اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن عدوهم .
اسلامه وصحبته
اسلامه : لم يحدد زمان اسلامه , وهناك كلام واحد يكرره اكثر المؤرخين الذين تحدثوا عن حجر,ربما دل عـلى اسلامه في حياة الرسول (
), (انه وفد على النبي (
) مع اخيه هانى بن عدي ) , وقـد تـقـدم فـي الحديث عن ولادته ووفاته , وسياتي حين الحديث عن صحبته ,ما يلقي الضوء على اسـلامـه , ولكن لم يعين زمان اسلامه , ولو اردنا ابداء الراي فيه , فلايكون الا تخمينا, وقد حاول الـسبيتي ذلك فقال : (وليس من السهل ان نحدد وقت اسلامه , ويلوح انه كان متاخرا, وربما كان بعد فـتـح مـكة , ومن هنا يتبين لنا ان صحبته لم تتجاوز السنتين ) , ولكن هذا لا يعدو ان يكون تخمينا.
ولـعل الحق انه اسلم في حياة الرسول (
). يدل على ذلك وفادته على الرسول (
)وملاقاته اياه فـي حـيـاتـه , ومـا ذكـره مـتـرجـمـوه انـه كان من الصحابة , وما ذكر له من احاديث رواها عن الرسول (
) بنفسه .
والـظـاهـر ان وفـادة حـجـر ـ بـملاحظة عمره ـ كانت على الرسول (
) في المدينة , ولعلها في اواخر حياته (
), وبعد قوة الاسلام وانتشاره , حيث وفد آنذاك الكثير من القبائل والافراد من اجل الاسلام على يدي الرسول (
), وهذا ما يؤيد ان مقصود حجر من الوفادة هو الاسلام .
والملاحظ ان اسلامه منذ البداية كان عن وعي وعمق , ولذلك اعتبر من فضلاء الصحابة بالرغم من صغر سنه , وتاخر اسلامه .
صحبته : تـحـدثـنا عن تعريف الصحابي , والتابعي والمخضرم , في دراستنا لابي الاسود الدؤلي , ويظهرمما ذكـرناه هناك ان حجرا صحابي وذلك لان الصحابي هو من لاقى النبي (
) وهو مسلم ,ومات على اسلامه ومثل هذا التعريف ينطبق على حجر. وهناك آراء اخرى في تعريف الصحابي .
وقد عرفنا, ان حجرا وفد على النبي (
) مع اخيه هانى بن عدي , وكان من الصحابة .وروى بعض احـاديـثـه , اضافة الى تصريح المترجمين والمؤرخين انه من الصحابة . قال في الاستيعاب : (وكان حجر من فضلاء الصحابة , وصغر سنه عن كبارهم ) , وقال في اسدالغابة : (وكان ـ حجر ـ مـن فـضـلاء الـصـحابة ) , ويقول ابن سعد: (قال : وذكر بعض رواة العلم انه وفد على الـنبي (
) مع اخيه هانى بن عدي , وكان حجر جاهليا اسلاميا) ,وقال عنه ابن عساكر: (حـجـر بـن عـدي الادبر بن معاوية بن عدي يتصل نسبه بكهلان بن سبا. وفد على النبي وكان مع الـجـيـش الـذي فتح الشام ) وفي الاصابة : (انه وفد على النبي (
) هو واخوه هانى بن عدي ) , ولعل وفادته هو واخيه على النبي (
) كانت من اجل الاسلام على يديه .
اضافة الى احاديث رويت عنه انه رواها عن الرسول (
) بنفسه .
ولـكـن هناك من القدماء والمعاصرين من اعتبر حجرا من التابعين , وانكر اعتباره من الصحابة . ففي الاصابة : (واما البخاري وابن ابي حاتم عن ابيه وخليفة بن الخياط وابن حبان فذكروه في التابعين , وكذا ذكره ابن سعد في الطبقة الاولى من اهل الكوفة , فاما ان يكون ظنه آخر, واما ان يكون ذهل , وروى ابـن قانع في ترجمته من طريق شعيب بن حرب عن شعبة عن ابي بكر بن حفص عن حجر بـن عـدي رجل من اصحاب النبي (
)عن النبي (
) قال : ان قوما يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها) . اذن فصاحب الاصابة نفسه يناقش من ذهب الى ان حجرا كان تابعيا.
