قراءة في كتاب السيد السيستاني رؤية من الداخل ج1 - منتديات موقع الميزان
موقع الميزان السلام عليك أيتها الصدِّيقة الشهيدة يا زهراء السيد جعفر مرتضى العاملي
يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذي خَلَقَكِ قَبْلَ اَنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً، وَزَعَمْنا اَنّا لَكِ اَوْلِياءُ وَمُصَدِّقُونَ وَصابِرُونَ لِكُلِّ ما اَتانا بِهِ اَبُوكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاَتى بِهِ وَصِيُّهُ، فَاِنّا نَسْأَلُكِ اِنْ كُنّا صَدَّقْناكِ إلاّ اَلْحَقْتِنا بِتَصْديقِنا لَهُما لِنُبَشِّرَ اَنْفُسَنا بِاَنّا قَدْ طَهُرْنا بِوَلايَتِكِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * صَدَقَ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ – منتديات موقع الميزان للدفاع عن الصدِّيقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها – منهاجنا الحوار الهادف والهادئ بعيداً عن الشتم والذم والتجريح ولا نسمح لأحد بالتعرض للآخرين وخصوصاً سب الصحابة أو لعنهم وهذا منهاج مراجعنا العظام والعلماء الأعلام حفظ الله الأحياء منهم ورحم الماضين
 
اضغط هنا
اضغط هنا اضغط هنا اضغط هنا
اضغط هنا
عداد الزوار
العودة   منتديات موقع الميزان .: مراجع عظام وعلماء أعلام :. إضاءات من نور المراجع والعلماء
إضاءات من نور المراجع والعلماء قال رسول الله (ص) : مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء
منوعات قائمة الأعضاء مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
كاتب الموضوع BAGHDADY مشاركات 2 الزيارات 3046 انشر الموضوع
   
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع

BAGHDADY
الصورة الرمزية BAGHDADY
عضو نشيط

رقم العضوية : 1039
الإنتساب : May 2008
الدولة : عاصمة شيعة امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام
المشاركات : 383
بمعدل : 0.06 يوميا
النقاط : 219
المستوى : BAGHDADY is on a distinguished road

BAGHDADY غير متواجد حالياً عرض البوم صور BAGHDADY



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : إضاءات من نور المراجع والعلماء
افتراضي قراءة في كتاب السيد السيستاني رؤية من الداخل ج1
قديم بتاريخ : 03-Jul-2008 الساعة : 11:10 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


