اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
ثورة اجتماعية (05) بيت مال المسلمين
قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب/36
في لقائنا الخامس هذا نتابع الأحداث الاجتماعية التي حرفت المسلمين عن الطريق الذي رسمه الله ورسوله(ص) لهم، والتي اضطرت الحسين(ع) في نهاية المطاف لكي يصحح مسارهم وإعادتهم إلى وعيهم أن يسفك دمه الطاهر، وأن يضحي بأهله وأصحابه الخلص.
ذكرنا سابقا الأحداث التي سبقت والتي أدت إلى انحراف المسلمين عن الطريق القويم، والتي منها السقيفة وتوزيع الفيء على المسلمين. وجاءت بعدهما الشورى، هذه التي أوصلت عثمان بن عفان إلى سدة الخلافة والحكم.
ونقل عن معاوية ابن أبي سفيان قوله: (لم يشتت بين المسلمين ولا فرق أهوائهم إلا الشورى التي جعلها عمر في ستة نفر، لم يكن رجل منهم رجاها لنفسه، ورجاها له قومه، وتطلعت لها نفسه.(
ومع ولاية عثمان أخذت الحياة الاجتماعية منحى جديدا، يجعل كل ما جرى في السابق تافها لا يقاس بشيء.
هنا كأنما ابنتي قد أفاقت من غشوتها، أو كأن بوصلتها قد انحرفت عن طريق. فقالت: أبي - الم تنسى شيء؟
تساءلت متعجبا: وماذا نسيت؟
قالت: نسيت أن تبدي رأي الحسين(ع) في توزيع الفيء على المسلمين، وفي أحوال السقيفة!!
لم أنسى، ولكن رأي الحسين(ع) معروف مسبقا، وليس هناك رأي بعد قول الرسول(ص) (حسين مني وأنا من حسين). وبعد قول والده أمير المؤمنين(ع): (لو كان المال ما مالي لساويت بينهم، كيف والمال مال الله وهم عياله). بعد هذا ليس من الممكن أن نتصور أن يحيد الإمام عن هذا المنهج قيد أنملة، وهو الإمام المعصوم المؤيد من قبل الله تعالى.
وأما عن رأيه في ما جرى في قضية الشورى، ولا يصدق أن يحيد عن قول الله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما نزل إليك من ربك في - علي - وان لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس) سبأ 20.
هنا سألت ابنتي: ما الحدث الذي وقع بعد استلام الخليفة عثمان بن عفان زمام الحكم، وحرف المسلمين عن الجادة وشتت شملهم؟
أود هنا نقل كلمة عن معاوية بن ابي سفيان قوله: (ما تنازع قوم بعد نبيهم إلا سلط الله عليهم شرارهم(
ما قام به عثمان مع بداية حكمه هو بدعة لم يقم بها من كان قبله من الخلفاء. فهو لم يكتفي بتسليم زمام الحكم للقرشيين كما فعل من كان قبله، بل سلمه إلى أهله وذويه وقرابته من بني أومية وال أبي معيط، شباب ضعاف النفوس، غير مؤهلين لاستلام تلك المناصب، والمعروفين بالتهتك والابتذال والغير ملتزمين دينيا. فاتخذوا أموال الله دولا يستنزفونها، وعباد الله خولا يستعبدونهم. كما قال عثمان: (لنأخذ حاجتنا من هذا الفيء وإن أرغمت أنوف قوم).
هنا سألت ابنتي: وهل قام عثمان بعمل غير هذا؟!
نعم، فلقد أغدق الأموال والهبات من بيت مال المسلمين، وليس من ماله الخاص، على بعض أعيان قريش وبعض رجال الشورى، مما جعل ثرواتهم من الذهب تكسر بالفؤوس، والأراضي والأنعام ما لا يعد ولا يحصى.
عندها سألت ابنتي بتعجب: ما الذي خلفه هذا الإجراء في حياة المسلمين؟
هذا خلف مقابل هؤلاء الأثرياء الكثير من الفقراء والمحرومين، الذين لا يجدون قوت يومهم، ومن بينهم الجنود الذين كانوا يعطون اقل مما يسد رمقهم ورمق ذويهم.
وعادت لتسأل: ماذا فعل المسلمون لقاء ما يجري فيهم وحولهم من مآسي؟
لم يسكت ولم يسكن المسلمون لقاء ما يجري، فكانوا يراجعون عثمان وينصحونه.
قالت ابنتي: وماذا كان موقف عثمان منهم؟!
لم يكن عثمان يلتفت إلى نصح ناصح أو مشورة مشير، بل كان يقابل تلك النصائح وتلك المشورات بمزيد من الإهانة والإذلال لمن لا ظهر له ولا معين.
وهذا ما سوف نراه في مواقف عثمان مقابل الناصحين والمعارضين في الحلقة القادمة، بعد أن أكون قد جهزت نفسي ببعض المعلومات في هذا الجانب.
أنت انتبهي لقد وصلنا إلى المدرسة، فدعي التفكير جانبا، وانتظري اللقاء القادم.
بقلم: حسين نوح مشامع