وفي دائرة المعارف الاسلامية : ((حجر بن عدي الكندي اول شهداء الشيعة , وتميل هذه الطائفة الى تلقيبه (بصاحب النبي ) ولكن اقدم الثقات ينكرون ذلك )) . ولكن ما ذكرناه يرد هذا القول .
واعـترض السبيتي على هؤلاء المنكرين لكونه صحابيا: (واول ما نلاحظ ان هؤلاء لم يقدموا دليلا على انه لم يكن صحابيا وارسلوا القول ارسالا, والذي لا شك فيه انه صحابي , وعليه اجماع الشيعة وهو سلفهم ) .
ولـكـن الـمـلاحـظ ان علماء الشيعة , وكتب رجالهم لم تصرح بانه صحابي , بل جميعها ذكر انه من اصـحـاب امير المؤمنين (ع ), ولكن كلمات علمائنا لم تنكر كونه صحابيا. وانما ذكرت انه كان من اصـحـاب امير المؤمنين (ع ), وهذا لا ينفي كونه صحابيا. نعم ذكر في الدرجات الرفيعة نقلا عن غـيره (انه حامل راية النبي (
)) . ولكن لم اجده في غيره . والسيدالامين اثبت صحابته بمختلف الادلة . كما ان بعض كتب علمائنا قد نقلت اقوال اهل السنة التي تصرح بانه كان من الـصـحـابة دون ان تناقشه , ولعله يؤيد امضاء هذا الراي ,كما يلاحظ ذلك في تنقيح المقال , وبهجة الامال وغيرهما.
على كل حال . فلعل الراي الاصح ان حجرا لم يكن من التابعين , وانما كان من الصحابة , لماذكرناه من ادلة وشواهد على ذلك .
ولـعـل السبب في عده من التابعين ـ في راي البعض ـ انه عاصر الرسول (
) فترة قصيرة ,وكان صغير السن آنذاك , وكانت علاقته اكثر بالامام (ع ) وسائر الصحابة من انصاره , ولم يذكر التاريخ مـشـاركته في الغزوات والوقائع والحوادث في زمن الرسول (
) الا ماذكره الشهيد ولم يذكره غـيره . كما لم يذكر الشهيد اين حمل الراية , ولعل العلماء وسعوا مفهوم (التابعي ) تجوزا بما يشمل بـعـض الصحابة ايضا ممن كانوا صغار السن في حياة الرسول (
),او لم يلاقوا الرسول الا فترة قصيرة جدا.
ومما يثير التساؤل اكثر حول صحابيته , هو اختفاؤه في زمان ابي بكر, وحوادث السقيفة ,مع انه كان مـن الـمـوالـيـن لـلامام (ع ), ولم يذكر اي دور او موقف عنه في مثل هذه الحوادث ,ويدل كلامه واحاديثه ان ولاءه للامام (ع ) كان منذ بدايات اسلامه .
لـقـد كـان صـغـيـر الـسـن , ولـم يـسلم الا في اواخر حياة الرسول (
), ولم يبق في المدينة مـع الـرسـول (
) بـعـد اسـلامـه ولـقـائه به بل رجع الى بلده . ويمكن ان يدل على ذلك قولهم : (وفدعلى ..) مما يشعر بانه لم يستقر في اقامته كثيرا.
وذهـب قـامـوس الـرجـال الى كونه صحابيا, فناقش من لم يعده من الصحابة بقوله : ثم عدم عده من اصـحاب رسول اللّه (
) غفلة , وقد اتفقت العامة كابن قتيبة وابن عبد البر وابي موسى والجزري عـلـى كـونه منهم , واما عد الفضل بن شاذان له من التابعين فالظاهر انه اشترط في الصحابة الكبر والـروايـة , وهـو كان من صغارهم ولم ينقل عنه رواية , والشيخ لم يشترط ذلك , بدليل انه عد في اصحاب رسول اللّه (
) محمد بن ابي بكر الذي ولد في حجة الوداع .