الكتاب لاخي -عمار البغدادي
الفصـــل الأول
يستند الإمام السيستاني بما لم يسبقه إليه مرجع من قبل ـ إلى قاعدة جماهيرية خلاقة ومليونية تتوزع على مساحات واسعة من مدن العراق ومحافظاته. وتزداد كثافة هذا الوجود كلما أوغل هذا المرجع الذي يتخذ النجف الأشرف منذ أكثر من خمسة وستين عاماً قاعدة ومركزاً لمحيطه الفقهي ودرايته الدينية وسكنه الروحي ونشاطه المرجعي في بحر الجماهير العراقية ومحاولات إخراجها من قمقم العزلة والقوقعة والحصار وظروف الاحتلال إلى الانفتاح على العالم وآليات العصر والمدنية والأخذ بكل الأسباب الموضوعية المؤدية إلى العدالة والأمن والعافية.
ويستند المرجع السيستاني إلى تأييد واسع النطاق من قبل جميع فرقاء الساحة الدينية والوطنية الشيعية والإسلامية في العراق وتحظى فتاواه ومواقفه السياسية من الحرب الأميركية الأخيرة ضد النظام الفاشي السابق وتطورات اللحظة العراقية الراهنة وما يجري من تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية وإنسانية متسارعة قبولاً وتقديراً واحتراماً بالنظر لما يمتاز به خطابه من واقعية تحليلية ورؤية مفعمة بالعقلانية والأهم من كل ذلك وضع مصلحة الإسلام والأمة والحرية والكرامة والاستقلال بنظر اعتباره بوصف هذا كله القاعدة التي تتألف منها الكينونة العراقية وموزائيكها البشري والحضاري.
كما يشكّل وجوده المبارك ملاذاً حقيقياً لكل القوى الوطنية والإسلامية التي تجد فيه الموئل والقاعدة الأساسية التي يتأسس على ضوئها البناء الوطني وكثافة معطياته على الأرض بما في ذلك لون النظام السياسي البديل وهي ملاحظة أو كما يسميها الفقهاء وأهل القانون المادة الفقهية التي تلتقي عندها كافة أهداف التعبيرات السياسية للفريق السياسي العراقي الذي يعمل اليوم على إنجاز طبيعة نظام الحكم في العراق بعد سقوط الدكتاتورية ونهاية عصر القمع والجبـروت.
إن الإمام السيستاني يضطلع اليوم وعبـر فتاواه ولقاءاته السياسية مع وفود الأمم المتحدة وتنظيمات وقوى سياسية وطنية وإسلامية عراقية إلى تهيئة الظروف الموضوعية العراقية الجادة لبناء النظام الوطني القادر أولاً على بناء المجتمع الكفؤ الناهض بأهدافه وكفايته الذاتية المتطلع إلى إرساء دولة القانون والمساواة والعدالة الاجتماعية ويستجيب لكافة الشروط والمتطلبات الواجب توافرها في دولة وطنية يفترض أن تقيم نظام العدل بعد أن تم القضاء على دولة الحزب الواحد المتحكم بالحديد والنار بـرقاب الناس.
ويستند الإمام السيستاني إلى تراث فقهي يعد من بين أهم القواعد التي وضعت إلى جانب شقيقاتها من القواعد الفقهية للمرجعيات السابقة إضافات هامة في العلوم التشريعية الإسلامية ومن يتطلع بأبسط قراءة ولو كانت (عابـرة) لفتاوى الإمام في المسائل محط الابتلاء الشخصي للإنسان المؤمن ولغة إجاباته (دام ظله) على الأسئلة التي كانت وردته وترده باستمرار من قبل أبنائه من الجاليات العربية والإسلامية التي تعيش في بلدان الاغتراب يلحظ جزالة المعنى ودقة العبارة ووعيه لخلفيات المسألة الشرعية ودرايته بالأوضاع والوقائع الاجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية والقضائية في بلدان الاغتراب.
وفي هذا الإطار يقدم الإمام رؤية عقلانية تجديدية للإنسان المسلم الذي يعيش في بلدان الاغتراب مؤداها ضرورة القيام بعكس صورة الإسلام والدين الإسلامي الحنيف والفكر والشريعة السمحاء للإنسان والمجتمعات الغربية لكي يحدث الحوار الديني والإنساني ولقائه المفترض بين العالم الإسلامي وجالياته العربية والإسلامية والأديان والطقوس والمفاهيم والسياسات الدينية الأخرى. على أن الإمام يستهدف من وراء هذا كله إيضاح صورة ونموذج الإسلام الحقيقي بمسلميه للعالم المسيحي وشعوبه وقد نجح الإمام في مجمل إجاباته الفقهية وإرشاداته القيادية الأبوية في تأكيد تلك المعاني والإشارات.
إن العديد من الدول الاسكندنافية واستراليا والولايات المتحدة الأميركية وعدداً لا بأس به من دول العالم يعرفون الإمام ومرجعيته الدينية قبل سقوط صدام ودخول القوات الأميركية وظهور هذه المرجعية الدينية بقوة في الشارع العراقي.
فبحكم كثرة ومساحة مقلدي سماحة الإمام في الخارج أمكن التعرف على أبـرز الآراء والمواقف الاجتماعية والسياسية للإمام من قبل هذه الدول وقد أشادت دول عديدة من بينها الدانمارك والسويد وعلى لسان مسؤولين كبار بحرص الإمام السيستاني على جالياته الشيعية وتربيته النبيلة لهم عبـر حظهم على حماية الممتلكات والأسواق والمتاجر الموجودة في تلك البلدان من السرقة والسراق وعدها ممتلكات لا يجوز التلاعب بها بل أكد الإمام في وقتها على (النهي الشديد) من مغبة التطاول على الممتلكات هذه كونها لا علاقة لها بما يتحدث به المسلمون في تلك البلدان من أن هذه المتاجر غير مسلمة ولا تتعامل بالأصول الشرعية في بيعها وشرائها كذلك دعوة الجاليات المسلمة إلى التقاضي في المحاكم الغربية والدعوة إلى احترام أهل الكتاب وتوقير تقاليدهم وأعرار تقاليدهم وأعرا به الدين الإسلامي الحنيف أتباعه ونهاهم عن الإساءة مهما كانت.
لقد كانت تأثيرات سياسات الإمام وأخلاقياته في الغرب لها انعكاسات مهمة في مسيرة التعرف على شخصيته الدينية ومواقفه كمرجع أعلى للطائفة الشيعية فيما بعد ولعّل القوى السياسية المهمة كالولايات المتحدة الأميركية كانت تدرك مكانة الرجل المهمة الاستراتيجية تلك حين أصبح شغلها الشاغل بعد سقوط النظام كيفية التعاطي مع مرجعية السيستاني الفقهية وحيازة رضاه والحرص على لقائه ومحاولة الانضواء تحت (عبائته) لاستحصال الشرعية!!. ولا نعتقد أن هناك مرجعية دينية قادرة على تثوير الشارع العراقي وتهدئته والتحكم بأزرار قوته وتوجيه مساره وتفعيل حركته السياسية والعقائدية كمرجعية الإمام السيستاني مع تقدير جهود كل المرجعيات الدينية المتنورة في العراق.
ولهذا السبب توجهت الأنظار في الغرب وفي الولايات المتحدة الأميركية لمحاولة فهم هوية الرجل والدخول في صميم مداركه ومواقفه ودواخل شخصيته وتحليل حركته ونظرياته في العمل وعقد المقارنات بينه وبين بقية الشخصيات الدينية والسياسية في الساحة العراقية. وفي هذا الصدد كتب الكثير وارتفع صوت البعض من هذه الكتابات في الغرب مطالباً بضرورة تحريك كل مسارات الضغط على الرجل السبعيني في النجف الأشرف لكي (يستقيم على الطريقة) بعد أن لمسوا في شخصيته وسمات حركته ما لا يدل على ذلك!!.
إن أدنى مطالعة لمجمل آراء وتوجهات كتابات كبار المحللين الأميركيين والبـريطانيين على وجه الخصوص تظهر مقدار الأهمية الاستراتيجية التي يوليها هؤلاء الكتاب لمواقف الإمام السيستاني المرجعية في الساحة العراقية.
إنهم يعتقدون أن الإمام هو المسؤول عن مجمل النشاط السياسي القائم على رفض الاحتلال والمطالبة بخروج القوات المحتلة من أرض العراق وإنشاء مجلس وطني منتخب من قبل الغالبية العظمى من أبناء الشعب العراقي ويعتقد كذلك بضرورة إجراء انتخابات مليونية حقيقية بإشراف دولي يستطيع العراقيون أن يعبـروا فيها ومن خلالها عن أهدافهم الوطنية وأمانيهم في التحول من الاستبداد إلى الديمقراطية ومن لا شرعية السلطة البائدة إلى شرعية الدستور المكتوب بالأيدي العراقية والقائم على شرعية الأمة وممثليها المؤهلين إلى كتابته وبلغته الدستورية التي لا تسقط حقاً من حقوق الشعب العراقي ولن تقيم أود باطل ما دام نبض الأمة لا يزال مستمراً بدفق أكبـر تؤصله في ذلك تضحيات أبناء العراق وتاريخ طويل من الكفاح والمقابـر الجماعية وقتال الشرفاء.
ويعتقدون كذلك أن الإمام لديه سلطة أكبر من سلطات الإدارة المدنية الأميركية وسلطات الصيغ السياسية التي تشكلت بعيد انهيار النظام في 9/4. وأنّ تلك السلطة المرجعية قادرة على الضغط وبقوة من أجل تحقيق مطالب الناس وينصح عدد من الكتاب البـريطانيين إلى عزل مرجعية الإمام السيستاني عن محيط الجماهير المسلمة في العراق.
لأن السيستاني لا يطالب بدولة ليبـرالية يحدد شروطها وسقف خصائصها حاكم مدني واتجاهات وألوان سياسية باهتة في مجلس الحكم ومستشارون غرباء لا علاقة لهم بالشعب العراقي وخصوصياته الفكرية والعقائدية والثقافية والروحية بل يطالب بدولة تكون منسجمة مع واقع الناس ووقائع الحياة العراقية وتنهي مسرحية تحويل العراق إلى (علف لحروب قذرة) قادتها السلطات السابقة داخل العراق وخارجه لغرض تحقيق أهداف بعيدة كل البعد عن مصالح العراقيين وأمانيهم في الحياة الحرة الكريمة.
