اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
تخيروا لنطفكم
بعد عدة رحلات فاشلة إلى شرق آسيا، عاد ابن الثمانون سنة متزوجاً، بمن تعادل بناته سناً. فلقد عاش أكثر أيام حياته عزابا - وحيداُ لا يجد من يشكو إليه هم، أو يشاركه مرارة الحياة - وحلاوتها. بعد أن فرق الموت بينه وبين زوجته الأولى، وأم أولاده. لكنه لم يكف بحثه عمن تشاركه حياته، في عدة قرى من بلاده. وعندما لم يوفق ولأسباب كثيرة, قرر خوض تجربة جديدة، ومصاهرة أهل تلك البلاد.
نجح في تحقيق رغبته، والوصول إلى مراده، رغم المصاعب التي مر بها. فعلها مع ممانعة أولاده وبناته، الذين كان رفضهم مستند لأسباب اجتماعية - وشخصية - ومادية. أما الأسباب المادية فلا حاجة لشرحها، فهي معروف واضحة للجميع. ولا يخلوا أي مجتمع من تأثيرها، والنزاع عليها قائم إلى يوم يبعثون.
أما الأسباب الاجتماعية والشخصية، وهي ما تعاني منها بعض الأسر، وتحسب لها ألف حساب. لأنها تهد السياج الذي بنته حول نفسها، من الأبهة والصولجان. فمصاهرة أناس تجلبهم إلى بلادها، من أجل الخدمة والسهر على راحتها، يزلزل كيانها الشخصي والاجتماعي. ويجعل سيرتها تتداول على الألسن، وتلوكها العيون.
قال الرسول (ص) (تخيروا لنطفكم، فان العرق دساس). عند ذهاب أحدنا إلى بلاد نائية، واقترانه بأحد بناتها، هل يمكنه إحراز هذا الشرط؟ ذلك الذي حذر من تأثيره، الرسول الأعظم (ص)! فهل يضمن طاهرة مولدها، ونظافة سيرتها؟! بخلاف جمال المظهر الخارجي، وقلة المهر وتبعاته.
قد يتبجح البعض بالقول، أن أئمتنا كانوا يصاهرون أجنبيات. وينجبون أبنائهم، ومن سيصبحون أئمة المستقبل من سبايا! الكلام نسبياً صحيح، ولكن هل نحن نقتدي بهم فعلاً؟! لان الأئمة ، لا يتزوجون إلا من طاهرات المولد، معروفات الحسب والنسب، مؤمنات – قانتات.
ومن أمثلتهن أم أبو الفضل (العباس) عليهما السلام, المدعوة بأم البنين. حيث أرسل الإمام علي على عمه العباس قائلاً: يا عم اخطب لي امرأة ولدتها الفحولة من العرب، لتلد لي أبناً ينصر ولدي الحسين في كربلاء. وأم السجاد ، واسمها شهر بانو بنت يزدجرد، وكان يقال له: ابن الخيرتين لقول رسول الله (ص) إن لله من عباده خيرتين فخيرته من العرب قريش، ومن العجم فارس، وكانت أمه بنت كسرى .
وأم الإمام الجواد (ع) وهي أم ولد اسمها (سبيكة)، نوبية. وقيل: سكن المريسية. وقيل أيضاً: إن الإمام الرضا لما اشتراها لاستيلادها أطلق عليها اسم «خيزران»، وهي من قبيلة مارية القبطية زوج النبي وسلم. فقد كانت من الجلال والقدر، أن عدت في زمانها أفضل بنات جنسها. وإليها أشار رسول الله وسلم، وهو يذكر الاِمام محمداً التقي بقوله: «بأبي ابن خيرة الاِماء، ابن النوبية الطيبة الفم، المنتجبة الرحم».
أما من يشك في ولائها، وحبها لآل الرسول (ص)، فلا ينجب منها. ومن هؤلاء زوجتي رسول الله (ص) اللتان تسببتا في إيذائه، حتى نزلت فيهما آيات قرءا نية منها (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير). وجعدة بنت الأشعث - زوجة الإمام الحسن - والتي تظاهرت عليه مع معاوية حتى وضعت له السم في الأكل. وكذا أم الفضل بنت الخليفة العباسي (المأمون) زوجة الإمام الجواد (ع)، التي جرها حقدها وغضبها، إلى دس السم لابن رسول الله (ص).
فها هو ذا سبيل وطريق، أئمة أهل البيت . فهم لا يتخذون من الزواج مجرد نزوة جنسية، لإسكات شهوة عارمة. ولا لهدف شخصي، ورغبة مادية. بل لبناء مجتمع فاضل، وإنشاء جيل عارف بالله الواحد الأحد، يقود المجتمع نحو التقدم والرقي.
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف - السعودية