اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اعترافات مدخن (02) أعقاب السجائر
بدأ محمود مشوار التدخين بأعقاب السجائر التي كان يخلفها زوار أبيه. مع الوقت لم تعد تلك الأعقاب تفي بحاجته، ولا ترضي طموحه وتجعله رجلا مستقلا، كما هم ضيوف أبيه.
فوجودهم المستمر حوله، وعدم منع أبيه لهم من التدخين في مجلسه، كان يدفعه دفعا لمواصلة دربه ويمنعه من التراجع.
شاهدهم يستخرجون من جيوبهم علبا من مختلفة الألوان والأشكال والأحجام، تبهره بجمالها وتجذبه بأناقتها، كأنه يشاهد عملية تسويقية ناجحة، فتمنى أن تكون عنده واحدة مثلها يوما ما.
شاهدهم يشعلون سيجارة جديدة، من رأس تلك السيجارة الميتة القديمة، ثم يتخلصون منها كمن يتخلص من جسد قذر لا روح له.
شاهدهم وهم يلقون بالسيجارة الذابلة تحت أحذيتهم ويدوسونها بعنف، ويشتمونها بأقذع الشتائم والسباب، كمن يتخلص من فضلاته المؤذية. شعر عندها أن تلك الأعقاب الذليلة ليست من مقامه ولا من منزلته، وﻻبد الترقي ويصبح رجلا مثلهم.
قلة مصروفه رغم محاوﻻته المتكررة لزيادته، فيختار الوقت المناسب، حينما يكون والده مرتاح البال منشرح الصدر، فيقول وهو ويتطلع لامه طالبا الوقوف لجانبه، وهو يقف معتدلا لإطالة قامته ويبدو رجلا: أبي لقد كبرت ولم يعد المصروف يكفيني؟
فيرد الوالد في كل مرة وهو يبتسم متعجبا: مصروفك يكفي رجلا بالغا، كيف بك وأنت طفل صغير، وكل ما تحتاجه موفر لك!
قرر الاكتفاء من علبة السجائر بواحدة، مع تغيير العذر كل مرة ليقنع البائع بالموافقة، وكان احد تلك الأعذار، وهو يحاول أن يكون صارما ولا يبدو عليه الخوف: انتهت سجائر احد ضيوفنا، ويحتاج لسيجارة واحدة بشكل ضروري جدا ليعدل بها مزاجه.
بقلم: حسين نوح مشامع