إن المتابع لمجمل كتابات السياسيين في الغرب والولايات المتحدة الأميركية يلحظ الأهمية التي يولونها هم وعدد كبير من مراكز الدراسات الاستراتيجية للإمام ومرجعيته ويسبغون أوصافاً وتعريفات غاية في الدقة وفي أحيان كثيرة بعيدة عن الواقع على حركته ومديات تأثير مرجعيته في وقائع الأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد لكن يجب أن ننتبه (وهذا ما سيلاحظه القراء في الكتاب) إلى أن بعض الكتاب الغربيين يحاولون تحميل الإمام ما لا تحتمله حركته السياسية والروحية وبالتالي الإيحاء وكأن الإمام هو المسؤول عن تفاقم الأزمة وليس استمرار الاحتلال وما يولده يومياً من انعكاسات حقيقية على الشارع والمؤسسات وحتى يوميات العراقيين.
إن الخبث في الخطاب الإعلامي والسياسي لعدد من الكتاب الغربيين واضح هنا وضوح الشمس هدفه إفساد الحياة السياسية العراقية وتأليب الأجواء ضد المرجع وموقع النجف من الأزمة العراقية ومحاولة إبعاد المرجعية الدينية ودورها الأبوي عن الدخول في صلب القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وفي المقدمة القضية الكبـرى المتمثلة في العمل على إنهاء الاحتلال وخروج القوات الأميركية وإقامة الحكومة العراقية عبـر الانتخابات الديمقراطية وبإشراف الأمم المتحدة.
إن هذا الكتاب أخذ على عاتقه تتبع أهم الأدوار السياسية التي تقوم بها مرجعية الإمام السيستاني وتؤديها بمهارة وقدرة فائقة في أجواء عراقية حرجة وفي ظل وجود أساليب ومحاولات تستهدف اغتيال البلاد وتصفية كل العناصر الفاعلة والحيوية والمؤثرة وإسقاط العراق كوطن وموقع ودور وحاضرة في أتون المواجهات العرقية والقومية والفتن والحروب الأهلية وجره إليها جراً رغم أن تلك المحاولات فشلت في تحقيق أهدافها بفعل مواقف وعمل المرجعيات الوطنية في البلاد وفي مقدمتها الإمام السيستاني دام ظله.
كما أن هذا الكتاب سيناقش نصوص كبار الكتاب والسياسيين الغربيين والأميركيين التي سلطت الضوء وبتباين واضح على مرجعية الإمام وهدفنا في ذلك إدراك موقع المرجع في الحركة السياسية الغربية وأهميته المتزايدة في صناعة القرار العراقي والأهم من كل ذلك إدراك أن الإمام يمثل (رأس الشاقول) في كل الذي يجري، بكل ما تختزنه تلك المفردة من اعتدال ووسطية وعقل كبير ودراية وخبـرة طويلة في التعامل مع الأوضاع العراقية الحالية.
إن الكتاب سيركز أيضاً على الجهود السياسية الوطنية التي يؤديها ويقوم الإمام بها في إطار تسريع خطوات نقل الحاكمية والسلطة للشعب العراقي وتعتبـر تلك المهمة ـ هي المهمة الأولى للمرجع الكبير وفي هذا الإطار سيؤكد الكتاب على النفوذ الواسع للإمام في مجال الحركة الاستقلالية العراقية بما يقدم به نفسه كل يوم وما يحظى به من احترام وتقدير عاليين من قبل الفريق السياسي العراقي في مجلس الحكم والقوى السياسية الأخرى خارجه وفي المحيط العربي والإسلامي والدولي.
أن الكتاب سيلاحق وجهات نظر الإمام السيستاني السياسية المتعلقة بأحوال العراق الحالية وكيفية رؤية العراق المستقل. أنها أول إطلالة من زاوية النظر لتطلعات مرجع كبير كالإمام السيستاني على العراق الدستوري ـ الديمقراطي ـ التعددي وعلى العراق الذي ينوء بحمولات ثقيلة في الراهن وتحديات جسام في المستقبل.
الأدوار التوفيقية والفتاوى التلفيقية
يحاول البعض التشكيك بالأدوار الوطنية والإسلامية التي تنهض بها مرجعية الإمام فيضعها في الخانة الشيعية تارة والفارسية تارة أخرى ويجتزأ البعض الآخر من (معاني) و(دلالات) مواقف و(فتاوى) الإمام ليلبسها ثوب الفتنة التي يريد سعياً لتشكيل مواقف وقرارات من شأنها أن تحدث ارتباكاً واضحاً وفاضحاً في الصف الوطني العراقي.
ومن جملة المواقف و(الفتاوى) التي لعب ولا يزال هذا البعض (لأسباب طائفية محضة) على منوالها وإيقاعها موقف الإمام من وجود قوات الاحتلال الأمريكي في العراق. ولأن هذا البعض يستهدف الإساءة للإمام ولموقع المرجعية الدينية ومنزلتها الاجتماعية والسياسية في العراق والعالم الإسلامي فقد حاول الطعن بموقف الإمام الواضح من هذا الوجود في البلاد. تارة عبر القول بأن الإمام ليس لديه فتاوى واضحة إزاء ضرورة القيام بجميع الأساليب لطرد القوات الأمريكية والمتحالفة معها من العراق وتارة يتذرع بعدم وجود موقف أساسي من مجمل الأفعال العسكرية ـ الميدانية التي تستهدف القوات الأمريكية في العراق.
الإمام المرجع (دام ظله) لا يتصرف في الشؤون الاجتماعية المتعلقة بمصائر الأمة وأعراضها وأموالها وممتلكاتها وسيادتها كأي سياسي أو قيادي في الساحة العراقية (مع حفظ الألقاب) بل يتصرف باعتباره الأب الروحي والسياسي لكل العراقيين الذين يبحثون عن أهداف الحرية والأمن والاستقرار.
ومنذ اليوم الأول لسقوط بغداد ودخول القوات الأمريكية البلاد والإمام يقود الشعب العراقي بعقلية وحكمة ودراية وواقعية كبيرة، ولو كان الإمام يفتقد هذا الهدوء الجم في الساحة على الرغم مما واجهه ويواجهه مجتمع المقابر الجماعية والمرجعية الدينية وعموم الشعب العراقي في المدن والمحافظات العراقية من تحديات وظروف استثنائية في ظل واقع الاحتلال لكانت البلاد تغرق للآن في محيط من الفتن والحروب والمواجهات العرقية والقومية والطائفية.
كان لابد من ممارسة سياسية وفتوى شرعية هادئة ـ عاقلة فيها من الإتزان والواقعية والعقلانية ما يقود المرجعية إلى موقعها الحقيقي في حركة الأمة وما يقود الأمة إلى دورها في سياق التحول الاجتماعي والسياسي المنشود.
فكانت مجمل فتاوى الإمام التي تحرّم مثلاً التعامل مع الاحتلال والاحتكاك به وتذكير قياداته وجنوده وضباطه بأنهم محتلون في كل لحظة. في الشارع والسوق وأثناء تجوالهم في الأزقة والمحال التجارية والطرقات العامة واضحة وتعبر عن حس وطني وإسلامي مقرون بالعمل من جهة أخرى مع القوى السياسية العراقية سواء في مجلس الحكم أوخارجه لتسهيل شؤون أبناء الشعب العراقي الإدارية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية وتمكينهم من مهمتهم الوطنية وعدم وضع العقبات والعراقيل في طريق إنجاح تلك المهمة.
مع إلفات النظر إلى أن الإمام وفي الوقت الذي يعطي للمجلس هذا الدور يقف في ذات الوقت ضد كل المحاولات اللاقانونية واللادستورية داخل المدستورية داخل الميات المتحدة الأمريكية وبعض الأطراف في الانتقالي الرامية إلى الهيمنة على البلاد عبر وجود بنود غير قانونية أو (مهازل) كما صـرح الإمام بذلك في وصفه لبعض نصوص قانون إدارة الدولة العراقية الذي وقع من قبل جميع أطراف وشخصيات مجلس الحكم.
إن الإمام يعتقد أن وجود القوات الأمريكية في العراق وجود غير شرعي وأن البلاد محتلة وأن الجنود والمراتب العسكرية الأمريكية والبريطانية والغربية في العراق هي قوات ومراتب محتلة. وهذا الموقف لا غبار عليه عند القاصي والداني في العراق وخارجه لكن الإمام يشعر أن المعركة من أجل الاستقلال بحاجة إلى عقلية عليا ومرجعية سياسية ودينية متظافرة وجهود كل الأطياف والقوى والاتجاهات السياسية والاجتماعية في البلاد واستخدام الأساليب المتحضرة والديمقراطية والمدنية سبيلاً لتجنيب العراق المزيد من الدماء وإزهاق أرواح الأبرياء.
هذا الكلام يواجه بالاستنكار والاستهجان من قبل أولئك الذين يريدون المزيد من سفك دماء العراقيين لكي يحولوا البلد إلى ساحة واسعة ومفتوحة وغير مقيدة بقانون لتصفية الحسابات وقتل الخصوم وإرباك القانون والنظام وذبح الناس وإدخال العراق في فوضى وفلتان أمني غير محمود العواقب والسبب أن بعض الاتجاهات الأصولية والمتطرفة والأجهزة الإسرائيلية والعربية التي لا تريد الخير للعراق يُغيظُها أن يستقر العراق لأن استقراره لا يصب في مصلحة مشروع الطائفية التي يريدونها تجتث كل عناصر الإخاء والتعايش والانسجام المذهبي والديني التاريخي الذي طبع مشهد العراق منذ بداية تشكل البلاد بحدودها الجغرافية والسياسية والاجتماعية والدينية.
الإمام يدرك هذه المؤامرة ويعدها ذات خطر مماثل لخطر استمرار احتلال العراق من قبل القوات الأجنبية. بل نعتقد أن الفتنة الطائفية لو نجحت مؤامرتها في البلاد فإن العراق التاريخي الذي حافظ على حدوده الحضارية والسياسية والدينية وتعايشه المذهبي طيلة قرون مديدة لا يلبث أن يتحول إلى ساحة حرب مفتوحة وصدامات لا قبل للعراق بها.