ولكن ذكرنا بعض الاحاديث التي نقلها حجر عن الرسول (
).
ولـعـل الـخـلاف حـول صحابة حجر ناشى من الخلاف حول تعريف (الصحابي ). وقد ذكرت عدة تعريفات للصحابي , ذكرها الشيخ المامقاني في مقباس الهداية , وابي الصلاح في مقدمته , وغيرهما من كتب الدراية والحديث .
فـفـي الـدرجـات الـرفيعة ((في تعريف الصحابة وهو على اظهر القول من لقي النبي (
) مؤمنا بـه ومات على الاسلام ولو تخللت رده . والمراد من اللقاء ماهو اعم من المجالسة والمماشاة ووصول احدهما الى الاخر وان لم يكالمه ..)).
وقال ايضا: ((قيل : ان الصحابي هو من طالت مجالسته له (
) على طريق السمع والاخذعنه , فلا يـدخـل من وفد عليه وانصرف بدون مكث . وهو قول اصحاب الاصول .وحكي عن سعيد بن المسيب انه قال : لا يعد صحابيا الا من اقام معه (
) سنة او سنتين وغزا معه غزوة او غزوتين .
وذكرت تعريفات اخرى للصحابي , تلاحظ في الكتابين المذكورين .
ولعل من اعتبر حجرا تابعيا, نظر لتعريف الصحابي بانه من طالت مجالسته مع الرسول (
) وروى عـنـه كثيرا, ولا يكفي الوفود عليه (
), وقد كان حجر من صغارالصحابة , ومن اعتبره صحابيا نـظـر الى تعريفه بانه من لقي الرسول (
) وهو مسلم ومات على اسلامه , وبذلك نجمع بين اقوال العلماء حول صحابية حجر, ونرفع التعارض والتنافي بينها.
ولابد ان نشير الى ظاهرة اعترف بها المؤرخون , وهو تفوق حجر بالرغم من صغر سنه على بعض الصحابة الكبار, فكيف فضل عليهم , مع انه لا زال في دور التغيير والتحول من مرحلة الجاهلية الى مرحلة الاسلام , وكيف لم يتاثر برواسب الجاهلية ومخالفاتها, وكيف تحول الى ذلك المؤمن المفضل وهو في دور الانقلاب ؟ هذه اسئلة تجيب عنها المميزات التي كانت تتمتع بها شخصية حجر, التي انكشفت اكثرفي مستقبله , مـن الـوعي والثبات على العقيدة , وبفضل مؤهلاته الوراثية والتربوية , وهذه المؤهلات قد زودته بقوة في الايمان والعقيدة .
وامـا عدم تزعزع ايمانه الجديد بترسبات الجاهلية , فيعلله السبيتي : ((بان اسلامه كان متاخرا لان حـجـرا تـقـدم الـى الاسـلام ولم تكن قد اختمرت في نفسه المبادى الجاهلية .تقدم وهو فارغ من النوازع الوثنية الجاهلية وعوامل الوراثة )) .
اذن . فـانـما فضل على بعض الصحابة الكبار الذين عاشوا الجاهلية مدة اطول , لانه كان صغير السن حـيـنـمـا عـاصر الجاهلية ودخل الاسلام , لذلك لم تؤثر فيه ظروف الجاهلية ورواسبها كثيرا, بـالاضـافـة الـى مـا ذكـرناه من مؤهلاته الوراثية والتربوية وخصاله النفسية , من الفتوة , والثبات والـوعـي , ظـهرت آثارها في مستقبل ايامه , ونضيف لذلك انه اتجه في عقيدته منذ بدايات اسلامه لموالاة الامام علي واهل البيت :, حيث راى ان ولاءهم وخطهم يمثل طريق السعادة والفلاح في الدنيا والاخـرة , وآمن به عن عمق ووعي , متجردا عن كل المطامع الدنيوية , وقد اثبتت التجارب ان من آمن بالائمة وبخطهم عن عمق ووعي , لا لاغراض شخصية او اطماع دنيوية او عوامل تقليدية , لم يتزعزع ايمانه تجاه كل التحديات والعقبات .
