بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
دور الصبر فى انتصار الفرد والامة
ان الصبر لا يمثل حالة من تحمل الواقع المفروض - ولو كان على مضض وكره - وانما هى حالة من الرشد الباطنى التى تجعل الانسان يعتقد بان هنالك برمجة كونية تسير لاهداف محددة ، وان بدت بعض مراحلها مريرة فى النظر القاصر ، وذلك لان الهدف العام من الوجود هو : تحكيم الرسالة الالهية فى الارض - شاء الكافرون ذلك ام أبوا - وهو ما نفهمه من خلال الوعد الالهى بايراث الارض لعباده الصالحين ، وجعل مقام الامامة والهداية بامر الله تعالى للصابرين .
ان الارض طوال التاريخ شهدت انواعا من الحضارات قامت واخرى اندثرت ، وهذه هى السياسة الالهية فى الارض ، اذ الايام – كما ذكرها القرآن الكريم – يداولها بين الناس ، ويدفع الناس بعضهم ببعض !!.. فلا ينبغى الركون للياس ، عندما يرى الانسان غربة الدين فى مرحلة من المراحل ، فان المد الالهى كان فى عملية صراع دائم مع الباطل منذ ان خلق الله تعالى آدم .. فمن كان يصدق فى الايام الاولى لغربة الاسلام ، ان يصل نداء التوحيد لشتى بقاع المعمورة ، ومن كان يصدق ان تصل صرخة الحسين (ع) يوم عاشوراء مدوية فى عمق التاريخ ؟
ان من موجبات توسعة افق النفس ، والتى تستتبع بدورها قدرة مضاعفة للصمود امام مختلف التقلبات هو : الاعتقاد بابدية الحياة الانسانية .. فان البلاء المحدود فى ايام محدودة ، له من التعويض ما يتمنى العبد معه يوم القيامة ، ان لو كان البلاء غير مرتحل عنه ، بل يتمنى - كما فى الروايات - انه لم تستجب له دعوة واحدة .. وهاهم الناس فى الحياة الدنيا ، يتحملون كثيرا من الآلام العاجلة ، طلبا لثمار لذيذة آجلة !!.
ان العبد يكتشف درجة عبوديته لربه من خلال : الصبر على مكروه القضاء .. فاذا اعتقد العبد ان هنالك من هو اولى بتولى زمامه من نفسه ، فهل يعيش حالة التبرم من تدبير الحكيم لاموره ؟!.. والحال انه لا موجود ارأف بالانسان ممن خلقه ، الا ان يرتكب ما يخرجه من دائرة الالتفاتة الشفيقة ، وذلك عندما يتمادى فى تحدى من بيده سلطان السماوات والارض ؟
ان العبد يترقى فى درجات العبودية الى ان يصل الى درجة ارقى من صبر العوام من اهل البلاء .. فان الكثيرين من متوسطى الايمان يصبرون على البلاء ، من منطلق انه لا حيله لهم سوى الصبر، وان الواقع المحتوم لا يتغير ، الا ان هناك قوما بلغوا درجة من الايمان ، جعلتهم يرضون ، بل يحبون ما اجرى له ربهم من البلاء الذى لم يكونوا هم سببا فيه ، اذا ان البلاء المتسبب من فعل العبد لا يؤجر عليه صاحبه ، الا ان يتغمده الله تعالى برحمة منه وفضل.
ان من اعظم ابواب الصبر بعد الصبر على الطاعة والصبر على البلاء هو : الصبر عن المعصية .. فانه لا يمكننا انكار ان للشهوات جاذبية عظمى فى نفس الانسان ، تصل - فى بعض الحالات - الى درجة لا تقاوم الا بشق الانفس ، وخاصة فى هذا الزمان الذى نعتقد انه لم تمر فترة على الارض منذ ان خلقها الله تعالى كهذه الفترة من جهة : تنوع سبل المنكر وتيسرها ، حتى ان من هم دون سن المراهقة اليوم ، يرتكبون ما لم يعرفه المراهقون فى سنوات سبقت ، بفعل تكامل آليات عرض الفساد !!.. ولا ندرى ما الذى يخفيه المستقبل من صور المنكر والفتنة ، التى تدع الحليم حيرانا!!.
ان من الامور التى ينبغى ان يلتفت اليها ، من يرى فى نفسه ضعفا فى مقاومة امام امواج البلاء والمحنة هو : ان تكلف الصفة الحميدة سبيل الى تحولها الى ملكة راسخة فى النفس ، ومن هنا دعت الروايات الى التصبر ، وهى محاولة للتشبه بمن اعطوا قوة فى هذا المجال .. ولا ينبغى ان نغفل عن حقيقة : ان المتصبر فى معرض اللطف الالهى ، بافراغ الصبر عليه ، بحيث يجد فى نفسه من المقاومة ما لم يكن يتوقعها من نفسه .. ومن هنا جاء الامر الالهى بالدعاء : { ربنا افرغ علينا صبرا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين}.
ان من ارجى الآيات لاهل البلاء فى القرآن الكريم هو قوله تعالى : { الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون } فان الجزاء المترتب على ذلك امور مذهلة من : صلوات الله تعالى عليهم وما تستتبعها من البركات التى نرى عينة يسيرة منها ، من خلال صلواته تعالى على نبيه المصطفى (ص) ..والرحمة الالهية : وهى التى لو غمرت العبد ما ابقت له موجبا من موجبات العقاب الدنيوى او الاخروى .. والهداية : وهي التى لو توجهت للعبد ، فتحت له من الآفاق النظرية للقرب ، ما لا يخطر على قلب بشر .. افلا يحق لنا بعد ذلك ان نقول : هنيئا للصابرين من أهل البلاء !!
من شبكة السراج في الطريق إلى الله
واسألكم الدعاء