لهذا فإن الإمام لن يسمح لموقع المرجعية الدينية أن ينجر لمثل هذه المزالق أو ينجرف إلى اتخاذ خطوات غير عاقلة أو يستغرق في تفاصيل يومية وشؤون غير ذات أهمية تلهيه عن المهمة الوطنية العراقية الحقيقية المتمثلة بقيادة الحركة الاستقلالية عبرإخراج القوات المحتلة من العراق وتشكيل حكومة وطنية من الوطنيين والمخلصين وأصحاب الخبرة والتجربة والدراية في شؤون الوزارات والدوائر الحكومية أو ما يسمونه بالتكنوقراط وليس من بقايا تجار (الشورجة) كما يحلو لبعض (الناقمين) على ممارسات وأداء الوزارات العراقية اليوم أن يصفوا وزراء الحكومة العراقية الحالية.
إن الأمام يريد أن يعمل كل المعنيين بالمسألة الاستقلالية وحركتها الوطنية بكل السبل والإمكانيات على خروج القوات الأميركية بأقل الخسائر البشرية والسياسية من العراق وأن يبقى على مسافة واحدة متساوية من جميع فرقاء وقادة واتجاهات الساحة العراقية. على أن الهم الوطني الأساسي يبقى المرجع الأعلى هو الذي يتحمل أوزاره ويعيش استحقاقاته ذلك أن هذا الاستحقاق والعمل من أجل تحقيق كامل شروطه وأجوائه والخروج بنتائج تعيد الأمن والاستقرار للبلاد يعتبره المرجع الأعلى مسؤولية شرعية وأدائه من الواجبات الملقاة على عاتق حملة الدين وقادة ألوية المسلمين وفي مقدمتهم المراجع العظام دام ظلهم.
إن مسألة الدماء واحدة من أهم العقد الفقهية التي تتجاوز إطار المسألة إلى التفاصيل الدقيقة ذات العلاقة بأرواح الناس في العراق فيشدد الإمام على ضرورة سيادة منطق الحكمة في التعامل مع الأساليب والممارسات الخاصة لقوات الاحتلال في العراق.
ويوجه في ذات الوقت انتقاداً شديد اللهجة للقوات الأميركية التي تمارس تلك الأساليب بحق الشعب العراقي. أن تلك الرسائل السياسية (الفتاوى) كان لها وقعها وتأثيرها في الأجواء الجماهيرية العراقية مثلما كان لها فعلها السياسي الخاص لدى الإدارة المدنية والعسكرية لقوات التحالف في العراق عبر تأكيدات الأمريكان أن (مرجعية السيستاني) بإمكانها أن تفعل ما تريد في أوساط الجمهور العراقي لأنها مرجعية مسيطرة وقادرة على تلبية حاجات وضرورات الناس وتحمي السيادة وتحقق للبلاد الاستقرار وعودة الحكمة للعراقيين من دون فوضى أو استثمار الفلتان الأمني والإرباك الاجتماعي واستهداف الأجانب وخطفهم لتحقيق أغراض سياسية.
في رسالة لجمع من المؤمنين يؤكد الإمام السيستاني هذا المعنى الرافض لأساليب قوات الاحتلال ويشدد على ضبط النظام وعدم إراقة الدم وقصد الإمام من ذلك الوقوف بوجه كل المحاولات التصعيدية والفتنوية التي تحاول جر العراق إلى المآسي والحروب الجانبية.
تقول الرسالة التي بعثت لمكتب سماحة الإمام في النجف:
مكتب سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني (أدامه الله)
السلام عليكم ورحمة الله وبعد.
أنكم على علم بالأساليب القاسية التي تستخدمها قوات الاحتلال في المصادمات المستمرة منذ عدة أيامٍ في مناطق بغداد وفي عدد من المحافظات في الغرب والوسط والجنوب والتي أسفرت لحد الآن عن وقوع إعدادٍ كبيرة من الضحايا في صفوف المدنيين. وقد حدثت أيضاً ممارسات مؤسفة حيث تعرض عدد من المراكز والمؤسسات الحكومية للنهب والسلب واستولى على عدد آخر منها بعض المجموعات المسلحة مما خلق حالة من الفوضى والانفلات الأمني في عدد من المدن. ولا زال الوضع يسير من سيء إلى أسوء. فما هو الموقف بازاء كل ما يجري؟
جمع من المؤمنين
ويجيب الإمام: بسمه تعالى
إننا نشجب أساليب قوات الاحتلال في التعامل مع الحوادث الواقعة، كما ندين التعدي على الممتلكات العامة والخاصة وكل ما يؤدي إلى الإخلال بالنظام ويمنع المسؤولين العراقيين من أداء مهامهم في خدمة الشعب. وندعو إلى معالجة الأمور بالحكمة وعبر الطرق السلمية والامتناع عن أي خطوة تصعيدية تؤدي إلى مزيد من الفوضى وإراقة الدماء وعلى القوى السياسية والاجتماعية أن تساهم بصورة فعالة في وضع حدٍ لهذه المآسي.
والله ولي التوفيق 16 صفر 1425.
إن الأمام يخاطب القوى السياسية العراقية كلها أن تضع حداً لهذه الممارسات والأساليب التي تقود البلاد نحو الفوضى والفلتان الأمني والهزيمة الاجتماعية الشاملة وهو هنا يقف إلى جانب كل الجهود العاملة من أجل إنقاذ البلاد ولا يقف مع طرف دون طرف آخر أو يقرب حزباً أو فصيلاً سياسياً معيناً ويبعد الآخرين خلاف ما كان سائداً أيام (المعارضة العراقية) ويشير أكثر من مراقب ومطلع على شؤون الساحة العراقية إلى القول بأن القوى السياسية والاجتماعية في البلاد أفضل في أدائها وفي سمات خطابها السياسي وعلاقاتها الداخلية اليوم وهي في العراق وبالقرب من منابع المرجعيات الدينية ووجهاً لوجه مع مختلف التحديات الوطنية الداخلية بموازاة ما كانت عليه حين كان لها أكثر من مرجعية سياسية ودينية عربية وإقليمية ودولية . نقول هذا الكلام من دون أن نعني بالضرورة أن كل الحركات والأحزاب العراقية الإسلامية منها والوطنية لها علاقات مباشرة أو غير مباشرة بالمرجعية العليا.
إن وجود المرجعية الدينية الواعية ـ المتصدية ـ العربية للجمهور وأمانيه وأهدافه السياسية والإنسانية بالدولة الوطنية ـ دولة القانون والعدالة والمساواة والحرية ـ أحد أهم العوامل الصانعة للقيادات التاريخية والبلدان النامية المتطورة. وبذلك نلحظ اليوم أن المرجعية الدينية تلعب دوراً أساسياً ومفصلياً في كل الشؤون الوطنية وفي جميع القضايا التاريخية الهامة من حياة العراقيين.
إن المواقف التلفيقية ستؤدي بالأمة إلى السقوط في سحيق الأزمات والحروب والمجاعة وكثرة المليشيات والقتال الضروس من أجل الحظوة والامتياز والمواقع الوزارية. وقد كان الإمام أول القيادات الدينية الذي دعى إلى ضرورة قيام كتلة قيادية وطنية عراقية عبر استشارة الأمم المتحدة وتشكيل حكومة ذات خبرة ودراية. وإلا لو كان الإمام (دام ظله) يريد حظوة أو جاهاً أو سلطاناً أو موقعاً في الوضع العراقي الجديد لجاءته المواقع إلى عتبة باب بيته الترابي المتواضع لكنه كان يعمل وسيبقى من أجل تركيبة سياسية يتجاوز بها العراق أزمته لا تركيبة سياسية تتجاوز العراق وتسقطه في منحدرات الفتن ومستنقعات الرذيلة السياسية والمحاصصات الطائفية.
بعد سقوط النظام في بغداد وإقالة الحاكم المدني الأمريكي الأسبق جي غارنر طلب بول برايمر الحاكم المدني الأمريكي الحالي زيارة الإمام السيستاني لكن الإمام رفض ولرفض الإمام أسباب منها:
1ـ إن اللقاء يعني شرعية واضحة للاحتلال وترحيب به وموافقة بينة على أن كل ما يفعله السيد برايمر له علاقة بشرعية اللقاء لا بشرعية المشروع الذي جاءت الولايات المتحدة الأميركية به إلى العراق.
2ـ إن الإمام يدرك بأن الشعب العراقي موزع في انتماءاته المذهبية والسياسية والاجتماعية وأن التناقضات التي يشهدها المجتمع العراقي حيال الأوضاع الجارية في ظل الاحتلال أكبر من أن تعد وتحصى. ولذلك لا يمكن اللقاء بالحاكم المدني الأمريكي في ظل هذا التفاوت السياسي والاجتماعي والجماهيري والحزبي والمذهبي ومواقفه من الاحتلال الأمريكي وما دام الواقع العراقي متناقضاً إلى درجة يصعب التمييز فيها بين المرحب والمستنكر، بين الذي يعتبر القوات الأمريكية (محتلة) والآخر الذي يعتبرها (محررة) فإن السيد المرجع يعمل بأصول الاحتياط القاضية بعدم اللقاء بالسيد برايمر.
3ـ إن الإمام برفضه يظهر مهارته وخبرته وأهليته في القيادة السياسية عبر الترفع عن الدخول في تفاصيل الحركة السياسية اليومية للقوات الأمريكية وقياداتها العسكرية والمدنية والمخابراتية أو مجمل الحركة السياسية العراقية وتعقيداتها وتفصيلاتها اليومية. فالأهلية السياسية تقتضي أن يقف الإمام مع الغالبية العظمى من الناس التي ترغب بزوال الاحتلال وقيام حكومة وطنية عادلة بعيداً عن استفزازات جنود الاحتلال كما أن اللقاء بالسيد برايمر (سيخفف) من مكانة وموقع المرجع والمرجعية في عيون كل العراقيين بمختلف مشاربهم ومدنهم ومذاهبهم. فلو صح القول أن شريحة ما (كما أظهر استطلاع محايد في العراق) تعتبر وجود القوات الأمريكية (وجوداً محرراً) فإن شريحة أخرى تعتبره (وجوداً غازياً) وأمام هذه التعددية في الرأي يقف الإمام لكي يعزز من وجهة نظر الش ارع عبر الاندكاك بضمير الناس والحديث بألسنتهم والوقوف مع أهدافهم وأمانيهم لا الوقوف مع المصلحة الفئوية دون تقدير وافي للموقف السياسي العام.
