت في رأسه فكرة شيطانية، ومجازفة فريدة من نوعها، طال انتظاره لها، ومر الوقت هو يفكر فيها. فاستيقظ باكرا مع خروج أول ضوء للشمس، من تحت طبقات الغيوم المتراكمة بعضها فوق بعض، كطبقات الجبال الرسوبية.
وضع قدمه اليمنى على دواسة الوقود، فانطلقت كحصان جموح في مضمار السباق. وليزيد من رهبة اللحظة، وقوة المفاجئة، وجه سيارته باتجاه احد جسور العالية. كما قال: يريد الوصول لأقصى المتعة.
وكلما زاد سرعته وهو يعتلي الجسر، استطاع اكتشاف معالم المدينة من حوله كأنه معتل ظهر منطاد.
أخذت السيارة في النزول من الجهة الأخرى للجسر، فلم يكتفي بسرعتها المكتسبة. فوضع رجله ليوصلها لأقصى مداها.
أخذت السيارة تزيح يمينا وشمالا، ثم أخذت بالدوران حاول نفسها، كأنها وسط حلبة رقص أو تزلج على الجليد.
فقد السيطرة على المقود، وقاربت مركبته من الخروج من مسارها، والارتطام بالحاجز الإسمنتي. فقفز من سريره وهو يلهث من هول المفاجئة، يحمد الله على سلامته، ومن كونه مجرد حلم.
فقرر بينه وبين نفسه، أن يتجنب السرعة العالية، والأماكن العالية خلال تساقط الجليد. ويذهب للسوق عند ما يذوب الجليد، ليشتري جنزير الجليد لإطارات سيارته.
قلم: حسين نوح مشامع