اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم صلى على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السلام عليك يا غريب المدى
دور الإمام الرضا () قبل ولاية العهد
لقد كان الإمام () محطّ أنظار الفقهاء ومهوى أفئدة طلاّب العلم، ويشهد لذلك قوله () : «كنت أجلس في الروضة، والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا أعيى الواحد منهم عن مسألة أشاروا عليّ بأجمعهم وبعثوا اليّ بالمسائل فأجبت عنها».
وكان () يأمر أتباعه بمداراة عقول الناس وعدم تحميلها ما لاتطيق من افكار وعقائد، فقد قال لمحمد بن عبيد : «قل للعبّاسي : يكفّ عن الكلام في التوحيد وغيره، ويكلم الناس بما يعرفون، ويكفّ عمّا ينكرون».
الإصلاح الفكري والديني
وضّح الإمام () حقيقة التآمر الفكري في بلبلة عقول المسلمين، وأعطى قاعدة كلية في الأساليب والممارسات التي يستخدمها أعداء الاسلام لتشويه الافكار والمفاهيم الاسلامية فقال () : «انّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام أحدها : الغلو، وثانيها : التقصير في أمرنا، وثالثها : التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم الى القول بربوبيتنا، واذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، واذا سمعوا مثالب أعدائنا باسمائهم; ثلبونا باسمائنا ...». (خاص بمواقع الميزان)
واتخذ الإمام () عدّة أساليب في مجال الاصلاح الفكري وإليك إيضاحها:
أوّلاً : الرد على الانحرافات الفكرية
قام الإمام () بالرد على جميع ألوان الانحراف الفكري من أجل كسر الالفة بين المنحرفين وبينها، وكان يستهدف الافكار والاقوال تارة، كما يستهدف الواضعين لها والمتأثرين بها تارة اُخرى .
ففي ردّه على المشبّهة قال() : «الهي بدت قدرتك ولم تبد واهية فجهلوك، وقدروك والتقدير على غير ما به وصفوك وإنّي بريء يا الهي من الذين بالتشبيه طلبوك ليس كمثلك شيء».
وفي ردّه على المجبرة والمفوضة قال () : «من زعم انّ الله يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها، فقد قال بالجبر، ومن زعم أنّ الله عزوجل فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه ، فقد قال بالتفويض، والقائل بالجبر كافر، والقائل بالتفويض مشرك».
وله ردود عديدة على الغلاة والمجسّمة وأصحاب التفسير بالرأي والقياس، كما ان له ردوداً على الفرق غير الاسلامية كالزنادقة واليهود والنصارى وغيرهم .
وفنّد الإمام () جميع الروايات التي يعتمد عليها المنحرفون، ووضّح بطلان صدورها عن رسول الله () وأرشد المسلمين الى الروايات الصحيحة، ففي رده على الرواية المفتعلة والمنسوبة الى رسول الله () والتي جاء فيها: «ان الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة جمعة الى السماء الدنيا»، قال () : «لعن الله المحرّفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول الله كذلك، وانّما قال: انّ الله تعالى ينزل ملكاً الى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الاخير، وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي هل من سائل فأعطيه، هل من تائب فاتوب عليه، هل من مستغفر فاغفر له ... حدثني بذلك أبي عن جدي عن آبائه عن رسول الله () . (خاص بمواقع الميزان)
كما دعا الإمام الرضا () الى مقاطعة المنحرفين كالمجبّرة والمفوّضة والغلاة مقاطعة كلية لمنع تأثيرهم في الاُمة، وأسند هذه الأوامر الى أجداده () تارة واليه ابتداءً تارة اُخرى .
قال () : «حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد (عليهما السلام)، انه قال : من زعم انّ الله تعالى يجبر عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون، فلا تأكلوا ذبيحته، ولا تقبلوا شهادته، ولا تصلّوا ورائه، ولا تعطوه من الزكاة شيئاً».
وقال () عن مقاطعة الغلاة والمفوّضة: «الغلاة كفّار والمفوّضة مشركون، من جالسهم أو خالطهم أو واكلهم، أو شاربهم، أو واصلهم، أو زوّجهم، أو تزوّج منهم، أو آمنهم، أو ائتمنهم على أمانة أو صدّق حديثهم، أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله عزّوجل وولاية رسول الله () وولايتنا أهل البيت».
بل أمر بمقاطعة جميع أصناف الغلاة فقال () : «لعن الله الغلاة الا كانوا يهوداً، الا كانوا مجوساً، الا كانوا نصارى، الا كانوا قدريّة، الا كانوا مرجئة، الا كانوا حرورية... لا تقاعدوهم ولا تصادقوهم، وابرؤوا منهم برئ الله منهم».