ومـمـا يدل على هذه الخصال الحميدة فيه , تقواه والتزامه الشديد بالاحكام والتعاليم الشرعية , فانه كان مواضبا على ممارسة الواجبات والمستحبات والامر بالمعروف و النهي عن المنكر حتى في اشد الـظـروف , وهـذه الحالة الشرعية , اضافة لخصاله التي ذكرناها, قداوجدت فيه ملكة الزهد بهذه الـدنـيـا, والـشـجـاعة , وعدم التخوف من مخاطر الجهاد في سبيل عقيدته . فان هذا الالتزام وتلك المواظبة كما انهما ناشئان من ايمان الانسان وتقواه وارادته المؤمنة , فانهما بدورهما يزيدان من قوة تقواه وارادته المؤمنة , لما ذكره علماءالاخلاق من ان حقيقة الانسان تتمثل بروحه , وروحه تتمثل بـمـلـكاته النفسية , وملكاته يصنعها التعود على ممارسة الافعال الملائمة في طبيعتها لتلك الملكات .
وحجر كان قد تعودعلى الاخلاق الفاضلة , وممارسة الوظائف الشرعية , والامر بالمعروف والنهي عـن الـمـنـكـروالـجـهـر بـالحق بشجاعة مهما كانت الظروف . وبذلك تطبعت روحه بما يتلاءم وهـذه الـمـمـارسـات , وكـل ذلـك نـاتج من عمق معرفته وايمانه باللّه ورسوله (ص ) وشريعته , وولائه لاهل البيت :, وعدم انشداده لادران الدنيا واغلالها واهوائها المنحرفة , ولما بذله من مجاهدة فـي سـبيل هذا الالتزام والوصول لهذه الملكات (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا), فلم يصل لما وصل اليه بدون مجاهدة ومعاناة .
اذن فالمؤمن الملتزم في جميع لحظات حياته بتعاليم الشريعة الاسلامية , يزرع فيه هذاالالتزام قوة الارادة والـعـزيمة , فانه يشعر بانه قد انجز بحسب امكانه ما عليه من تكاليف ,وسيلاقي اللّه بنفس مطمئنة , وهو عنه راض , وانما يخاف لقاء اللّه اولئك الغارقون بالجرائم والذنوب , لذلك يواصل مثل هذا المؤمن جهاده بكل بسالة وشجاعة , بالرغم من كل وسائل الاغراء والترهيب , كما هو الملاحظ في حياة حجر.
ويـتـجـلـى التزام حجر في الكثير من الشواهد التي نقلها التاريخ . وسنذكرها خلال هذه الدراسة , اضافة الى ما ذكره المؤرخون عنه بانه ((راهب اصحاب محمد(ص ))) بكل ماتحمله كلمة الراهب مـن مـدالـيل , وانه ((كان من عباد اللّه وزهادهم , وكان بارا بامه , وكان كثيرالصلاة والصيام , وما احـدث الا تـوضـا ومـا تـوضـا الا صـلـى )), وانه ((من المخبتين )) اي الخاشعين كما عن الامام الحسين (ع ), ولم يفارقه هذا الالتزام حتى في حالة استشهاده .
ولاجـل الـتـزامـه هـذا افاض اللّه تعالى عليه مدده الغيبي , وارتقى الى درجة عالية , كما قال عنه المؤرخون : ((وكان صاحب كرامة واستجابة دعاء)). وينقل صاحب الاصابة شاهدالكراماته ((ان حـجرا اصابته جنابة ـ في مرج عذراء ـ فقال للموكل به : اعطني شرابي اتطهر به ولا تعطني غدا شيئا. فقال له : اخاف ان تموت عطشا فيقتلني معاوية , فدعا اللّه فانسكبت له سحابة ماء فاخذ منها الذي احتاج اليه , فقال له اصحابه : ادع اللّه يخلصنا,فقال : اللهم خرلنا, فقتل وطائفة منهم )).
