اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
المعرفة والعبادة في الفكر الديني:
لا شكَّ أنَّ الإنسان بفطرته طالب للمعرفة، فهاجس الاستزادة المعرفية له مساحته الكبيرة في الساحة الإنسانية، وكيف تكون غاية البارئ من خلقته المعرفة ولا يوجِد في بنيته التكوينية ما يدفعه باتّجاهها؟ وقد ينظر إليه في حدود الفضول أو حبّ الاستطلاع، لكنَّه في أصله وازع لم يعرض عليه بعد حين، بل هو ملازم لإنسانيته لا يفارقها تحت أيّ ظرف، وإن اختلف شدَّةً وضعفاً، بل إنَّ العبادة التي تصـرِّح سورة الذاريات أنَّه غاية للخلقة الإنسانية، بل وتعمّ الجنّ أيضاً..(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56).
تعتبر مقدّمة للمعرفة، فهي غاية متوسّطة..
(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر: 99).
فالعبادة لم ترد لذاتها، وغايتها وصول الإنسان إلىٰ المعرفة اليقينية.
والإنسان لا يختلف مع أخيه الإنسان في أصل الأُمور الفطرية ومساحة الاختلاف في غالبية _ إن لم نقل جميع _ ما يرجع إلىٰ الأُمور القريبة من الفطرية، والفطرية تمثّل في المصداق لا المفهوم، وأصل الشـرائع هو الجانب المعرفي فيها، إذ لا شكَّ أنَّه أهمّ كثيراً من الجانب العملي والعبادي، والعبادة وإن كانت أثراً من آثار مستوىٰ معيَّن من المعرفة أو الإدراك، فكلّ عمل اختياري مسبوق بعلم يعتبر من مبادئه، والشـريعة في جانبها العملي تقتصـر علىٰ الأفعال الاختيارية، إلَّا أنَّ العبادة في الواقع مقدّمة لمراتب أُخرىٰ من العلم، وإنَّما أُريدت لمساهمتها في حصول واقع معرفي علىٰ المستوىٰ الفردي قد ينعكس في مرتبة لاحقة علىٰ الصعيد المجتمعي.