وأمّا موقفه() من الواقفة فيمكن تلخيصه بما يلي:
بعد أن استشهد الإمام الكاظم () طالب الإمام الرضا () جماعة من وكلائه بارسال المال الذي كان بحوزتهم اليه، ولكنهم طمعوا به، فأجابوه : إن أباك صلوات الله عليه لم يمت وهو حي قائم، ومن ذكر أنّه مات فهو مبطل.
واستطاع هؤلاء ان يستميلوا بعض الناس لترويج فكرة أنّ الإمام الكاظم () لم يمت وأنّه القائم المنتظر .
وكان دور الإمام () هو إثبات موت أبيه في المرحلة الاولى من مواجهة هذه الافكار الهدّامة .
واستمر في مواجهتهم بشتى الاساليب، وكانت الحكومة آنذاك تشجع مثل هذه الافكار الهدّامة لتفتيت التآزر والتآلف بين اتباع أهل البيت (). وما كان من الإمام () إلاّ ان يعلن المواجهة مع الواقفة للقضاء عليهم، فقد لعنهم أمام أصحابه فقال () : «لعنهم الله ما أشدّ كذبهم».
وأمر بعدم مجالستهم تحجيماً لأفكارهم ومدّعياتهم، فقال لمحمد بن عاصم: «بلغني أنّك تجالس الواقفة ؟» قال : نعم، جعلت فداك اُجالسهم وأنا مخالف لهم، قال : «لا تجالسهم»[12].
وقال () فيمن سأله عن الواقفة : «الواقف حائد عن الحق ومقيم على سيئة إن مات بها كانت جهنّم مأواه وبئس المصير».
وأمر بمنع الزكاة عنهم فعن يونس بن يعقوب قال : قلت لابي الحسن الرضا () اعطي هؤلاء الذين يزعمون انّ اباك حيّ من الزكاة شيئاً ؟ قال : «لا تعطهم فانّهم كفار مشركون زنادقة».
وبذلك استطاع تحجيم دورهم وايقاف حركتهم داخل كيان أنصار أهل البيت ()، ولم تنتشر افكارهم الاّ عند أصحاب المطامع والأهواء .(خاص بمواقع الميزان)
ثانياً : نشر الافكار السليمة
ابتدأ الإمام () بالرد على الافكار المنحرفة ثم أمر بمقاطعة واضعيها والقائلين بها والمتأثرين بها; لتطويقها في مهدها والحيلولة دون استشرائها في الواقع، ثم عمل على نشر الافكار السليمة لتتم المحاصرة من جميع الجوانب .
فكان () يقوم بتفسير الآيات القرآنية التي تتناول اصول وقواعد العقيدة والشريعة، ويهتمّ بنشر الاحاديث الشريفة عن آبائه وعن رسول الله () لكي تكون هي الحاكمة على أفكار وتصورات المسلمين .
وكان يستثمر جميع الفرص المتاحة لتبيان الفكر السليم والمفاهيم الشرعية الصحيحة .
ففي مجال التوحيد قال () : «حسبنا شهادة أن لا اله الاّ الله أحداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، قيّوماً سميعاً بصيراً قوياً قائماً باقياً نوراً، عالماً لا يجهل، قادراً لا يعجز، غنياً لا يحتاج، عدلاً لا يجور، خلق كل شيء، ليس كمثله شيء، لا شبه له، ولا ضدّ، ولا ندّ، ولا كفو».
وصنّف () أصناف القائلين بالتوحيد فقال : «للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب : نفي وتشبيه وإثبات بغير تشبيه، فمذهب النفي لا يجوز، ومذهب التشبيه لا يجوز لأن الله تبارك وتعالى لا يشبهه شيء، والسبيل في الطريقة الثالثة اثبات بلا تشبيه».
وسئل () : أيكلّف الله العباد ما لا يطيقون ؟ فقال : «هو أعدل من ذلك»، قيل له : فيستطيعون أن يفعلوا ما يريدون ؟ قال : «هم أعجز من ذلك».
بعد توسّع القاعدة الشعبية لأهل البيت () وصعوبة الالتقاء بالإمام () باستمرار، قام الإمام () بارجاع الامة الى عدد من العلماء لأخذ معالم دينهم، فعن عبدالعزيز بن المهتدي قال : سألت الرضا، فقلت اني لا ألقاك في كل وقت فعن من آخذ معالم ديني ؟ قال : «خذ من يونس بن عبدالرحمن». (خاص بمواقع الميزان)
وكان له اتباع من الفقهاء منتشرين في جميع الأمصار، يُرجع لهم انصاره وسائر المسلمين لأخذ معالم الدين من عقائد وتشريعات واحكام .