اذن .. فـلـم يـفـكـر في نفسه , وانما كان يفكر في دينه وهو في اشد لحظات حياته , وبهذاالالتزام والـتـسليم للّه , بلغ هذه الدرجة العالية من الايمان , وتفوق على الكثير من الصحابة بالرغم من صغر سنه .
وثاقته رجاليا: لـم يـتـامـل احـد في مدح حجر واعتباره , وقد شهد بذلك الرسول (ص ) والامام علي والحسنان :, وسياتي نقل اقوالهم خلال هذه الرسالة , من خلال الانباء بقتله , اواستنكار قتله , حيث مدحوه بافضل المدح .
وكذلك مدحه واكد على ايمانه وفضله الكثير من الصحابة والتابعين والعلماء.
كـمـا ان سـيرة حياته وثباته على عقيدته حتى الاستشهاد, ومواقفه في هذا السبيل واسنادالائمة : المناصب والمهام اليه , وغيرها من الشواهد دالة على مدحه واعتباره .
ولم يختص مدحه بعلماء الشيعة وكتابهم , بل ان اهل السنة في كتبهم اتفقوا على مدحه واعتباره .
وقـد نـقلنا, وسننقل خلال هذه الدراسة , الكثير من هذه الشواهد والاقوال التي تدل على ذلك , ولا حـاجـة معها الى الاستدلال عليه , ولكن ننقل هنا بعض الاقوال في مدح حجرووثاقته , حتى نستدل بـذلك على بطلان وانحراف الذين شهدوا ضده , او الذين ارتكبواجريمة مطاردته وقتله , ولم يكن ذنـبه الا انه آمن باللّه العزيز الحميد, فكان هو وجماعته كاصحاب الاخدود, كما عبر عنهم بذلك الامام امير المؤمنين (ع ) وشبههم بهم .
وننقل هنا اقوال علماء الشيعة واهل السنة في حقه , وقد وصفه الامام الحسين (ع ) بانه من ((العابدين المخبتين )) اي الخاشعين .
قـال عـنـه الـشـيـخ الـطـوسـي فـي رجـالـه : ((مـن اصـحـاب عـلي (ع ) حجر بن عدي كان من الابدال )) .
وقال عنه ابن داود الحلي : ((حجر بن عدي من عظماء اصحابه ـاي الامام علي (ع )ـ)) .
وقـال عـنـه الـعـلامـة الـحـلـي فـي رجـالـه : ((انـه مـن اصـحـاب امير المؤمنين (ع ) وكان من الابدال )).
وفـي الدرجات الرفيعة : ((وهو يعد من الرؤساء والزهاد, ومحبته واخلاصه لاميرالمؤمنين (ع ) اشهر من ان يذكر)) .
وفي الوجيزة : ((وابن عدي الكندي من الشهداء السعداء)) .
وفـي اسـد الـغـابـة : ((وكـان مـن فـضـلاء الـصـحابة , وكان مجاب الدعوة , اخرجه ابو عمر وابوموسى )) , والمراد من مصطلح (الفاضل ) هو الخير والمتدين .
وفي طبقات ابن سعد: ((وكان ثقة معروفا, ولم يرو عن غير علي شيئا)) .
وقال عنه الحاكم في المستدرك : ((وهو راهب اصحاب محمد(ص
)) .
وغيرها من الاقوال من الشيعة واهل السنة في اعتباره ومدحه .
وقال الشيخ المامقاني بعد ان نقل اقوال العلماء: ((اقول : مقتضى ما سمعت كله ان الرجل فوق الوثاقة , وفي غاية الجلالة , ولذا عده العلا مة وابن داود في القسم الاول , وعدم تعرض النجاشي والشيخ في الـفهرست لحاله , انما هو لعدم بروز اصل او كتاب منه ,وقصرهما على ذكر المصنفين من اصحابنا فـلا وجه لما في الحاوي من عده من الحسان ,ولا لما في الوجيزة من الاقتصار على انه من الشهداء السعداء, ولا لما في البلغة من انه من الشهداء الابدال , بل كان من اللازم ان يقولوا: من اجلا ء العدول و الاخـيار المختوم امرهم بالشهادة على يد امير الاشرار, وكفاك في فضله ان العامة مع اعترافهم بكونه من اصحاب امير المؤمنين (ع ) اعترفوا بفضله )) ثم ينقل اقوال اهل السنة في حقه .