من حماية كيان العـلم إلى حماية الوَطَنْ
يعززّ وجود الإمام السيستاني في النجف الأشرف يوماً بعد يوم فرضية أصالة الوطن في أذهان المجتمع العراقي وكل الفرقاء السياسيين الذين باتوا يشكون بإمكانية أن تتحول الفوضى الأمنية والسياسية والتناكف الحزبي والفئوي والعرقي والقومي في البلاد إلى وطن بديل!!.
لقد أمضى الإمام قُرابة ستة عقود في العراق وعاصر أهم الحوادث التي وقعت سواء لمستوى ما كان يجري في الحوزة العلمية ومرجعياتها الدينية وشدة الصراع السياسي بين السلطة السابقة وتلك المرجعيات أو ما كان يحدث في رأس السلطة من وقائع وما مرَّ به العراق في ظل سطوة وسيطرة الفئة البائدة من مؤامرات وحروب إبادة وكبت للحريات واضطهادٍ غير مسبوق للأكثرية العربية في العراق.
كان الإمام يشهد كل تلك المواقف والمشاهد والتفاصيل ويعي تماماً حجم الأزمة القائمة آنذاك ويدرك أن حلها لن يأتي بالهين والسهل خصوصاً وأنه شهد في مراحل الثمانينات قمع سلطة صدام للحوزة العلمية في النجف وتصفيتها لأبرز رموزها وقياداتها البارزة وفي مقدمتهم المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر سنة 1980. لكن الإمام وكغيره من المرجعيات العقلانية والواقعية والمتنورة كان يسلك نهج المرجعيات الدينية التي سبقته في حماية المنجز الفقهي والمعرفي والعلمي الكبير للحوزات العلمية في النجف وكان يعتقد أنّ الدخول بصدام مع السلطة وهي سلطة مستنفرة ضد الإسلام ومرجعياته وقياداته الدينية سيطيح بهذا التراث الضخم من الجهود العظيمة التي حرص مراجعنا الكبار (دام ظلهم) على حفظها والتمسك بها وإيصالها إلى الأجيال العقائدية العلمائية على مر التاريخ، ما يعني أن تلك المهمة كانت بالن سبة للإمام مهمة رسولية ـ عقدية والتفريط فيها يعني التفريط بالإسلام وعقيدته وشريعته السماوية السمحاء.
هذا يعني أن الإمام السيستاني شهد العديد من تجارب العمل الإسلامي في العراق وكان يقرأ بدقة وقائع الحياة العراقية ويقدر جهود العلماء والمتصدين والقيادات الدينية التي كانت في النجف أو تلك التي وفدت إليها من الخارج خصوصاً دول الجوار العراقي. وفي هذا نلحظ أن اهتمام الإمام بالحوزة العلمية جاء منسجماً مع سياق الاهتمامات العلمية والدينية والقيادية التي سبقته وأكدت على ضرورة حماية كيان الحوزة العلمية بوصفها الجهاز والمؤسسة القادرة على حماية الدين وتأصيل الفكر الإسلامي والحفاظ على جوهر العلاقات الإسلامية وإثراء المدرسة الإمامية عبر الإفادة منها في ترشيد الحياة الاجتماعية ـ الإسلامية.
كان الإمام ينظر وما يزال للمرجعية الدينية من خلال مهمته ووظيفته الاجتماعية في حياة الشعب العراقي وشعوب الأمتين العربية والإسلامية ولم يمارس الإمام الفصل في وظائف الحوزة كمدرسة دينية تشرف على رعاية الفكر والتراث والتاريخ وتعليم الأحكام والعلوم الإسلامية ـ الشرعية وبين المرجعية الدينية كمؤسسة قيادية في المجتمع الإسلامي وظيفتها إيضاح مبادئ الإسلام ومواقفه وتجديد الفكر واستنباط الأحكام الشرعية وقيادة الأمة.
إن هذا التفاعل بين الموقعين أثرى المدرسة الشيعية الأمامية وطورها وقدمها للأمة بمختلف مذاهبها ومدارسها الفقهية والمعرفية ومنابع استنباطاتها باعتبارها مدرسة متطورة تجديدية قادرة على بناء المجتمعات الحية والنصوص المعرفية والأحكام الشرعية الديناميكية المتطلعة إلى أن تأخذ الأمة الإسلامية دورها الأساس في النظم والمجتمعات البشرية المحيطة.
هذا المعنى كان الإمام ولا زال يضعه في صلب اهتماماته وأولوياته في كل المسائل والقضايا التي ترتبط بالحوزة والمرجعية الدينية تارة أو ما يتعلق بالقضايا والمفاصل التاريخية المهمة في الأمة أو العلاقة الحقيقية والتاريخية التي تتحكم بإيقاع حركة الأمة والحوزة والأمة والمرجعية الدينية.
إن الإمام لا يتساهل أبداً في القضايا المتعلقة بالقيادة المتصدية للحوزة العلمية الشريفة أو موقع المرجعية الدينية ويقف الموقف المبدأي والتاريخي الذي تقفه كل المرجعيات الدينية المتطورة والمتنورة والكفوءة والزاهدة والقائدة.
وبهذا يحفظ الإمام السيستاني أهلية موقع المرجعية الدينية في الحياة الإسلامية بشكل عام والحياة العراقية بشكل خاص على أن الإمام لا يدافع عن نفسه أو شخصه حين يدافع عن موقع المرجعية الدينية وشروط بقائها وتطورها وديناميكيتها في المجتمع العراقي بل يدافع عن (الموقع) كي تبقى للمرجعية الدينية المكانة الرسولية ـ النبوية الشريفة باعتبار المرجعية هي الامتداد الطبيعي والتمثيل الحقيقي لخط أهل البيت (ع) في حياة أبناء الأمة الإسلامية. وبالتالي فإن حماية الموقع من الزلل ومواطن الضعف ولحظات الضرورة التاريخية القصوى التي تفترض التصدي الحقيقي من المرجع هي من الواجبات التي تلقى على عاتق المرجع المتصدي لشؤون الإفتاء والقيادة.
إن الإمام السيستاني يدرك أيضاً أن المرجعية الدينية في زمن غيبة الإمام المعصوم (ع) تعني إدارة شؤون الناس وتصريف أمورهم ورعاية الأمة والاهتمام بالقضايا الحسبية وما يتعلق بحفظ النظام العام وأجراء الأحكام. وهذا يعني بصراحة مطلقة أن الإمام يشعر بتكليف حقيقي إزاء المسائل الكبرى في حياة العراقيين خاصة وإلا لو كان الإمام في وارد أجراء أخر لكان اختط لنفسه سياقاً سلوكياً آخر غير ما نراه اليوم من قيامه (دام ظله) بإدارة الشؤون السياسية الكبرى في البلاد وإصداره عشرات الفتاوى المتعلقة بالقانون الانتخابي وكتابة الدستور غير الافتاءات العديدة التي وردت بشأن مختلف القضايا خصوصاً تلك التي لها علاقة بالعناصر التي نتجت بعد انهيار السلطة الفاسدة السابقة وما تلاها من اشكالات وأزمات وارتباكات اجتماعية وأمنية وتصدعات نفس ية وقانونية متوقعة.
ويتعامل الإمام (دام ظله) مع المسائل الاجتماعية والأمنية والسياسيّة الجارية في ظل وجود سلطة احتلال وحاكم مدني أميركي بذهنية المرجع المسؤول لا ذهنية السياسي التي عادة ما تدخل في طياتها حسابات وامتيازات وأغراض قد يكون (الوطن) و(مصالح الناس) في آخر قائمتها! هذا لا يعني أن كل السياسيين براغماتيون. أننا نتحدث هنا عن معادلة واضحة وبينة ولدينا تجارب وأمثلة معاصرة فيها.
لهذا اتسم تعامل الإمام مع القضايا الكبرى كمسألة نقل السلطات في 30/6من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة للشعب العراقي وقيادته المنتخبة وكتابة الدستور وإجراء الانتخابات وضرورة فسح المجال للحريات العامة في التعبير عن آرائها بشأن تقرير مستقبل البلاد أتسم بالعقلانية والهدوء والواقعية والاتزان والابتعاد عن الفوضوية والحماسة (الثورية) والفوران المؤقت والصخب وإثارة الأجواء أو البحث عن الإثارة السياسية. وقد ساهم هذا المنهج في تصليب المواقف الشعبية والتفاف الجماهير المليونية العراقية من أقصى بغداد إلى آخر مدينةٍ وقريةٍ في الجنوب حول مرجعيته.
إن المرجعية الواعية هي الجهاز المؤمن بخيارات الناس الاستراتيجية لا الجهاز الذي تُملى عليه الخيارات من الخارج. ولهذا السبب بقيت المرجعية الدينية في عراق النجف الأشرف تتوارث قيم الاعتداد والإصرار على مطالب الناس وتقود الحركات الاستقلالية في العراق وتنبذ الخيارات المملية من الخارج عبر تاريخها الذي يمتد لأكثر من ألف عام من الآن أي منذ أن أسس شيخ الطائفة الطوسي العظيم الحوزة العلمية وأقام صروحها المعرفية إلى جانب مرقد الخليفة الإسلامي المرشد للأمة وأمير المؤمنين الإمام علي (ع).
ولأنها واعية ومتصدية وخلاقة وقادرة على إبداء الدرجات المفترضة من الواقعية والليونة والتشدد تبعاً لمسارات حركة المواقف السياسية الراهنة في البلاد ازدادت شعبية المرجعية الدينية الممثلة بالإمام في الأوساط المراقبة للشؤون العراقية وقادته الاهتمامات هذه إلى تكوين وجهات نظر معينة إزاء تلك المرجعية التي تمكنت خلال سنة أي بعد انهيار القيادة الرسمية السابقة تحت ضربات القوات الأميركية والبريطانية والقوات الحليفة لهاـ تحقيق مكاسب جمة لجهة إعادة الثقة للشارع والشارع بإمكانياته وقدراته الذاتية والإيمانية والاجتماعية ولم يستطع قادة الاحتلال الأميركي والبريطاني إلاّ أن يرفعوا القبعات الزرق والخضر أمام دقة وواقعية وعقلانية وحسابات المرجع. رغم أنه ـ وباعتراف عدد غير قليل من الكتاب الأميركيين والغربيين ـ يشكل في موقعه وفتاواه وقيادته للعملية السياسية خطورة غ ير عادية في الوقت الراهن إزاء الترتيبات السياسية والعسكرية التي تقوم بها سلطة الائتلاف المؤقتة بما يعزز فرص بقاء النفوذ الأميركي في العراق حتى بعد تسليم السلطة للعراقيين في 30/6.