منهم : أحمد بن محمد البزنطي، ومحمد بن الفضل الكوفي، وعبدالله بن جندب البجلي، والحسين بن سعيد الاهوازي .
وكان يتابع حركة الرواة لكي لا يكذبوا عليه أو على آبائه، فكان يقول عن يونس مولى علي بن يقطين : «كذب ـ لعنه الله ـ على أبي»
للموضوع بقيه
آخر تعديل بواسطة منتظرة المهدي ، 10-Feb-2009 الساعة 11:58 PM.
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السلام على شمس الشموس .. المدفون بأرض طوس .. علي ابن موسى الرضا
الاصلاح الاقتصادي
لم يكن الإمام () على رأس سلطة حتى يستطيع اصلاح الاوضاع الاقتصادية اصلاحاً فعلياً، ولذا اكتفى بنشر المفاهيم الاسلامية المتعلقة بالحياة الاقتصادية والنظام الاقتصادي الاسلامي، فقد حدّد جوامع الشريعة في رسالة له طويلة اعتبر الانحراف عن نهج الاسلام الاقتصادي من الكبائر التي يعاقب عليها الانسان، ومما جاء في هذه الرسالة : «واجتناب الكبائر، وهي ... اكل مال اليتامى ظلماً ... وأكل الربا والسحت بعد البينة، والميسر، والبخس في الميزان والمكيال ... وحبس الحقوق من غير عسر ... والاسراف والتبذير».
وكان يدعو الى دفع الزكاة فيقول : «ان الله أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة أخرى : أمر بالصلاة والزكاة، فمن صلّى ولم يزكّ لم تقبل منه صلاته ...».
وكان يوضّح اسباب الظواهر السلبية ومنها حبس الزكاة فيقول : «اذا كذبت الولاة حبس المطر، واذا جار السلطان هانت الدولة، واذا حبست الزكاة ماتت المواشي».
وكان () يدعو الى ايصال الزكاة الى مستحقيها، فحينما سئل عن اعطاء الزكاة فيمن لا يعرف ـ اي بالايمان ـ قال : « لا، ولا زكاة الفطرة».
وكان يقول :
«وزكاة الفطرة فريضة ... لا يجوز أن تعطى غير أهل الولاية لانّها فريضة».
وهذا تصريح يكشف التلاعب بأموال المسلمين من قبل الحكّام بتوزيعهم الأموال حسب أهوائهم ورغباتهم دون التقيّد بميزان شرعي .
وكان يدعو الى اعطاء الخمس الى الإمام الحقّ وليس الى الحاكم المغتصب للخلافة ففي كتابه الى أحد تجّار فارس ردّاً على سؤال له يقول : «... لا يحلّ مال إلاّ من وجه احلّه الله، ان الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا، وما نبذله ونشتري من اعراضنا ممّن نخاف سطوته، فلا تزووه عنّا ... فإنّ اخراجه مفتاح رزقكم، وتمحيص ذنوبكم ...». ( خاص بمواقع الميزان)
وكان يدعو الى التكافل الاقتصادي ويحثّ عليه قال () : «السخي يأكل من طعام الناس ليأكلوا من طعامه».
وقال لعلي بن يقطين : «اضمن لي الكاهلي وعياله واضمن لك الجنّة».
وكان يحارب الاسراف والتبذير، فعن ياسر الخادم قال : أكل الغلمان يوماً فاكهة، فلم يستقصوا أكلها ورموا بها فقال لهم ابو الحسن () : «سبحان الله ان كنتم استغنيتم فإنّ اناساً لم يستغنوا، اطعموه من يحتاج اليه.
وكان ينفق ما يصل اليه من أموال على الفقراء والمعوزين حتى انه وزع جميع ما يملك في يوم عرفة.
وكان قدوة في الصدقة والعطاء لتقتدي به الاُمّة، ويكون عمله ميزاناً تزن به الاُمة ممارسات الحكّام المالية، لتميز بين منهجين اقتصاديين، منهج أهل البيت () ومنهج الحكّام المتلاعبين بأموال المسلمين .
وكان يحارب التصوّف ومفاهيم الزهد الخاطئ، الذي شجّع عليه الحكّام لابعاد الاُمة عن المطالبة بحقوقها، أو الدعوة الى التوازن الاقتصادي، فكان () يجلس في الصيف على حصير وفي الشتاء على بساط من شعر، ويلبس الغليظ من الثياب حتى اذا برز للناس تزيّن لهم.
ودخل عليه قوم من الصوفية فقالوا له : ... والائمة تحتاج الى من يأكل الجشب ويلبس الخشن ويركب الحمار ويعود المريض ؟ فأجابهم بالقول : «كان يوسف نبياً يلبس أقبية الديباج المزردة بالذهب ويجلس على متكئات آل فرعون، ويحكم، انما يراد من الإمام قسطه وعدله، إذا قال صدق واذا حكم عدل، واذا وعد أنجز، انّ الله لم يحرم لبوساً ولا مطعماً ...».
