غيبة الإمام المهدي (

) الكبرى
يوم: 5 إكتوبر 2008 المصادف الرابع من شوال 1429هـ
انتهاء الغيبة الصغرى :
كان الناس خلال الغيبة الصغرى للإمام المهدي (

) يأخذون الأحكام الشرعية عن طريق سفرائه الأربع ، وهم : عثمان بن سعيد ، محمَّد بن عثمان ، الحسين بن روح ، علي بن محمَّد السمري ، وقد انتهت الغيبة الصغرى بوفاة السفير الرابع عام 329 هـ .
ابتداء الغيبة الكبرى :
بعد وفاة السفير الرابع للإمام المهدي (

) ابتدأت الغيبة الكبرى للإمام (

) في الرابع من شوال 329 هـ .
نوّاب الإمام المهدي (

) في الغيبة الكبرى :
جاء في أحد التوقيعات التي وصلتنا عن الإمام المهدي (

) : ( أمَّا الحَوَادِث الواقِعَة ، فَارجعُوا فِيهَا إلَى رُوَاةِ الحَديثِ ، فَإنَّهُم حُجَّتِي عَلَيْكُم ، وأنَا حُجَّةُ اللهِ عَلَيْهِم ) .
وجاء في توقيعٍ آخر : ( مَنَ كَانَ مِنَ الفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ ، حَافِظاً لِدِيْنِه ، مُخَالِفاً لِهَوَاه ، مُطِيعاً لأمْرِ مَولاه ، فَلِلْعَوَامِ أنْ يُقَلِّدُوه ) .
وبناءً على ذلك فكل فقيه يحمل تلك الصفات فهو نائب للإمام المهدي (

) ، ترجع إليه الناس في جميع أحكامها الفقهية ، واشكالاتها الشرعية .
أسباب الغيبة : نذكر منها ما يلي :
إنّ غيبة الإمام المنتظر (

) كانت ضرورية لابدّ للإمام منها ، نذكر لك بعض الأسباب التي حتمت غيابه (

) :
1ـ الخوف عليه من العباسيين :
لقد أمعن العباسيون منذ حكمهم ، وتولّيهم لزمام السلطة في ظلم العلويين وإرهاقهم ، فصبّوا عليهم وابلاً من العذاب الأليم ، وقتلوهم تحت كُلّ حجرٍ ومدرٍ ، ولم يرعوا أيّة حرمة لرسول الله (

) في عترته وبنيه ، ففرض الإقامة الجبرية على الإمام علي الهادي ، ونجله الإمام الحسن العسكري ( عليهما السلام ) في سامراء ، وإحاطتهما بقوى مكثّفة من الأمن ـ رجالاً ونساءً ـ هي لأجل التعرّف على ولادة الإمام المنتظر (

) لإلقاء القبض عليه ، وتصفيته جسدياً ، فقد أرعبتهم وملأت قلوبهم فزعاً ما تواترت به الأخبار عن النبيّ (

) ، وعن أوصيائه الأئمّة الطاهرين : أنّ الإمام المنتظر هو آخر خلفاء رسول الله (

) ، وأنّه هو الذي يقيم العدل ، وينشر الحقّ ، ويشيع الأمن والرخاء بين الناس ، وهو الذي يقضي على جميع أنواع الظلم ، ويزيل حكم الظالمين ، فلذا فرضوا الرقابة على أبيه وجدّه ، وبعد وفاة أبيه الحسن العسكري أحاطوا بدار الإمام (

) ، وألقوا القبض على بعض نساء الإمام الذين يظنّ أو يشتبه في حملهن .
فهذا هو السبب الرئيسي في اختفاء الإمام (

) ، وعدم ظهوره للناس ، فعن زرارة قال : سمعت أبا جعفر (

) يقول : « إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره » ، قلت : ولَمِ ؟ فقال (

) : « يخاف » ، وأومئ بيده إلى بطنه ، قال رزارة : يعني القتل (علل الشرائع 1 / 246 ، كمال الدين وتمام النعمة : 481 .) .
ويقول الشيخ الطوسي : « لا علّة تمنع من ظهوره (

) إلاّ خوفه على نفسه من القتل ، لأنّه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار » (الغيبة للشيخ الطوسي : 329 ) .
2ـ الامتحان والاختبار :
وثمّة سبب آخر علّل به غيبة الإمام (

) ، وهو امتحان العباد واختبارهم ، وتمحيصهم ، فقد ورد عن الإمام الصادق (

) أنّه قال : « أمّا والله ليغيبن إمامكم سنيناً من دهركم ، ولتمحصن حتّى يقال : مات أو هلك ، بأيّ وادٍ سلك ، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ، ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر ، فلا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيّده بروح منه » (الإمامة والتبصرة : 125 ، الكافي 1 / 336 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 191 .) .
ولقد جرت سنّة الله تعالى في عباده امتحانهم ، وابتلاءهم ليجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون ، قال تعالى : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) ، وقال تعالى : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ).
وغيبة الإمام (

) من موارد الامتحان ، فلا يؤمن بها إلاّ من خلص إيمانه ، وصفت نفسه ، وصدّق بما جاء عن رسول الله (

