اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن عدوهم .
[ حديث الظباء بأرض نينوى ]
حدثنا أحمد بن الحسن بن القطان وكان شيخا لاصحاب الحديث ببلد الري يعرف بأبي علي بن عبد ربه قال : حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال : حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال : حدثنا تميم بن بهلول قال : حدثنا علي ابن عاصم ، عن الحصين بن عبد الرحمن ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : كنت مع أمير المؤمنين في خرجته إلى صفين ، فلما نزل بنينوى وهو شط الفرات قال : بأعلى صوته : يا ابن عباس أتعرف هذا الموضع ؟ قال : قلت : ما أعرفه يا أمير المؤمنين ، فقال : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي ، قال : فبكى طويلا حتى اخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره وبكينا معه وهو يقول : أوه أوه مالي و لال أبي سفيان مالي ولال حرب : حزب الشيطان وأولياء الكفر ؟ ! صبرا يا أبا عبد الله فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم ، ثم دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة فصلى ما شاء الله أن يصلي .
ثم ذكر نحو كلامه الاول إلا أنه نعس عند انقضاء صلاته ساعة ، ثم انتبه فقال : يا ابن عباس ، فقلت : ها أناذا ، فقال : ألا اخبرك بما رأيت في منامي آنفا عند رقدتي ؟ فقلت : نامت عيناك ورأيت خيرا يا أمير المؤمنين ، قال : رأيت كأني برجال بيض قد نزلوا من السماء معهم أعلام بيض ، قد تقلدوا سيوفهم وهي بيض تلمع ، وقد خطوا حول هذه الارض خطة ، ثم رأيت هذه النخيل قد ضربت بأغصانها إلى الارض ، فرأيتها تضطرب بدم عبيط ، وكأني بالحسين نجلي وفرخي ومضغتي ومخي قد غرق فيه ، يستغيث فلا يغاث ، وكأن الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه و يقولون : صبرأ آل الرسول فإنكم تقتلون على أيدي شرار الناس ، وهذه الجنة يا أبا عبد الله إليك مشتاقة ، ثم يعزونني ويقولون : يا أبا الحسن أبشر فقد أقر الله عينك به يوم القيامة ، يوم يقوم الناس لرب العالمين ، ثم انتبهت .
هكذا والذي نفس علي بيده لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسم ، أني سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا وهذه أرض كرب وبلاء ، يدفن فيها الحسين وسبعة عشر رجلا كلهم من ولدي وولد فاطمة ، وأنها لفي السماوات معروفة ، تذكر أرض كرب وبلاء كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس ، ثم قال لي : يا ابن عباس اطلب لي حولها بعر الظباء ، فو الله ما كذبت ولا كذبت قط وهي مصفرة ، لونها لون الزعفران .
قال ابن عباس : فطلبتها فوجدتها مجتمعة فناديته يا أمير المؤمنين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي ، فقال علي : صدق الله ورسوله ثم قام يهرول إليها فحملها وشمها وقال : هي هي بعينها ، تعلم يا ابن عباس ما هذه الابعار ؟ هذه قد شمها عيسى ابن مريم وذلك أنه مر بها ومعه الحواريون فرأى هذه الظباء مجتمعة فأقبلت إليه الظباء وهي تبكي فجلس عيسى وجلس الحواريون ، فبكى وبكى الحواريون وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى ، فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك ؟ قال : أتعلمون أي أرض هذه ؟ قالوا : لا ، قال : هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد وفرخ الحرة الطاهرة البتول شبيهة امي ويلحد فيها وهي أطيب من المسك وهي طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا تكون طينة الانبياء وأولاد الانبياء ، فهذه الظباء تكلمني وتقول : إنها ترعى في هذه الارض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك ، وزعمت أنها آمنة في هذه الارض ، ثم ضرب بيده إلى هذه الصيران فشمها فقال : هذه بعر الظباء على هذه الطيب لمكان حشيشها ، اللهم أبقها أبدا حتى يشمها أبوه فتكون له عزاه وسلوة . قال : فبقيت إلى يوم الناس هذا وقد اصفرت لطول زمنها هذه أرض كرب وبلاء .
وقال بأعلى صوته : يا رب عيسى بن مريم لا تبارك في قتلته والحامل عليه والمعين عليه والخاذل له .
ثم بكى بكاء طويلا وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغشي عليه طويلا ، ثم أفاق فأخذ البعر فصرها في ردائه وأمرني أن أصرها كذلك ، ثم قال : يا ابن عباس إذا رأيتها تنفجر دما عبيطا فاعلم أن أبا عبد الله قد قتل ودفن بها .
قال ابن عباس : فوالله لقد كنت أحفظها أكثر من حفظي لبعض ما افترض الله علي
وأنا لا أحلها من طرف كمي ، فبينا أنا في البيت نائم إذ انتبهت فإذا هي تسيل دما عبيطا وكان كمي قد امتلأت دما عبيطا ، فجلست وأنا أبكي وقلت : قتل والله الحسين والله ما كذبني علي قط في حديث حدثني ولا أخبرني بشيء قط أنه يكون إلا كان كذلك لان رسول الله كان يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره ، ففزعت وخرجت و ذلك ( كان ) عند الفجر فرأيت والله المدينة كأنها ضباب لا يستبين فيها أثر عين ، ثم طلعت الشمس فرأيت كأنها كاسفة ، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط ، فجلست وأنا باك وقلت ، قتل والله الحسين ، فسمعت صوتا من ناحية البيت وهو يقول :
اصبـروا آل الــرسول * قتل الفرخ النحول
نــزل الـروح الاميـن * ببـكــاء وعــويـل
ثم بكى بأعلى صوته وبكيت وأثبت عندي تلك الساعة وكان شهر المحرم ويوم عاشوراء لعشر مضين منه فوجدته يوم ورد علينا خبره وتاريخه كذلك ، فحدثت بهذا . الحديث اولئك الذين كانوا معه فقالوا : والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة لا ندري ما هو ، فكنا نرى أنه الخضر صلوات الله عليه وعلى الحسين ، ولعن الله قاتله والمشيع عليه .
وقد روى أن حبابة الوالبية لقيت أمير المؤمنين ومن بعده من الائمة وأنها بقيت إلى أيام الرضا فلم ينكر من أمرها طول العمر فكيف ينكر القائم .