والدعوة الى رفض المفاهيم الخاطئة للزهد هي معارضة صامتة للحكّام الذين سمحوا بانتشار هذه المفاهيم .
الاصلاح الاخلاقي
كان الإمام () يستثمر جميع الفرص المتاحة للاصلاح والتغيير الاخلاقي والاجتماعي وبناء واقع جديد مغاير لما عليه عامة الناس، ولهذا تعددت اساليبه التربوية الاصلاحية فكانت كما يلي :
أولاً : احياء روح الاقتداء برسول الله ()
قام الإمام () بتوجيه الانظار والقلوب للاقتداء بارقى النماذج البشرية وهو رسول الله ()، فهو قدوة للحكّام باعتباره حاكماً ورئيس دولة، وقدوة للفقهاء، وقدوة لسائر المسلمين من افراد وجماعات .
واذا كانت الحكومات المعاصرة للامام () تضيّق الخناق على الإمام () في حالة التدخل في السياسة فانها لا تستطيع أن تمنعه من الحديث المتعلق باخلاق رسول الله () وخصوصاً اخلاقه كحاكم، ولذا وجد () الظروف مناسبة للدعوة الى الاقتداء به ()، فقد كان يذكر الاحاديث عن أجداده حول أخلاق رسول الله ()، ومنها الحديث المروي عن الإمام الحسن () عن ابيه () في صفات رسول الله () الاخلاقية : ( خاص بمواقع الميزان)
«... وكان من سيرته في جزء الاُمة ايثار أهل الفضل بإذنه، وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيشاغل ويشغلهم فيما أصلحهم وأصلح الاُمة من مسألته عنهم واخبارهم بالذي ينبغي، ويقول : ليبلّغ الشاهد منكم الغائب، وابلغوني حاجة من لا يقدر على ابلاغ حاجته ... كان رسول الله () يخزن لسانه الاّ عما يعنيه ... ويكرم كريم قوم ويولّيه عليهم ... ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس ... خيارهم عنده وأعمهم نصيحة للمسلمين، واعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة وموازرة ... وقد وسع الناس منه خلقه وصار لهم أباً رحيماً، وصاروا عنده في الحق سواء ... كان دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب ... وترك من الناس من ثلاث كان لايذم أحداً ولا يعيّره ولا يطلب عثراته ولا عورته ... وجمع له الحلم مع الصبر، فكان لايغضبه شيء ولا يستفزه، وجمع له الحذر مع أربع: اخذه الحسن ليقتدى به، وتركه الباطل لينتهى عنه، واجتهاده الرأي في اصلاح امته والقيام فيما جمع لهم من خير الدنيا والآخرة».
وهذه الدعوة دعوة صامتة لتقوم الاُمة بتشخيص منهجين في الاخلاق: منهج الحكّام ومنهج رسول الله () الذي هو منهج أهل البيت() . وقد فوّت الإمام() على الحكّام فرصة منعه من التحدث عن رسول الله() في الجانب الخلقي. وهكذا كانت الدعوة الى الاقتداء برسول الله () دعوة صامتة وسلميّة لكشف حقيقة أخلاق الحكّام .
ثانياً : القيام بدور القدوة
انّ دور الإمام () هو دور القدوة، وقد ادّى الإمام () هذا الدور اداءاً مطابقاً لقيم الاسلام الثابتة، وأبرز للمسلمين نموذجاً من ارقى نماذج الخلق الاسلامي الرفيع، وكان قمة في الصدق واداء الامانة والوفاء بالعهد، والتواضع، واحترام الآخرين، والاهتمام بالمسلمين، وقضاء حوائجهم .
وكان يعالج الواقع الفاسد في العلاقات معالجة عملية، ومن مواقفه العملية انه دعا يوماً بمائدة، فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم، فقيل له : لو عزلت لهؤلاء مائدة، فقال : «ان الربّ تبارك وتعالى واحد والاُم واحدة والأب واحد والجزاء بالأعمال».
وقال لخدّامه : «ان قمت على رؤوسكم وأنتم تأكلون، فلا تقوموا حتى تفرغوا» .
وكان لا يستخدم أحداً من خدّامه حتى يفرغ من طعامه.
ووصفه ابراهيم بن العباس : ما رأيت ولا سمعت بأحد افضل من أبي الحسن الرضا() ، ما جفا أحداً ولا قطع على أحد كلامه، ولا ردّ أحداً عن حاجة، وما مدّ رجليه بين يدي جليس، ولا اتكى قبله، ولا شتم مواليه ومماليكه، ولا قهقه في ضحكة، وكان يجلس على مائدة مماليكه ... كثير المعروف والصدقة في السر ....