) والأئمّة الهداة المهديين من حجبه عن الناس ، وغيبته مدّة غير محدّدة ، أو أنّ ظهوره بيد الله تعالى ، وليس لأحدٍ من الخلق رأي في ذلك ، وإن مثله كمثل الساعة فإنّها آتية لا ريب فيها .
3ـ الغيبة من أسرار الله تعالى :
وعُلّلت غيبة الإمام المنتظر (

) بأنّها من أسرار الله تعالى ، التي لم يطّلع عليها أحد من الخلق ، فقد ورد عن النبيّ (

) أنّه قال : « إنّما مثله كمثل الساعة ، ثقلت في السماوات والأرض ، لا تأتيكم إلاّ بغتة » (كفاية الأثر : 168 و 250 ، ينابيع المودّة 3 / 310 .) .
4ـ عدم بيعته لظالم :
ومن الأسباب التي ذكرت لاختفاء الإمام (

) أن لا تكون في عنقه بيعة لظالم ، فعن علي بن الحسن بن علي بن فضّال عن أبيه ، عن الإمام الرضا (

) أنّه قال : « كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه » ، قلت له : ولم ذلك يا ابن رسول الله ؟ قال (

) : « لأنّ إمامهم يغيب عنهم » ، فقلت : ولِمَ ؟ قال : « لئلا يكون في عنقه لأحد بيعة إذا قام بالسيف » (علل الشرائع 1 / 245 ، عيون أخبار الرضا 2 / 247 ) .
وأعلن الإمام المهدي (

) ذلك بقوله : « إنّه لم يكن لأحد من آبائي (

) إلاّ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي » (كمال الدين وتمام النعمة : 485 ، الغيبة للشيخ الطوسي : 292) .
هذه بعض الأسباب التي علّلت بها غيبة الإمام المنتظر (

) ، وأكبر الظنّ أنّ الله تعالى قد أخفى ظهور وليّه المصلح العظيم لأسباب أُخرى أيضاً لا نعلمها إلاّ بعد ظهوره (

) .
آداب الغيبة : نذكر منها ما يلي :
1ـ انتظار فرجه (

) وظهوره ، فقد ورد عن رسول الله (

) أنّه قال : « أفضل أعمال أُمّتي انتظار الفرج » (الإمامة والتبصرة : 163 ، تحف العقول : 37 ، مناقب آل أبي طالب 3 / 527 ، مجمع الزوائد 10 / 147 ، ينابيع المودّة 3 / 397 ، الجامع الكبير 5 / 225) .
2ـ الدعاء له (

) بتعجيل فرجه ، فقد ورد من الناحية المقدّسة على يد محمّد بن عثمان في آخر توقيعاته (

) : « وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإنّ ذلك فرجكم » (كمال الدين وتمام النعمة : 485 ، الغيبة للشيخ الطوسي : 293 ، الاحتجاج 2 / 284) .
3ـ معرفة صفاته (

) ، وآدابه ، والمحتومات من علائم ظهوره .
4ـ مراعاة الأدب عند ذكره (

) ، بأن لا يذكره إلاّ بألقابه الشريفة : كالحجّة والقائم ، والمهدي ، وصاحب الزمان ، وصاحب الأمر ، وغيرها ، وترك التصريح باسمه الشريف ، وهو اسم رسول الله (

) ، وتكملة ذكره (

) بقول : (

) ، أو ( عجّل الله تعالى فرجه ) ، والقيام عند ذكر لقبه « القائم » .
5ـ إظهار محبّته (

) وتحبيبه إلى الناس .
6ـ إظهار الشوق إلى لقائه (

) ورؤيته ، والبكاء والإبكاء والتباكي والحزن على فراقه .
7ـ الدعاء والطلب من الله تعالى أن نكون من جنوده وأنصاره واتباعه ، ومن المقاتلين بين يديه ، وأن يرزقنا الشهادة في دولته .
8ـ التصدّق عنه (

) بقصد سلامته .
9ـ إقامة مجالس يذكر فيها فضائله (

) ومناقبه ، أو بذل المال في إقامتها ، والحضور في هكذا مجالس ، والسعي في ذكر فضائله ونشرها .
10ـ إنشاء الشعر وإنشاده في مدحه (

) ، أو بذل المال في ذلك .
11ـ إهداء ثواب الأعمال العبادية المستحبّة له (

) ، كالحجّ والطواف عنه (

) ، والصوم والصلاة ، وزيارة المشاهد المعصومين (

) ، أو بذل المال لنائب ينوب عنه في أداء تلك الأعمال .
12ـ زيارته (

) وتجديد البيعة له (

) بعد كلّ فريضة من الفرائض اليومية ، أو في كلّ يوم جمعة بما ورد عن الأئمّة (

) في ذلك .
13ـ تعظيم مواقفه (

) ومشاهده ، كمسجد السهلة ، ومسجد الكوفة وغيرهما .
14ـ ترك توقيت ظهوره (

) ، وتكذيب المؤقّتين ، وتكذيب من ادّعى النيابة الخاصّة ، والوكالة عنه (

) في زمن الغيبة الكبرى .
جعلنا الله تعالى وإيّاكم من الممهّدين لدولته ، والمرضين عنده .