اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
مذكرات مبتعث -28- كتب مخفضة
الاختبارات ... أيام طويلة من الامتحانات والإبتلائات، مع ليالي التحضير والاستعدادات، وكثرة الواجبات، وتراكم الهموم والغموم، غيوم داكنة بعضها فوق بعض، تنذر بأمطار غزيرة وسيول جارفة.
تذكر حينها تلك الأيام الخوالي، حين كانت تجلس إلى جانبه والدته وتربت على كتفه. ترتب له غرفته وتجهز له أكله، وتعد له الشاي الخاص به، وتشد على يديه، وتدفعه ليتطلع إلى مستقبل مشرق ينتظره.
لخوفه من أن تجرفه الأحزان بعيدا عن ساحل الأمان، يتنقل بسيارته مبتعدا عن الشوارع المزدحمة والحارات الضيقة، محاولا التركيز في قيادته لان لا يصيبه مكروه.
يبحث بين أصحابه عمن هو خفيف النفس وسهل المئونة، لم تزحمه شؤون الدراسة، ليبثه أحزانه وهمومه.
عند وصوله سالما، يأخذ في تعداد ما يجول في خاطره من هموم واحدا تلو الآخر. يتذكر أهله وذويه، والمسافة التي تبعدهم عنه، وعدم وجود أجازة تمكنه من الذهاب لرؤيتهم، فلقد طال بعده عنهم، وزاد شوقه وحنينه إليهم. ومع ذلك لا توجد لديه المادة الكافية لحجز تذكرة السفر، ولا يود أن يكلف عائلته فوق ما تطيق من اجل نزوة عابرة. هذا مكان يقوله لنفسه وهو يحاول البحث عن موقع يوقف فيه سيارته.
دخل مطمأنا إلى مجلس الدار، واستقبله المضيف، هاشا باشا، وقبل أن ينبس ببنت شفة، توجه إليه قائلا: أنت لا تكف عن هذا الهياج وهذه الأفكار السوداء، خاصة أيام الاختبارات، ألا تركز في دراستك، وتستفيق من هواجسك!
تطلع إليه مبتعثنا مستغربا كلامه، فاتحا عينيه على وسعهما، كأنه أمام ساحرا يقرأ ما يجول بداخله.
تابع حديثه قائلا: إذا كانت حياة الإنسان لا تخلو من الصعوبات والمشاكل، وهو قرب أهل وناسه، فكيف بمن هو بعيدا عنهم آلاف الكيلومترات. لكني سوف أطلعك على سر احتفظت به لنفسي لمدة طويلة، عسى أن يخفف عنك بعض من همومك، ويحفظ عليك بعضا من مالك.
أثار هذا التلميح فضول مبتعثنا وأسال لعابه، كأنما حصل على صيد ثمين لا يقدر بثمن، مما جعله يفصح عن بعض مما في خاطره: نعم يا صديقي فان ما نحصل عليه من وزارة التعليم بالكاد يكفي لتغطية مصاريف معيشتنا، فكفي بمصاريف الكتب الدراسية الباهظة الثمن.
جلس رفيقه إلى حاسوبه، واستخرج موقعا الكترونيا، كتبه له في ورقة ودسها في جيبه، وقال: إن هذا سيفيدك كثيرا.
بقلم: حسين نوح مشامع