وكان متواضعاً للناس، دخل الحمام فقال له بعض الناس : دلّكني يا رجل . فجعل يدلّكه فعرّفوه، فجعل الرجل يعتذر منه، وهو يطيب قلبه ويدلّكه.
وكان () كثير العفو والصفح لا يقابل الاساءة بالاساءة، رحيماً لا يحمل حقداً ولا عداءاً لمن يؤذيه من عامة الناس أو من خواصهم، فقد عفى عن الجلودي الذي سلب حلي نساء أهل البيت () عندما هجم على دار الإمام الرضا () في عهد هارون، وطلب من المأمون أن لا يمسّه بسوء.
وقال شعراً يصف به اخلاقه الكريمة لتقتدي به الاُمة :
إذا كان من دوني بليت بجهله *** أبيت لنفسي أن اقابل بالجهل
وان كان مثلي في محلّي من النهى*** أخذت بحلمي كي أجلّ عن المثل
وان كنت أدنى منه في الفضلوالحجى***عرفت له حق التقدّم والفضل
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السلام على شمس الشموس
ثالثاً : الدعوة الى مكارم الاخلاق
كان () يدعو الى التمسك بمكارم الاخلاق ومحاسنها، ويعمق هذه الدعوة من خلال نشر أحاديث رسول الله () التي ترسم للمسلمين المنهج السلوكي السليم، ومن تلك الاحاديث التي رواها :
قال رسول الله () : «المستتر بالحسنة يعدل سبعين حسنة، والمذيع بالسيئة مخذول، والمستتر بها مغفور له».
وقال () : «ان الله بعثني بالرحمة لا بالعقوق».
وقال () : «عدة المؤمن نذر لا كفارة لها».
وكان () يدعو للاندكاك بقيم الاسلام والسنن الصادرة من الله تعالى ومن رسوله () ومن اولياء الله فيقول : «لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون فيه ثلاث خصال : سنة من ربّه، وسنة من نبيّه، وسنة من وليّه، فأمّا سنة من ربّه فكتمان أمره ... وأما السنة من نبيّه فمداراة الناس ... واما السنة من وليّه فالصبر في البأساء والضرّاء».
وحدّد () المفهوم الحقيقي للتواضع والذي هو حركة سلوكية شاملة، تبتدأ بالنفس وتنتهي بالمجتمع، فقال : «التواضع درجات، منها: ان يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم، ولا يحبّ أن يأتي الى أحد الاّ مثل ما يؤتى اليه، ان رأى سيئة درأها بالحسنة، كاظم الغيظ، عاف عن الناس، والله يحب المحسنين».
وكان يضرب الامثال في خطوات الاصلاح ويقصّ قصص الصالحين لتبقى شاخصة في العقول والنفوس، ومما جاء في ذلك قوله () : «إنّ رجلاً كان في بني اسرائيل عَبَدَ الله تبارك وتعالى أربعين سنة، فلم يقبل الله منه، فقال لنفسه : ما اُتيت الاّ منك، ولا الذنب الاّ لك، فأوحى الله تبارك وتعالى اليه : ذمك نفسك أفضل من عبادة اربعين سنة».
وكان ينشد الشعر لتأثيره السريع على الاسماع والممارسات، ويستخدمه كوسيلة لاصلاح الاخلاق، ومما انشده () في العلاقات الاجتماعية :
اعذر أخاك على ذنوبه *** واستر وغطّ على عيوبه
واصبر على بهت السفيه *** وللزمان على خطوبه
ودع الجواب تفضلاً ***وكِلِ الظلوم الى حسيبه
وانشد شعراً لربط المسلمين باليوم الآخر وعدم الانخداع بالاماني، ولاستحضار اليوم الآخر في الاذهان باعتبار تأثيره الكبير في اصلاح الاخلاق قال () :
كلنا يأمل مداً في الأجل*** والمنايا هنّ آفات الأمل
لا تغرنّك أباطيل المنى *** والزم القصد ودع عنك العلل
إنّما الدنيا كظل زائل *** حل فيه راكب ثم ارتحل
وكان () يدعو المسلمين الى اقامة العلاقات الاجتماعية الصالحة ويدعو الى الإخاء والتآلف والتآزر، ويدعو الى نبذ الاخلاق الطالحة التي تؤدّي الى التقاطع والتدابر، أو تؤدّي الى ارباك العلاقات، كالكذب والغيبة والنميمة والبهتان، والاعتداء على أموال الناس وارواحهم وأعراضهم، وينهى عن جميع الانحرافات الاخلاقية، لكي تكون الاخلاق مطابقة للمنهج الاسلامي السليم، الذي ارسى دعائمه رسول الله () وأهل بيته ().