الإمام والمتغيرات الإنسانية
بعد سقوط النظام الشوفيني الفاسد في بغداد أمكن للعديد من مراكز الدراسات والمعاهد السياسية والفكرية الغربية والفرنسية منها بالتحديد التعرف على أبعاد مهمة من شخصية الإمام المرجع والإلمام بها واكتشاف قوة وسطوة المرجعيّة الشيعيّة المتنورة على الحياة السياسية العراقية من خلال ما توافر لهم من رموز دينية وقوى سياسية وفعاليات وجمعيات ومؤسسات وفوق هذا وذاك الموقع المهم للمرجع الأعلى في الحياة الشيعية الذي يتولى رعاية المذهب والأمة بجميع شرائحها وأطيافها وقد قام الاختصاصي في شؤون الحركات الشيعية في الشرق الأوسط لدى (المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية بيار جان لويزار) بوضع دراسة مفصلة تناولت أبرز جوانب شخصية المرجع الديني الكبير الإمام السيد علي السيستاني (دام ظله) وبالرغم من الملاحظات والهنات والزلات ومواطن الخلل الكبيرة التي ظهرت في الدراسة التي تم قراءتها بشكل موضوعي ومتأن من قبلنا إلا أنها تصلح لتكون مادة أولية ومحاولة مبسطة للتعريف بمرجعية الإمام السيستاني.
ولأننا حريصون على إجراء مقاربة حقيقية لكل الأفكار والموضوعات والدراسات الغربية التي تناولت حياة وأبرز أبعاد مرجعية النجف وخصوصاً مرجعية الإمام فقد كان لزاماً علينا المضي في تحليل وقراءة واكتشاف قيم مرجعية النجف في عيون الباحثين والمفكرين والدارسين الغربيين والفرنسيين منهم بشكل خاص لإيمان حقيقي إن قيمة هذه المرجعية وعظمتها وحجم دورها لا يمكن إدراكه إلا من خلال عيون الآخرين بعد أن طمست مرحلته العراقية الحالية أو على الأقل مرحلة العقدين الماضيين العديد من معالم هذه المرجعية بل وصَلَ الأمر بعدد كبيرٍ من أبناء الطائفة والدارسين وحتى من طلبة العلوم الدينية والذي يدورون في فلك الحوزة العلمية إلى التطاول والتجاوز على قيمة وحرمة وقدسية وتأثير ودور هذه المرجعية في حياة الشعب العراقي وشعوب الأمتين العربية والإسلامية. ونحن هنا نذكر كل هؤلاء بأن الآخرين يحترمون القيادات الروحية والزعامات المرجعية وتأثيرها أكثر من أولئك الذين يصرخون ليل نهار بالدفاع عن المرجعية الدينية.
يقول لويزار وهو يصف الإمام.
«محيط من الثقافة، يوجهه إيمانه ويضع الدين فوق كل شيء، يلف إبهام متعمد مواقفه وأسلوب علمه، لأن الخوض في الأمور السياسية يثير اشمئزازه، لكنه اضطر إلى ذلك حفاظاً على موقع المرجعية في ظل الظروف القائمة في العراق([FONT='Times New Roman','serif'][1][/font])».
قلنا في البداية أن كلام الأكاديمي لويزار عن مرجعية الإمام سيبقى في إطار ما يعرفه الغرب ومدارس الاستشراق ومعاهد البحث العلمي الغربية عن المحطات الأساسية في الحضارة العربية والإسلامية وفي مقدمتها وجود المرجعيات الدينية ويبقى النص هذا يقرأ الحالة المرجعية من الخارج لأنه يبقى نصاً يفتقد إلى (الروح) التي تشحنه من الداخل بنزعة الإيمان بسيادة نصوص الحضارة الإسلامية على الوحدة الشعورية الإنسانية كون الإسلام هو الطريق الأرحب الذي ستجد الإنسانية في ظلاله أهدافها في الحرية والسيادة والرقي.
وقلنا أن لويزار لن يدخل إلى التفاصيل أو يصل إلى بعض ومضاتها الروحية الخاصة بمفردات شخصية وسلوك المرجع الديني الكبير أو مقام وموقع هذه المرجعية في حياة الناس، ورغم ذلك فلويزار لامس محطات مهمة في أبعاد شخصية المرجع السيستاني فتحدث عن ثقافته المحيط أو المحيطة التي هي لازمة حقيقية فريدة رافقت وترافق غالبية مراجعنا العظام وهم يتقدمون الصفوف الأولى والمقامات العليا للمعرفة والإلمام العميق بالأشياء الكونية ومفرداتها الواسعة.
وحين يتحدث فرنسي يعتد بقيم حضارته وآدابها ونصوصها وقدمها في سلم الأعمال والنتاجات الفلسفية والفكرية والمعرفية عن مرجع ديني يتناقض معه في التصور وفي الوجهة السياسية وفي الدين والمعتقدات الروحية ويصفه بالمحيط فهو بالتأكيد لم يتعرف على المرجعيات الدينية التي سبقت الإمام كالمرجع الخوئي والشهيد الصدر الأول والثاني والإمام الحكيم والبروجردي وغيرهم من المرجعيات المحيطية، ورغم ذلك فهو يعترف ومن موقعه المعرفي والتاريخي في تقييم الأشياء والمؤسسات والشخصيات والمرجعيات الدينية أن هذا المرجع محيط من الثقافة.
إن هذا المرجع الذي يتمدد على مساحة 150 مليون شيعي في العالم ويحظى باحترام وتقدير وأهمية واهتمامات مراكز سياسية وقوى دولة كبرى في العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية تحوطه الهيبة والوقار ويبتعد قدر الإمكان عن كل التفاصيل التي تحاول أن تسحب (الموقع التاريخي الهام) للمرجعية الدينية إلى مفرداتها والإمام يدرك أن الغوص في التفاصيل يبعد المرجع عن التزام القضايا الكبرى في البلاد وفي عموم التزاماته في الأمة لكي يعطي لتلك القضايا وزنها وأهميتها وحقها وقيمتها في حياة الناس.
وفي هذا الإطار عرف الإمام من بين معاصريه بدقة تدخلاته في قضايا البلاد، أما القول الفرنسي بأن الإمام يضع الدين فوق كل شيء فهو قول يدهش الذين يعرفون أصول المرجعية الدينية وفضائها الروحي وحكمتها الربانية البالغة، فالقاعدة في المرجعية أنها تضع الدين والمصلحة الإسلامية العليا في قمة الأولويات، ولولا الدين لم تقم المرجعية الدينية والأهم من كل ذلك أن المرجعية لا تكون بمعزل عن الدين وهي مرجعية للدين وليست لأحد سواء كان شخصاً أو مرجعاً سياسياً أو مؤسسة أو دولة.
البعيدون عن المرجعية الدينية يعتقدون أن الإبهام والغموض يلف مواقف الإمام في المسائل المختلف عليها سواءً بين العراقيين أنفسهم أو ما بينهم وبين سلطة الائتلاف المؤقتة في البلاد، العكس هو الصحيح. فالإمام واضح في فتاواه ومواقفه وطروحاته وسياقات فعله ونظراته وآرائه السياسية، الفرق ما بين الإمام كمرجع وغيره من الذين يقصدهم المحلل الفرنسي لويزار من السياسيين الذين (يطلون) بكثرة على أضواء المشهد السياسي الوطني هو في (الاحتياط) الذي يغلف المواقف والتوجهات. فالإمام كمرجع مسؤول عن الأمة ومشاعرها ومصالحهاـ حاضرها ومستقبلها وتطورها وهزيمتها يفهم ويدرك جيداً أن الموقف إذا ظهر انطلق في فضاء المواقف السياسية والفتاوى الدينية إلى التداول ومعنى ذلك أن الفتوى ستكون ملك الشارع وفي متناول يديه وليست ملك الفقيه المطلق لها. من هنا (يتأنى) الإمام كثيراً في المواقف الإسلامية والقرارات الوطنية، لكي يأتي القرار الديني مستوفٍ للجهوزية المفترضة، قوياً في معالجته للواقع، فاعلاً في صناعة الفضاء السياسي الذي يخدم الناس.
والإمام الذي يصنفه لويزار بأنه دخل أخيراً المجال السياسي لاشمئزازه من الأمور السياسية كان في قلب العملية السياسية سواءً في عهد النظام السابق أو في العهد الذي تلاه مباشرة بدليل الأجواء السياسية المؤيدة للإمام في كافة أنحاء العراق والفعل وخير فعل فتواه السياسية في المشهد الوطني العراقي. لكنه لم يكن يتدخل في التفاصيل التي تدمر برأي العقلاء أسس القضايا الكبرى في العراق.
وفي المعلومات التي كانت تردنا قبل سقوط النظام الفاشي في بغداد عن الإمام المرجع أنه كان يصل الأمة بمختلف طرق الاتصال والتواصل وكان يخصص مبالغ طائلة من بيت المال لإعالة الآلاف من العوائل العراقية المنكوبة للأسباب السياسية والأمنية والاقتصادية التي بات يعرفها القاصي والداني في العراق وفي العالم عن مأساة العراقيين في ظل النظام وكان لهذا التحرك أثر بالغ في توجه العراقيين الديني وعودتهم إلى منابع الإسلام كبديل وموئل والمرجعية الدينية كحاضنة روحية تقف معهم وتتعايش مع توجهاتهم وطموحاتهم ومعهم في أهدافهم وأمانيهم في الحرية.
لكن الإمام كان قلقاً على مصير الحوزة العلمية ومستقبل هذه الحوزة كمركز استقطاب هام للحضارة العربية الإسلامية في ظل نظام القمع والظلم والاستبداد السابق وقد تعرض الإمام السيستاني (دام ظله) في النجف إلى محاولة اغتيال نفذتها مجموعة من أزلام المخابرات العراقية قتل على أثرها موظف في مكتبه (دام ظله) ونجى الإمام عشيتها في الحادثة كونه لم يكن موجوداً في المكان. أقول أن الإمام لو لم يكن يشكل خطراً على وجود النظام السابق لما أقدم على محاولة تصفيته.
