اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم صلى على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السلام عليك يا أبا عبد الله
إن سأل سائل، فقال: أخبروني عن الامامة، ما هي في التحقيق على موضوع الدين واللسان؟ قيل له: هي التقدم فيما يقتضي طاعة صاحبه، والاقتداء به فيما تقدم فيه على البيان.
فإن قال: فحدثوني عن هذا التقدم، بماذا حصل لصاحبه: أبفعل نفسه، أم بنص مثله في الامامة عليه، أم باختياره؟ قيل له: بل بإيثار سبق ظهور حاله أوجب له ذلك عندالله تعالى ليزكي أعماله، فأوجب على الداعي إليه بما يكشف عن مستحقه النص عليه، دون ماسوى ذلك مما عددت في الاقسام.
فإن قال: فخبروني عن المعرفة بهذا الامام، أمفترضة على الانام، أم مندوب إليها كسائر التطوع الذي يؤجر فاعله، ولايكتسب تاركه الآثام؟
قيل له: بل فرض لازم كأوكد فرائض الاسلام.
فإن قال: فماالدليل على ذلك، وما الحجة فيه والبرهان؟ قيل له: الدليل على ذلك من أربعة أوجه: أحدها: القرآن، وثانيها: الخبر عن النبي ، وثالثها: الاجماع، ورابعها: النظر القياسي والاعتبار .
فأما القرآن:
فقول الله سبحانه وتعالى: { ياأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم } فأوجب معرفة الائمة من حيث أوجب طاعتهم، كما أوجب معرفة نفسه، ومعرفة نبيه - عليه وآله السلام - بما ألزم من طاعتهما .
وقول الله تعالى: { يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتى كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولايظلمون فتيلا } وليس يصح أن يدعى أحد بما لم يفترض عليه علمه والمعرفة به.
وأما الخبر:
فهو المتواتر عن النبي ، أنه قال: " من مات وهو لا يعرف إمام زمانه، مات ميتة جاهلية " وهذا صريح بأن الجهل بالامام يخرج صاحبه عن الاسلام.
وأما الاجماع:
فإنه لاخلاف بين أهل الاسلام أن معرفة إمام المسلمين واجبة على العموم، كوجوب معظم الفرائض في الدين.
وأما النظر والاعتبار:
فإنا وجدنا الخلق منوطين بالائمة في الشرع، إناطة يجب بها عليهم معرفتهم على التحقيق، وإلا كان ما كلفوه من التسليم لهم في أخذ الحقوق منهم، والمطالبة لهم في أخذ مالهم، والارتفاع إليهم في الفصل عند الاختلاف، والرجوع إليهم في حال الاضطرار، والفقر إلى حضورهم لاقامة الفرائض من صلوات وزكوات وحج وجهاد، تكليف ما لايطاق، ولما استحال ذلك على الحكيم الرحيم سبحانه، ثبت أنه فرض معرفة الائمة، ودل على أعيانهم بلا ارتياب.
فإن قال: فخبروني الآن من كان الامام بعد الرسول ، والقائم في رئاسة الدين مقامه، لاعرفه فاؤدي بمعرفته ما افترض له علي من الولاء؟ قيل له: من أجمع المسلمون على اختلافهم في الآراء والاهواء على إمامته بعد النبي ، ولم يختلفوا من بعد وفاته فيما أوجب له ذلك من اجتماع خصال الفضل له والاقوال فيه والافعال: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب .
فإن قال: أبينوا لي عن صحة هذاالمقال، فإني أراكم مدعين الاجماع فيما ظاهره الاختلاف، ولست أقنع منكم فيه إلا بالشرح لوجهه والبيان.
قيل له: ليس فيما حكيناه من الاجماع اختلاف ظاهر ولا باطن، فإن ظننت ذلك لبعدك عن الصواب، أفلا ترى أن الشيعة من فرق الامة تقطع بإمامته بعد النبي بلا فصل، وتقضي له بذلك إلى وقت وفاته، وتخطئ من شك في هذا المقال على كل حال؟ والحشوية والمرجئة والمعتزلة متفقون على إمامته بعد عثمان، وأنه لم يخرج عنها حتى توفاه الله تعالى راضيا عنه، سليما من الضلال؟ والخوارج - وهم أخبث أعدائه وأشدهم عنادا - يعترفون له بالامامة، كاعتراف الفرق الثلاث، وإن فارقوهم بالشبهة في انتهاء الحال؟ ولاسادس في الامة لمن ذكرناه يخرج بمذهبه عما شرحناه، فيعلم بذلك وضوح ما حكمنا به من الاجماع على إمامته بعد النبي كما وصفناه.
فأما الاجماع على مايوجب له الامامة من الخلال:
فهو إجماعهم على مشاركته لرسول الله في النسب، ومساهمته له في كريم الحسب، واتصاله به في وكيد السبب، وسبقه كافة الامة إلى الاقرار، وفضله على جماعتهم في جهاد الكفار، وتبريزه عليهم في المعرفة والعلم بالاحكام، وشجاعته وظاهر زهده اللذين لم يختلف فيهما اثنان، وحكمته في التدبير وسياسة الانام، وغناه بكماله في التأديب المحوج إليه المنقص عن الكمال، وببعض هذه الخصال يستحق الامامة فضلا عن جميعها على ماقدمناه .