رابعاً : بناء الجماعة الصالحة
كان الإمام () يقوم بأداء دوره التربوي على مستويين :
الأوّل : مجموع الاُمة الاسلامية .
الثاني: الجماعة الصالحة .
فعلى المستوى الأول كان الإمام () يوجه الاُمة للالتزام بالاخلاق الفاضلة والخصائص الحميدة، ويبعدها عن مزالق الانحراف والرذيلة، تنفيذاً لمسؤوليته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومجموع الاُمة يشمل الحكّام والمحكومين وهم جميع المسلمين بما فيهم اتباع أهل البيت(). وعلى المستوى الثاني فإنّ الإمام () مسؤول عن بناء الجماعة الصالحة التي تتبنى مذهب أهل البيت() منهاجاً في الحياة، لكي يربّي كوادر ونماذج رسالية تقوم بدورها في اصلاح الأخلاق وتغيير الانحراف السائد في المجتمع، وهو في هذا المستوى يقوم بأداء دوره بصورة اكثف، ويبدي عناية اضافية ووقتاً اضافياً ليربي عدداً اكبر من المصلحين القادرين على انجاح مهمات الاصلاح والتغيير، لذا نجده () يعمل ليل نهار، ويلتقي بالافراد فرداً فرداً أو جماعة جماعة من انصاره، ويراسل وكلاءه واتباعه في الأمصار ليقوّم سلوكهم ويهذّب أخلاقهم.
وكان يرسم لاتباعه المنهج السلوكي القويم، فعن الحسن بن الحسين انه قال : استحل أحمد بن حمّاد منّي مالاً له خطر، فكتبت رقعة الى أبي الحسن () وشكوت فيها أحمد بن حماد، فوقّع فيها : خوِّفه بالله !، ففعلت ولم ينفع، فعاودته برقعة أخرى أعلمته أنّي قد فعلت ما أمرتني به فلم انتفع، فوقع : اذا لم يحلّ فيه التخويف بالله، فيكف تخوفه بأنفسنا.
وكان () يشتري العبيد ثم يعتقهم بعد أن يعدّهم اعداداً تربوياً في داره فقد اعتق الف مملوكطول سني حياته، وهذا العدد الكبير له تأثير في سير الاخلاق، حيث يصبح هؤلاء بعد التربية والاعداد الخلقي تياراً من المخلصين الواعين يعمل في وسط الاُمة، ويقوم بأداء دور الاصلاح مبتدءاً بنفسه واُسرته ثم المجتمع الكبير .
وقد تخرج من هذا الإعداد مئات المربين والمصلحين، وازداد اتباع الإمام () في عصره وتوسعت قاعدته الشعبية في مساحة واسعة من الدولة الاسلامية .
الاصلاح السياسي
1 ـ الإمام الرضا () وقيادة الحركة الرسالية
للتعرف على اسلوب الإمام الرضا () في قيادة الحركة الرسالية ينبغي إلقاء صورة مختصرة واضحة عن أساليب الائمة () في قيادتهم للحركة الرسالية، لنتعرف من خلالها على أساليب قيادة الإمام () للحركة الرسالية في عصره .
انّ من مسؤولية الإمام القائد هي بناء الإنسان والمجتمع بناءاً عقائدياً، وخلقياً، واجتماعياً، وسياسياً، ويتم البناء عن طريق بناء قاعدة شعبية تقتدي بنهج أهل البيت () ونظرتهم الإسلامية الى الكون والحياة والمجتمع، ولذلك لم يقتصر العمل على التحرك السياسي أو الوصول الى قمة السلطة والحكومة، وانّما كان العمل السياسي جزءاً من كل، والسلطة وسيلة من وسائل تحقيق الأهداف وليست هدفاً بحد ذاتها. ومن هذا المنطلق كان عمل الائمة() .
واذا سمحت الظروف للائمة الثلاث الإمام علي والحسن والحسين() بقيادة الحركة الرسالية بجميع مجالاتها قيادة مباشرة، فإنها قد تغيّرت في عهد الإمام علي بن الحسين زين العابدين () وبقية الائمة ()، لذا نجدهم قد التجأوا الى الاشراف غير المباشر على سير الأحداث وخصوصاً الأوضاع السياسية والعسكرية منها، فكانوا يقودون جميع خطوط الحركة الرسالية في آن واحد، دون أن تصل الحكومة الى معرفة خطوط الحركة ونشاطاتها التنظيمية ومدى قربها وبعدها من الإمام() ومدى إشرافه عليها .