بإعجاب واضح يتحدث لويزار عن السيد السيستاني ويصفه بـ(الشخصية المثيرة للدهشة) ويقول أنه «لا يمكن من يلتقيه ألا أن يشعر بأنه يعيش حدثاً استثنائياً. خصوصاً في ظل الفارق الواضح بينه وبين الجيل الجديد من رجال الدين الذين يفتقرون إلى الثقافة الدينية التي تعادل ثقافته، وقبل الثقافة هناك الإيمان الذي يوجه السيستاني ويحمله على وضع الدين فوق كل شيء فيضفي على حضوره هالة من الهيبة والقار)([FONT='Times New Roman','serif'][2][/font]).
ويقول لويزار وهو يشرح بعملانية واضحة ولغة محايدة وتوصيفية المزيد من أبعاد المرجع وحياته (يعيش السيستاني في شبه سرية في النجف ونادراً ما تتسنى مقابلته ويردف لويزار (أن سقوط صدام حسين لم يغير الكثير في وضعه إذ كان في السابق قيد الإقامة الجبرية وهو اليوم حريص على العيش بعيداً عن أنظار العامة)([FONT='Times New Roman','serif'][3][/font]).
لويزار يتصور أن الإمام يعيش بعيداً عن أنظار عامة أبناء الشعب العراقي وهو كلام يفتقد إلى الدقة. فالسياق التاريخي العام الذي حكم علاقة المرجعيات الدينية في النجف مع الناس يشير إلى أن بيوت المراجع كانت مفتوحة للناس وكان عموم شيعة العراق يستلهمون كل القيم الأخلاقية النبيلة ومعاني السمو والرفعة والدفاع عن الإسلام والأوطان من وجود المرجعيات الدينية في حياتهم مثلما كان المراجع قدوة وأسوة حسنة لكل أبناء الطائفة والطوائف الأخرى بالنظر لحياة الزهد والتقشف والترفع عن مباهج الدنيا ومكارم الأخلاق التي كانوا عليها.
إن الإمام السيستاني جزءً من هذا السياق لكن من المهم أن نقول بأن الظروف الأمنية التي تمر بها البلاد تجبر القيمين على حماية المرجع الأعلى القيام ببعض الاحتياطات التي من شأنها أن تحمي الإمام وتبعده عن دائرة الاستهداف خصوصاً وأن لغة القتل والتصفيات الجسدية في العراق هذه الأيام خرجت عن حدود الفلتان والفوضى الأمنية إلى دائرة محاولات الإيقاع بين فئات المجتمع العراقي الواحد في حروب الإبادة والفتن الطائفية. وقد دلت التجربة العملية أن العراقيين أوعى وأكبر من كل المحاولات الرامية إلى تغييب الوطن وتجزئة المشاعر وتقسيم الضمائر وذبح اللحمة الوحدوية التي حكمت ومازالت نسيج علاقات الطائفيين الشيعية والسنية في العراق.
وينتقل الكاتب والمحلل الفرنسي لويزار إلى مشهد آخر من مشاهد رؤية الفضاء الإنساني والسياسي والفقهي للإمام فيقول:
«وعندما يوافق على مقابلة أحد فأن اللقاء لا يتم على انفراد، ويخضع لقواعد معينة وتجد الشخص الموجود في حضرته أنه يتبعها تلقائياً فلا يوجه أنظاره مباشرة إلى السيستاني ولا يوجه الكلام مباشرة إليه. إذا أتى الجواب يتم دائماً عبر أحد أتباعه الذي يتولى نقل الكلام منه وإليه حتى عندما يدور الحديث بالعربية. لكن الحديث معه ـ وفقاً للويزار ـ لا يخضع لأي محضورات. فهو منفتح على الأسئلة المختلفة التي يمكن أن تطرح عليه ويعطي الانطباع بأنه يمتلك محيطاً من الثقافة»([FONT='Times New Roman','serif'][4][/font]).
ويسترسل لويزار في سرد مشاهداته بالقول أيضاً «يأخذ السيستاني وقته في الإجابة ويتسم كلامه أحياناً ببعض الغموض كونه يتضمن إشارات عدة إلى آيات قرآنية أو إلى أحاديث فهو ربما يمثل الجيل الأخير لكبار رجال الدين ويتميز عن سواه من رجال الدين في كون الدين بالنسبة إليهم بمثابة أداة سياسية»([FONT='Times New Roman','serif'][5][/font]).
ويتوقف لويزار الذي حلل مطولاً الفتاوى الصادرة عن السيد السيستاني عند التنظيم المحيط به فيقول أنه معقد ومبهم، لكن هذا الإبهام مدروس ومستخدم بطريقة شديدة الذكاء، فالفتاوى التي تصدر عنه لا يبلغ بها فورياً بل غالباً ما يعلن عنها بعد مدة على صدورها. وهناك دائماً فترة من عدم اليقين لا يكون فيها وجود الفتاوى مؤكداً ولا تكون صيغتها كفتوى مؤكدة ويكشف في الوقت المناسب عما إذا كانت فتوى أو مجرد إعلان أو بيان.
ويبرر لويزار هذه الدرجة من التعقيد بكون السيستاني من أصحاب المذهب (الطمأنيني) (الاحتياط) والتدخل في الشؤون السياسية والخوض في أمور ينظر إليها من الأعلى وعن بعد يثير اشمئزازه.
مغالطات!!
يعتقد المحلل الفرنسي لويزار أن الإمام يضع دائماً حاجزاً بينه وبين الشؤون السياسية في البلاد لازدرائه الدخول في هذا الشأن شأنه شأن بقية العلماء الفقهاء الذين سبقوه قبل ذلك مثل آية الله العظمى الإمام أبو القاسم الخوئي ويوحي لويزار أن الإمام يتعامل مع المسائل الفقهية والفقهية السياسية وما يتعلق منها بقضايا الأمة تعاملاً يفتقر إلى (الطمأنينة) أي الاحتياط الذي يلازمه في كل تعاملاته وتعاطيه مع الشؤون الاجتماعية والسياسية في الأمة.
نحن نقول أن عدم قراءة الإسلام وفقهاء الفكر الإسلامي بشكل واقعي ومنصف وعقلاني وهادئ وبعيد عن التطرف والتعصب الديني والسياسي هي السبب وراء كل إشارات التعمية والالتباسات والقفز على الحقائق والارتكابات الممارسة في الكتابات السياسية والمعرفية الغربية إزاء الإسلام ومرجعياته الدينية. من هنا نحن ملزمون بعرض ما قاله لويزار بشأن علاقة الإمام بالشأن السياسي مثلما نحن ملزمون بتنقيط الملاحظات بهذا الصدد.
يقول لويزار:
(وتعبيراً عن إزدرائه للشأن السياسي الذي شاركه فيه علماء شيعة كبار مثل الإمام الخوئي، يحرص السيستاني باستمرار على الإبقاء على مسافة الفصل بينه وبين المسائل السياسية وهو ما يعطيه في الوقت ذاته فرصة إنكار فتوى ما ونفي وجودها أو العكس وإضفاء صيغة الفتوى على موقف كان عند صدوره مجرد بيان)([FONT='Times New Roman','serif'][6][/font]).
قد يظن البعض بأن لويزار يقدم خدمة كبيرة لمرجعية الإمام السيستاني وللسيد بشكل خاص كون لويزار يريد أن يوحي أن الإمام يترفع عن ممارسة العمل السياسي المباشر الذي يستغرقه في التفاصيل الصغيرة. اعتقد أن لويزار أمعن في (تقزيم) صورة الفقيه المشارك والصانع للحدث. الممارس لقضية التصدي المباشر لشؤون العمل الاجتماعي والسياسي في الأمة.
إن تقزيم الصورة يعني تحديد صورة المرجع المجتهد القادر على صناعة المستقبل وتعيين تكليف الشعب العراقي في مرحلة تاريخية سياسية وطنية تتطلب من الإمام المشاركة بقوة في التفاصيل الدقيقة المتعلقة مثلاً بتاريخ أو احترام تاريخ تسليم السلطة للعراقيين وإجراء الانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة الوطنية العراقية وقيام العراق التعددي ـ الدستوري ـ الديمقراطي الجديد.
إن لويزار أراد أن يتعامل مع الإمام باعتبار الإمام كأي سياسي آخر يتلاعب بالألفاظ والمعاني والكلمات والمواقف ويناور كأي سياسي ذئبي لا يحترم ثوابته والتزاماته المبدأية ومنظومته القيميّة تماماً كالذي يجري في العديد من المنظومات والأنظمة والأحزاب السياسية في الغرب. وربما كان الحق مع لويزار حين يقرأ ملامح مرجعية السيد السيستاني بهذا الشكل. كون الرجل لا يستطيع التخلص من منظومة القيم السياسية التي تربى عليها وأدمن تجسيدها وتمثيلها وإعادة إنتاجها في مجمل قراءاته ودراساته وأبحاثه المعرفية في المعهد الوطني للدراسات الفرنسية في باريس.
لم يحدث بالمطلق أن قام أحد من فقهائنا الكبار ممن تبوؤا مقام المرجعية الدينية بإبطال فتوى أصدرها في فترة من الفترات لأن الفتوى كما يعرف أهل الاختصاص ـ وليس لويزار ـ صادرة من عمق وجوهر الاستدلال الفقهي من الكتاب والسنة وتراث أهل البيت في الرأي والإفتاء بمسائل الحياة بالاعتماد على العقل والإجماع. نعم يحدث في أحيان قليلة أن يقوم الإمام المرجع ـ أي إمام ومرجع للناس ـ بتطوير فتوى معينة لكنه لا ينقض ولا يتبرأ من الفتوى أساساً.
لويزار أراد بهذه العبارة أن يثير في الذهن العراقي الخاص والعربي والإسلامي العام أن المرجعية الشيعية تتعامل مع مسائل وشؤون وظواهر الأمة السياسية كما تتعامل الأنظمة والشخصيات والأحزاب اللامبدأية ولذا فهي (حالة) في إطار الحالات العادية في حياة الأمم والشعوب ولا تصمد هذه الحالة طويلاً نظراً لتماثلها مع الحالات والظاهر السياسية والدينية التي انتهت وتلاشت في الحياة والدول ومنظومات الفكر.
طبعاً نحن نقر من أن لكل جواد كبوة وكبوة لويزار كما الخلفية المرجعية والسياسية التي يستند إليها واضحة كما أسلفنا وبينا!!.