وقال عنه الشيخ الاميني في الغدير: ((حجر بن عدي من عدول الصحابة , او احد الصحابة العدول , راهـب اصحاب محمد(
) كما قاله الحاكم . من افاضل الصحابة وكبارهم مع صغرسنه , مستجاب الدعوة , كما في الاستيعاب . وكان ثقة معروفا كما قال ابن سعد. وقال المرزباني : انه وفد الى رسول اللّه (
) وكـان مـن عـبـاد اللّه وزهادهم , وكان بارا بامه , وكان كثير الصلاة والصيام . وقال ابو معشر: كان عابدا وما احدث الا توضا وماتوضا الا صلى .وكان له صحبة ووفادة وجهاد وعبادة كما في الشذرات , وكان صاحب كرامة واستجابة دعاء مع التسليم الى اللّه )) .
وقد لخص الشيخ الاميني اقوال العلماء ومترجميه في حقه .
وذكـره الـسـيد الامين في الاعيان , وذكر فضائله واحواله بما يدل على الوثاقة , او بما يزيدعلى الوثاقة .
وقال عنه الشيخ التستري في قاموس الرجال : ((وبالجملة جلاله لا يحتاج الى برهان )) .
وقـد ذهـب بـعض العلماء الى ان وثاقة الرجل لا تنحصر في ذكره بلفظ (ثقة ) او (عدل ) بل هناك الفاظ وقرائن اخرى تشير الى مدحه بافضل المدح والتقدير, تدل على هذاالمعنى . وربما فـاقـت الـوثاقة المصطلحة احيانا, وقد استفاد بعض العلماء هذا المعنى من هذه الاقوال والشواهد, كـالـسـيـد الامـين في اعيان الشيعة , والاميني في الغدير, وغيرهم ,كما يجدها القارى , ومن هذه الـقـرائن والامارات , تعيينه من قبل المعصوم (ع ) لاداءالشهادة او تحملها, لانه تشترط العدالة في الـشاهد, او محبة المعصوم له , وتعيينه واليا على بلدة او قيما على اموال الوقف والصغار او وكيلا مـن قبله في الامور الدينية وغيرها, من الامارات التي ذهب البعض الى دلالتها على وثاقة الشخص , سواء تقبلها العلماء اوناقشوا في مدى دلالتها على ذلك.
عـلـى كـل حـال فـان هـذه الاقوال والاخبار والسيرة وغيرها, شواهد وقرائن موجبة للقطع او الاطـمـئنـان بوثاقته اصطلاحا, فلا مجال للتامل في ذلك , بان يعتبر حديثه حسنا في اصطلاح علم الدراية .
وقد ذكرنا ان الشيخ الطوسي قال عن حجر: ((انه كان من الابدال )), وقد فسر السيدالامين واحد الابـدال , كما فسره غيره بقوله : (رجل بدل بالكسر ويحرك شريف كريم والجمع ابدال ). ويظهر منه موافقته لهذا التفسير, ولعل هذا المعنى يناسب ما ذكره البعض في تفسير الابدال (قال ابو الحسن الـخـوارزمي : انما سموا ابدالا لانهم ابدلوا من كل خلق دني بخلق سني ) , ولكني اظن ان هـذا هـو المعنى اللغوي , واما المعنى الاصطلاحي للفظة الابدال , فلعله اعمق من هذا المعنى , وهو مـاذكـره الـشيخ الطريحي في مجمع البحرين : (وفي الحديث : ((ان جامعت ليلة الجمعة بعد العشاء الاخـرة فانه يرجى ان يكون الولد من الابدال )), الابدال : قوم من الصالحين لا تخلوا الدنيا منهم اذا مات واحد ابدل اللّه مكانه آخر) .
وهذا المعنى اكثر ملاءمة لسيرة حجر وحياته واعماله ومواقفه , ولاقوال الرسول (
)والائمة :, والعلماء والمؤرخين في حقه .