والعوامل التي كانت تحدد اسلوب التحرك لديهم تتمثل بما يلي :
أولاً: المصلحة الاسلامية العامة .
ثانياً: المصلحة الاسلامية الخاصة بحركة أهل البيت() باعتبارهم مسؤولين عن اصلاح الأوضاع .
ثالثاً: الظروف العامة والخاصة من حيث قوة الحركة وقوة القاعدة الشعبية .
وبذلك فإن الائمة () قد قادوا جميع النشاطات في آن واحد بما فيها الحركات المسلحة ولكن باسلوب غير مباشر تحيطه السرّية والكتمان، من أجل أن لا يتعرض الإمام () إلى القتل في بداية إمامته، لأنّ إصلاح الاُمة وتربيتها مقدّم على كل شيء، فلو قاد الإمام () حركة عسكرية أو ثورية فإنه سيقتل وتبقى الاُمة بحاجة إلى من يرفدها بالفكر السليم باعداد الفقهاء والعلماء، ومن يرفدها ببناء طليعة من العبّاد والزهاد والسياسيين وقادة الحركات الثورية .
وبتعبير آخر: إنّ الإمام () كان يقود خطين من خطوط العمل الرسالي:
الخط الفكري : ومهمّته طلب العلم ونشره، وأداء مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باُسلوب هادئ سلميّ .
خط المواجهة : ومهمّته إعلان التمرد على الحكومات الجائرة، واستخدام القوة لإيقاف انحرافها عن النهج الإسلامي الأصيل .
وهذا الاسلوب يتّضح من خلال سيرة الائمة ()، فالإمام زين العابدين () بعد استشهاد الإمام الحسين () وسبي نسائه اتّبع هذا الاسلوب، لأنّ الظروف السياسية قد تغيّرت، إضافة الى توسّع القاعدة الشعبية لأهل البيت () واختلاف أتباعه وانصاره في قدراتهم وطاقاتهم. فالتوّابون ثاروا في عهده، ولكن لم تحصل الحكومة الاُموية على دليل واحد تثبت فيه علاقة الإمام () بهم، وثار المختار في عهده، وفاتحه عمّه محمد بن الحنفية حول تأييده للثورة، فقال() :
«يا عم لو أنَّ عبداً زنجياً تعصّب لنا أهل البيت، لوجب على الناس مؤازرته، وقد ولّيتك هذا الأمر، فاصنع ما شئت».
وقد كان هذا التخطيط سرّياً للغاية ولم يتسرّب إلاّ الى بعض أتباع أهل البيت () .
وحينما جاء البعض الى محمد بن الحنفية حثّهم على الاشتراك مع المختار، وارسل كتاباً إلى ابراهيم الاشتر يحثّه على ذلك.
وحينما حاصر عبدالله بن الزبير محمد بن الحنفية وتوعّده بالقتل والإحراق كتب إلى المختار طالباً نجدته فأرسل له المختار جيشاً فانقذه ممّا هو فيه.
وتدلّنا هذه الوقائع على أن الإمام زين العابدين () قد عيّن ابن الحنفية قائداً للخط والجناح العسكري، وكانت الأوامر تصدر منه مباشرة وليست من الإمام ().
وحينما سيطر المختار على الكوفة وانتهت سيطرة الامويين على العراق والحجاز وبعض الامصار أعلن الإمام () عن ثنائه على المختار لبعض المقرّبين اليه فقال : «الحمد لله الذي ادرك لي ثأري من أعدائي وجزى المختار خيراً».
وفي الوقت نفسه كان الإمام () قد أرفد الاُمة بعدد من العلماء والفقهاء والرواة، كعبدالله بن الحسن، والزهري، وعمرو بن دينار، وعلي بن زيد بن جدعان، ويحيى بن أم الطويل.
واستمر الإمام باعداد القادة للمرحلة القادمة، فقد أعدّ ابنه محمداً الباقر () للإمامة والقيادة العامة، وأعدّ ابنه زيداً لقيادة الثورة والحركة المسلحة .
وحينما أراد زيد الخروج أتى إلى الإمام محمد الباقر () للقيام بالثورة أجابه () : «لا تفعل يا زيد فإني اخاف ان تكون المقتول المصلوب بظهر الكوفة»، ولم يخرج زيد في عهده .
وزيد معترف بإمامة الباقر () ومن بعده الإمام جعفر الصادق () كما يظهر ذلك في شعره التالي:
ثوى باقر العلم في ملحد***إمام الورى طيّب المولد
فمن لي سوى جعفر بعده *** إمام الورى الأوحد الأمجد
وتصريح الإمام الباقر () حول نصرة زيد شاهد على انّ الائمة () كانوا يقودون الخط العسكري بصورة غير مباشرة .