توقيع BAGHDADY





BAGHDADY
الصورة الرمزية BAGHDADY
عضو نشيط

رقم العضوية : 1039
الإنتساب : May 2008
الدولة : عاصمة شيعة امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام
المشاركات : 383
بمعدل : 0.06 يوميا
النقاط : 219
المستوى : BAGHDADY is on a distinguished road

BAGHDADY غير متواجد حالياً عرض البوم صور BAGHDADY



  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : BAGHDADY المنتدى : إضاءات من نور المراجع والعلماء
افتراضي
قديم بتاريخ : 04-Jul-2008 الساعة : 12:08 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم




توقيع BAGHDADY





البكتريولوجي
عضو
رقم العضوية : 2569
الإنتساب : Aug 2008
المشاركات : 20
بمعدل : 0.00 يوميا
النقاط : 201
المستوى : البكتريولوجي is on a distinguished road

البكتريولوجي غير متواجد حالياً عرض البوم صور البكتريولوجي



  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : BAGHDADY المنتدى : إضاءات من نور المراجع والعلماء
افتراضي
قديم بتاريخ : 22-Aug-2008 الساعة : 03:16 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


الى اخي البغدادي .. سلام عليكم
ارججو ان توضح لي مسالة قد اتعبتني كثيرا وهي بعض الاشكلات التي تراودني وانا عاجز عن اجابتها فارجو من جنابكم التوضيح
1- ما راي سماحة الامام المرجع بالانتخابات الثانية فهل فعلا انه قد اوجب انتخاب القائمة 555 لان الامر اصبح جدا غامضا ؟ واذا لالم يكن قد اوجب فلماذا معتمديه والمقربين من مرجعيته في عموم العراق ابلغوا الناس بانه السيد قد اوجب انتخاب القائمة 555 ؟
2- واذا كان السيد الامام المرجع دام ظله لم يوجب انتخاب القائمة 555 فهل هذا يعني ان معتمديه قد كذبوا على الناس ؟ واذا كانوا كاذبين فلماذا لا يتخذ بهم موقفا لاستغفالهم الناس ؟
ارجو الاجابة السريعة والدقيقة جزاك الله خيرا


إضافة رد



ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


 

 


المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc