أسئلة في بريد الميزان لسماحة آية الله السيد جعفر مرتضى العاملي
بسم الله الرحمـــن الرحيم اللهم صل على محمد وآل المحمد
سماحة السيد اطال الله بقاءه أفتوني في الجان كونهم من النار من أبوهم ، وهل سبق آدم خلقا ، وكيف كان إنتشار الجن على الأرض، وهل كان كل رسول مرسل إلى الإنس والجن كنبينا محمد ص ؟
الجواب:
بسمه تعالى، وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
1ـ بالنسبة للسؤال عن أبي الجن، من هو، نقول:
قد ورد في رواية ضعيفة مروية عن الإمام الرضا «
» مشتملة على عدة أسئلة وجهها رجل شامي إلى أمير المؤمنين «
» في مسجد الكوفة «وسأله عن اسم أبي الجن، فقال: شومان، وهو الذي خلق من مارج من نار»( [1]).
وقال الحسن: إبليس أبو الجن، خلق من لهب النار( [2]).
ولا مجال لتأييد عدد من الأجوبة في تلك الرواية، لمخالفتها للواقع.. إلا إذا أريد تأويلها ببعض الاحتمالات والأوجه البعيدة، وإن كنا لا نمنع من أن تكون بعض فقراتها دون بعضها الآخر، لكن ذلك يحتاج إلى شاهد. وهو مفقود الآن..
2ـ وعن سؤال سبق خلق الجن لخلق آدم «
» نقول:
نعم.. الجن مخلوق قبل آدم «
»، بدليل: أن إبليس كان من الجن، وحين خلق الله آدم «
» أمر الملائكة بالسجود له، وأمر إبليس بذلك أيضاً، فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه..
3ـ بالنسبة للأنبياء الذين أرسلهم الله تعالى إلى الجن نقول:
قال تعالى: ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ﴾( [3]).
وقال عز وجل: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾( [4]).
﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا﴾ إلى آخر السورة( [5]).
وقد يقال: ليس في آيات سورة الأنعام أن الله تعالى أرسل إلى الجن رسلاً منهم.. إذ يكفي في صحة الخطاب بهذا النحو: أن يكون الرسل من بني آدم.
ويجاب: بأن الآية وإن لم تكن صريحة في إرسال رسل من الجن إليهم, ولكنها لا تخلو من إشعار قوي بذلك..
ويمكن أن نذكر شاهداً لذلك ما روي بسند ضعيف عن الإمام الرضا «
»: أن شامياً سأل علياً «
» في مسجد الكوفة, فقال: هل بعث الله نبياً من الجن؟!
فقال: نعم، بعث إليهم نبياً يقال له: يوسف, فدعاهم إلى الله فقتلوه( [6]).
وقد يناقش في دلالة هذه الرواية أيضاً, لجواز أن يكون يوسف آدمياً مرسلاً إلى الجن. ولكنه احتمال ساقط لقوله: ﴿مِنَ الْجِنِّ﴾.
وهذا الاحتمال مبني على قاعدة معقولة، ومقبولة، وهي أنه يصح أن يقال: أكلت الخبز واللبن. وإنما يأكل الخبز ويشرب اللبن. فيصح القول هنا: أرسلنا إلى الجن والأنس رسولاً منهم، وإن كان الرسول لهما معاً من الإنس فقط، فإن المقصود بكلمة «منهم» هو بعض المجموع.
هذا.. ولا شك في أن نبينا «
» مرسل إلى الإنس والجن على حد سواء. بل بالإضافة لإلى أن الآية المتقدمة من سورة الإنعام.. لا تخلو من دلالة على أن الأنبياء السابقين على نبينا أيضاً كانوا مرسلين إلى الإنس والجن أيضاً..
4 ـ بالنسبة لتكثر الجن، فالظاهر: أنه يتم بالتزاوج والنكاح، والوطء بين رجالهم ونسائهم.
ويدل على حصول الوطء من قبل الجن: قوله تعالى عن الحور العين: ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ﴾( [7]). فقد دلت هذه الآية على أن الجني يغشى كما يغشى الإنسي. وفي الروايات العديد من النصوص الدالة على أن للجن أزواجاً وذرية وأحفاداً.
والكلام في موضوع الجن واسع ومتشعب، يحتاج إلى تفرغ تام، وتأليف مستقل.
والحمد لله، وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى محمد وآله..
( [1]) بحار الأنوار ج10 ص76 وعيون أخبار الرضا ج ص
( [2]) بحار الأنوار ج60 ص59 ومجمع البيان ج9 ص204 و 205.
( [3]) الآية 130 من سورة الأنعام.
( [4]) الآيات 29 ـ 32 من سورة الأحقاف.
( [5]) الآية 56 من سورة الرحمن.
( [6]) بحار الأنوار ج10 ص76 وعيون أخبار الرضا ج ص وعلل الشرايع ج1 ص197و 198.
( [7]) الآية 56 من سورة الرحمن.
نسألكم الدعاء