قال () : «انّ اخي زيد بن علي خارج فمقتول على الحق، فالويل لمن خذله، والويل لمن حاربه، والويل لمن يقتله».
وفي عهد الإمام الصادق () جاءته جماعة قبل خروج زيد فأخبرته ببيعة زيد، فقال (): «بايعوه».
وكان () يقول : «اشركني الله في تلك الدماء مضى والله عمّي زيد واصحابه شهداء مثل ما مضى عليه علي بن أبي طالب وأصحابه».
وكان الثوّار لا يحدّدون اسم الإمام القائد وإنّما يكتفون بالدعوة الى الرضى من آل محمد () ; لأن الظروف كانت تستوجب عدم التصريح، وكان الإمام () يحذّر اصحابه من الخروج مع غير المرتبطين به وكان يقول: «اذا اتاكم آت منّا فانظروا على أيّ شيء تخرجون؟ ولا تقولوا : خرج زيد، فإنّ زيداً كان عالماً وكان صدوقاً، ولم يدعكم الى نفسه، وانما دعاكم الى الرّضى من آل محمد ()ولو ظهر لوفى بما دعاكم اليه ...».
والخط العسكري هو درع الأئمة من جهتين :
الاولى : الاحتفاظ بالحالة الثورية للمجتمع كي تبقى مستعدة للقيام والتضحية .
الثانية : انه من خلاله يمكن الاستمرار في العمل الاصلاحي.
وبانشغال الحاكم بمطاردة اتباع هذا الخط يكون المجال مفتوحاً لجميع الاعمال غير العسكرية، ويضمن وجوده سلامة أهل البيت () واتباعهم، لأن الحاكم يخشى من تشديد الملاحقة والارهاب الذي قد يؤدي الى انخراط الجميع في الخط العسكري، فكان يعطي قدراً من الحرية لمن لا يحمل السلاح ويتظاهر بطلب العلم أو التجارة أو غير ذلك .
وقد عبّر الإمام الصادق () عن هذه الظاهرة بقوله : «كفّوا السنتكم والزموا بيوتكم، فإنّه لا يصيبكم أمر تخصّون به أبداً، ولا تزال الزيدية لكم وقاءً أبداً».
ويبقى الاشراف على الخط العسكري من قبل الإمام () في طي الكتمان، وفي اقصى غايات السرّية، ولا يطّلع عليه الاّ من له دور مؤثر في العمل الرسالي، ولم تستطع السلطة كشف العلاقة بين الثوار والإمام من حيث التخطيط والتنسيق والتنفيذ إلاّ انها كانت تتهم الإمام المعصوم () باسناد الثورات أو تحريكها ولكن لا دليل لها عليه، وكان ابو جعفر المنصور يقول : من يعذرني من جعفر هذا؟ قدّم رِجلاً وأخّر اخرى، ويقول : اتنحّى عن محمد ابن عبدالله بن الحسن فإن ظفر فإنّما الأمر لي، وان تكن الاخرى فكنت قد احرزت نفسي.
وكان قادة الخط العسكري لا يصرّحون بذكر اسم الإمام () وانّما يلمّحون بذلك أمام أتباعهم، فعن الحسين بن علي صاحب فخّ ويحيى بن عبدالله بن الحسن قالا : ما خرجنا حتى شاورنا أهل بيتنا، وشاورنا موسى بن جعفر فأمرنا بالخروج.
وكان الإمام الكاظم () يقول للحسين بن علي : «انّك مقتول فأحدّ الضراب ... فانّا لله وانا اليه راجعون، وعند الله عزّوجل احتسبكم من عصبة».
وكان الحاكم العباسي موسى الهادي يهدّد بقتل الإمام الكاظم () ويقول: والله ما خرج حسين الاّ عن أمره، ولا اتّبع إلاّ محبته ; لأنّه صاحب الوصية في أهل هذا البيت، فقتلني الله ان ابقيت عليه، فاقنعه ابو يوسف القاضي بعدم صحة ذلك، فسكن غضبه.
واتّبع الإمام الرضا () نفس الاسلوب في التحرك الرسالي فكان يقود جميع الخطوط في آن واحد دون ان تعلم السلطة بخفايا التحرك العسكري حيث كان محاطاً بسريّة تامة يصعب التعرف على خصوصياته .
إنّ تأكيد المأمون فيما بعد على أن ينزل الإمام الرضا() عند رغبة المأمون في قضية ولاية العهد تعتبر شاهداً على مخاوف المأمون من تحرّكات العلويين ويكون قبول الإمام لولاية العهد خطوة لاستيعاب هذه الحركات التي ترى في الإمام قدوة لها وبذلك سوف يفقد العلويون مبرّرات المعارضة للحكم الذي يكون الإمام فيه وليّاً للعهد.