اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
م / شعار الاَنبياء في طريق دعوتهم هو
)ما أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ)إنَّ أخلص الاَعمال وأطهرها من شوائب المادية ما يكون الدافع إلى الاِتيان بها وجه اللّه سبحانه وكسب مرضاته، وامتثال أمره، وإطاعة فرضه، ولو أردنا أن نأتي بمثال، أو نعرض نموذجاً، فعمل الاَنبياء ودعوتهم إلى إصلاح المجتمع خير مثال ونموذج له.
وقد اتفقت كلمة الاَنبياء في هتافاتهم على أنَّهم يبلغون رسالات اللّه تطوعاً وطلباً لمرضاة اللّه، ولا يسألون الناس أجراً ولا جزاء، حتى صار ذلك شعاراً لهم.
وقد ورد هذا المضمون في قولهم الذي حكاه اللّه عنهم في قرآنه الكريم، إذ قال:
)وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَـى رَبِّ الْعَالَمِينَ)
وقد أمر اللّه سبحانه نبيه الكريم أن يقول:
)قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إلاَّ مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبيلاً(
وقد أصبح هذا الشعار يعرف به النبي عن غيره، ويميّز به المبعوث من جانبه سبحانه عن المبعوث من جانب نفسه ونفسانياته أو من جانب غيره.
ويشهد على ذلك قوله سبحانه حاكياً عن الرجل الذي جاء من أقصى المدينة داعياً الناس أن يتبعوا المرسلين، لاَنهم مبعوثون من جانبه سبحانه بشهادة أنّهم لا يسألون أجراً في دعوتهم، قال سبحانه:
)وَجَاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ(
ثم إنَّ رفضهم الاَجر في تبليغ أوامره سبحانه كان لاَجل أمرين:
1- أنّ ما قام به الاَنبياء من الخدمة للناس أعلى وأنبل من أن يقوّم بالدراهم والدنانير، أو بالمناصب والمقامات الدنيوية، فأي شيء يساوي إنقاذ الناس من الخضوع للحجر والمدر، والاَشكال والصور والخوض في قبائح الاَعمال، ورذائلها مما يحطم السعادة الاِنسانية ويجلب للبشر الشقاء والانحطاط ؟
أم ترى بماذا يقوّم إنقاذ الاَُمم مما كانت عليه قبل بعث الاَنبياء من الفتك والقتل ووأد البنين والبنات، وشن الغارات، وقطع الرحم وأكل الميتة والجيف، وغير ذلك من الفظائع الشائعة في الاَُمم الجاهلة، والمتفشية في الاَقوام المنحطة.
وتوقفك على قيمة أعمالهم، وخدماتهم التي قدموها إلى المجتمع الاِنساني ملاحظة البيئات التي لم يبلغ إليها نور النبوة ودعوة الاَنبياء، فهم على وحشيتهم الاَُولى، وجاهليتهم الجهلاء، فما صعدوا مرقاة الكمال درجة واحدة.
فإذا كان العمل هذه قيمته، وهذه نتيجته فلا يصح تقويمه بزخارف الدنيا، وملاذ الحياة، وخاصة إذا لاحظنا أنّ عمل الاَنبياء في مجال الدعوة كان مقروناً بالتضحية، وبذل النفوس والاَموال، وترك الاَوطان، وتحمّل الشدائد والمصائب والدفاع عن الرسالة بأفلاذ أكبادهم، فهل يمكن أن تقدّر تلكم التضحيات الجسام بالدراهم والدنانير، أو بالمناصب والمقامات؟!
2- انّ الدافع إلى قيامهم ودعوتهم كان هو امتثال أمره سبحانه وتعالى، وما كان كذلك فاللّه سبحانه أولى بأن يرجى منه الاَجر والجزاء لا غيره، فهوَلاء الرسل كانوا يقومون بأفضل خدمة للبشرية امتثالاً لاَمره سبحانه، وتنفيذاً لاِرادته من غير أن يتوقعوا من سواه أجراً ولا جزاءً.
ولاَجل ذلك نجد شيخ الاَنبياء نوحاً يهتف في قومه بقوله:
)فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إلاّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المُسْلِمِين(
وبقوله:
)وَيَا قَوْمِ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إلاّ عَلَى اللّهِ وَمَا أَنا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاَقُوا رَبِّهِمْ وَلَكِنّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُون(
ونجد هوداً يهتف في قومه بقوله:
)يا قَومِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إنْ أَجْرِي إلاّ على الّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ( وهذا نبي الاِسلام - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - يأمره سبحانه بالاِجهار بذلك الهتاف ـ عدم سوَاله أجراً ـ بجمل وتعابير مختلفة نأتي بالجميع:
(قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وما أَنْا مِنَ المُتَكَلِّفِين * إنْ هُوَ إلاّ ذِكرٌ لِلعالَمِين(
)قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْراً إنْ هُوَ إلاّ ذِكْرى لِلعَالَمِين)
)أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُون(
ويعود سبحانه ينبّه نبيّه بأنّه قد أعد له أجراً عارياً عن المنّة ويقول:
)إنّ لَكَ لاَجْراً غَيْرَ مَمْنُون(
فأجره سبحانه عار وخال عن كل منّة بخلاف الاَجر المتوقع من الناس، فإنّه مقرون بها.
هذا حال الآيات الواردة في أجر الرسالة، وهي بكلمة واحدة تنفي الاَجر الموضوع على عاتق الناس.
والمراد من الاَجر المرفوض هو الاَجر الدنيوي الذي يتنافس فيه الناس ويتخاصمون في تحصيله من المال والثروة والمناصب والمقامات.
ويدل على ذلك وضع المال مكان الاَجر في كلام نوح، حيث قال:
)ويا قَومِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إنْ أَجْري إلاّ على اللّه(
فالاَجر المنفي والمرفوض بتاتاً هو ذلك الاَجر الدنيوي بلا إشكال.
نعم يظهر من سورة الشورى أنّه سبحانه استثنى من الاَجر المنفي أجراً واحداً وهو المودة في القربى حيث يقول (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبى )
كما أنّه سبحانه استثنى في سورة الفرقان من الاَجر المرفوض أمراً ربّما يتوهم
تغايره مع ما سأله في سورة الشورى قال سبحانه:
)قُلْ ما أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إلاّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا)
ثم إنّه سبحانه قد أخبر في آية ثالثة بأنّ الاَجر الوارد في هاتين الآيتين يرجع بالنتيجة إلى الناس أنفسهم لا إلى النبي نفسه، كما قال سبحانه:
)قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إنْ أَجْرِيَ إلاّ على اللّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد(
هذا الموضوع منقول من منتديات المركز الإعلامي لسماحة المرجع الديني الأعلى أية الله العظمى السيد محمود الحسني (دام ظله الشريف)