وفـي الـنهاية لابن الاثير في مادة (بدل ): ((في حديث علي2 : (الابدال بالشام ) هم الاولياء والعباد, الـواحـد بـدل كـحـمـل واحـمـال , وبـدل كـجـمـل , سموا بذلك لانهم كلما مات واحد منهم ابدل باخر)) .
وفـي سفينة البحار في مادة (بدل ) ذكر عدة معاني للفظة الابدال , ومنها: (ويحتمل ان يكون المراد به خواص اصحاب الائمة
) .
وفـي لـسـان العرب : ((قال ابن السكيت : سمي المبرزون في الصلاح ابدالا لانهم ابدلوا من السلف الصالح , والابدال : الاولياء والعباد, سموا بذلك لانهم كلما مات منهم واحد ابدل آخر)) .
وهـذا الـمـعـنـى هـو الـمـناسب لحجر, ولما وصف به من اوصاف وفضائل من انه راهب اصحاب مـحـمـد(
), وانـه مـسـتجاب الدعوة وغيرها من الصفات , وكذلك هو المناسب لذكره في كتب الرجال .
احاديث و روايات من طريق حجر
لـم تـنـقـل عن طريق حجر احاديث وروايات كثيرة , واكثر ما رواه عن الامام اميرالمؤمنين (ع ) بـسـبـب عـلاقـته الشديدة به , وولائه له . وفي الطبقات : ((كان ثقة معروفا لم يروعن غير علي شـيـئا)) , كـمـا ذكـر لـه بعض الاحاديث عن الرسول (
). وننقل هنا بعض الاحاديث والروايات التي نقلت من طريقه عن الرسول (ص ) او الامام (ع ) او غيرهما: ذكر الحاكم في المستدرك : ((عن مخشي بن حجر بن عدي عن ابيه ان نبي اللّه (
) خطبهم فقال : اي يوم هذا؟ فقالوا: يوم حرام . قال : فاي بلد هذا؟ قالوا: بلد حرام , قال : فاي شهرهذا؟ قالوا: شهر حرام , قال : فان دماءكم واموالكم واعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا, كحرمة شهركم هذا, كـحـرمـة بـلـدكـم هـذا, لـيـبـلـغ الـشاهد الغائب , لاترجعوابعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض )) .
وذكر في الاصابة : ((روى ابن قانع في ترجمته , (اي ترجمة حجر بن عدي ) من طريق شعيب بن حـرب عـن شـعـبـة عـن ابـي بكر بن حفص عن حجر بن عدي رجل من اصحاب النبي (
) عن النبي (
) قال : ((ان قوما يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها)) .
وفـي الـطـبـقات بسنده عن غلام لحجر بن عدي الكندي قال : ((قلت لحجر: اني رايت ابنك دخل الـخـلاء ولم يتوضا, قال : ناولني الصحيفة من الكوة . فقرا: بسم اللّه الرحمن الرحيم ,هذا ما سمعت علي بن ابي طالب يذكر: ان الطهور نصف الايمان )) .
يـظـهـر مـنـه ان لـه صـحيفة او كتابا سجل فيها الاحاديث التي سمعها من الامام (ع ), فان مصطلح (الصحيفة ) يطلق على الكتاب الذي سجل فيه الاحاديث .
وروى ابـن عـساكر في تاريخه عن حجر انه قال : ((سمعت علي بن ابي طالب يقول : الوضوءنصف الايمان )) وروى ابن عساكر ايضا باسناده الى حجر بن عدي قال : ((سمعت شراحيل بن مرة يقول : سمعت النبي (
) يقول لعلي : ابشر يا علي , حياتك وموتك معي )) .
وفـي شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ((وروى شريك قال : اخبرنا عبداللّه بن سعد عن حجر بـن عـدي قال : قدمت المدينة فجلست الى ابي هريرة , فقال : ممن انت ؟ قلت : من اهل البصرة , قال : ما فـعـل سمرة بن جندب ؟, قلت : هو حي , قال : ما احد احب الي طول حياة منه , قلت : ولم ذاك ؟ قال : ان رسـول (
) قـال لـي وله ولحذيفة بن اليمان : ((آخركم موتافي النار), فسبقنا حذيفة , وانا الان اتمنى ان اسبقه , قال : فبقى سمرة بن جندب , حتى شهدمقتل الحسين )).
وامـا الاحـاديث والروايات التي وردت في حق حجر وقتله , فقد ذكرنا بعضها خلال هذه الرسالة , كما ان بعض هذه الروايات عن طريق حجر نفسه , كما سياتي .
حياته في ظل الاسلام
تـحـدثـنـا عن عمق ايمان حجر ووعيه , وقد دفعته هذه العقيدة الى التضحية بكل شي ء, فى سبيل الدفاع عن الاسلام ونشره وتحقيق اهدافه المنشودة , وبما ان المشركين والكفاروالطغاة راوا في الاسـلام عـقبة كاداء امام اطماعهم , وانه سيبدد تقاليدهم ومعتقداتهم وحياتهم الجاهلية , فقد وقفوا بـوجـهـه , وحـاربوه بمختلف الاساليب والممارسات العسكرية والاعلامية وغيرها, لذلك كان من الـضـروري للمسلمين الرساليين الدفاع عن هذا المولود الجديد, والحفاظ عليه من كل التحديات , بـالاضـافـة الى ان الاسلام شريعة عامة للبشر كلهم , ولا تقتصر على قريش او جزيرة العرب او الـعـرب وحـدهـم ,بـل لابـد من نشرها لشعوب العالم كافة . ولسنا في مجال الحديث عن مبررات ودوافـع الـجـهـاد بـقـسميه , الابتدائي والدفاعي في الاسلام , فله موضع آخر, ولكن نشير اليها بايجاز.ولعل اهم مبررات الجهاد الابتدائي , وقد تكون الحكمة في تشريعه , هي : 1 ـ ازالة العقبات عن طريق الرسالة الالهية , حيث هناك عقبات من افراد او معتقدات اوتقاليد ربما تـسـمى بعوامل الفتنة تمنع من وصول صوت الرسالة للشعوب , او تمنع من الالتزام والعمل بها, لذلك لـزم رفـع هـذه الـعـقـبات , ولعل الاية الشريفة تشير لهذا العامل (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ), وتوضيح الفتنة وهذا العامل اكثر في محله , وبعد ان تزول عوامل الفتنة , فان الفرد او المجتمع سوف يـتـعـرف عـلى مبدئه بكل حرية وموضوعية , ولا يكره الاسلام احدا على اعتناقه (لا اكراه في الـديـن ) والـتـاريـخ شاهدعلى ذلك وانه حين زالت عوامل الفتنة اندفع الناس للاسلام عن اختيار ووعي .
ـ الـدفـاع عـن القيم والحقوق الانسانية , فهناك بعض الحقوق والقيم تملك قيمة مطلقه لاتتحدد بـزمان ومكان , ولعل اهمها الايمان باللّه بمعناه الصحيح عقيدة ونظاما, بل انه الاساس المحكم لسائر الـقيم , ولولاه لفقدت سائر القيم والحقوق الدافع المتين للالتزام بهاوالثبات عليها, ولو تعرض هذا الـحق للاغتصاب , لزم على من تعرض لذلك الدفاع عن حقه , بل ربما وجب على غيره لو تمكن ولو لم يتعرض لذلك , كما لو تعرض انسان للغرق وجب على الاخرين انقاذه , ولو لم يتعرض هو للغرق , او لـم يـسـتـنجد الغريق به , فان لسان حاله طلب النجدة , وهكذا من يعيش واقعا منحرفا بعيدا عن الايمان , فانه يستنجـدبالاخـرين للـدفاع عـن حقـه , ولعلـه لـذلك تشير الاية الشريفة (وما لكم لاتقاتلون في سبيل اللّه والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنااخرجنا من هذه القرية الظالم اهلها), ولا تعني الاية الشريفة انهم يقولون ذلك , بل ان واقعهم والحالة التي يعيشونها تستنجد وتقول .