بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدالله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين .
نتابع أحبتنا ...
خصائص كتاب الغدير
1 - العمل الموسوعي
فهو يحتوي على مطالب كثيرة في العقيدة والأدب والأخلاق والتاريخ وغير ذلك بما يصلح معه أن يكون دائرة معارف كبرى، ولعل من يطلع على كتاب "على ضفاف الغدير" (وهو فهرس موضوعي للغدير) يكتشف شيئا مما يحتويه الغدير من مطالب وموضوعات متنوعة.
والعمل الموسوعي يتطلب جهودا جبارة لا تقوى أحيانا بعض المؤسسات على إقامته، وكتاب الغدير أشبه بكتاب "الذريعة" للآغا بزرك الطهراني من حيث احتياجه لقيام بعض المؤسسات المتخصصة لتأليفه نظرا لمقدار التتبع والجهد والدقة المطلوبة فيه.
وقد يعرف المرء حجم هذا الجهد حينما يعرف مستوى مدح مثل الآغا بزرك الطهراني لكتاب الغدير وهو الرجل الموسوعي، فقد قال:
"عندما اطلعت على عظمة كتاب الغدير للعلامة الأميني، طلبت من الله سبحانه وتعالى أن يهب بقية عمري لصاحب الغدير، " لينجز الغدير " وقد كتبت للعلامة الاميني هذا التقريظ الذي حررته في الثاني من شهر رمضان المبارك سنة 1371 ه ق:
إني قاصر عن وصف هذا الكتاب القيم، وشأنه - الغدير - أجل وأسمى من أن يوصف ويثنى عليه، إن العمل الوحيد الذي يمكنني القيام به أن أدعو الله أن يطيل عمر المؤلف وأن يجعل عاقبة أمره خيرا، ولهذا فإني أدعو الله مخلصا أن يضيف بقية عمري إلى عمره الشريف ليتمكن من تحقيق كل ما يصبو إليه".
ويقول السيد عبد العزيز الطباطبائي (ره):
"ومثل هذا المجهود العظيم لا يقوم به فرد، وإنما هو عمل لجان في سنين كثيرة، كما نبه على ذلك جمع ممن قرأ الكتاب فأدهشهم العمل:
منهم: الفقيه الورع آية الله العظمى السيد عبد الهادي الشيرازي ـ المتوفى سنة 1382هـ ـ قال في تقريظ الكتاب ـ طبع في مقدمة الجزء الخامس: "وقد يفتقر مثل هذا التأليف الحافل المتنوع إلى لجنة تجمع رجالاً من أساتذة العلوم الدينية، ولو لم يكن مؤلفه العلامة الأميني بين ظهرانينا، ولم نر أنه بمفرده قام بهذا العبء الفادح، لكان مجالاً لحسبان أن الكتاب أثر جمعية تصدّى كل من رجالها لناحية من نواحيه".
وقال السيد شرف الدين رحمه الله في تقريظ له ـ نشر في بداية الجزء السابع ـ : "موسوعتك الغدير في ميزان النقد وحكم الأدب عمل ضخم دون ريب، فهي موسوعة لو اصطلح على إبداعها عدة من العلماء وتوافروا على إتقانها بمثل هذه الإجادة لكان عملهم مجتمعين فيها كبيراً حقاً".
وقد تتبع العلامة الأميني مئات المصادر وفي مختلف البلدان والمكتبات لتحصيل مصادر هذه الموسوعة، ثم قام بقراءتها قراءة متأنية لاستخلاص ما ينفع في إثبات الأفكار التي يروم الاستدلال عليها.
يقول السيد جعفر الشهيدي (من أصدقاء العلامة الأميني في النجف وطهران):
"قال لي العلامة الأميني ذات يوم:
لقد قرأت عشرة آلاف كتاب لأجل تأليف كتاب الغدير، لم يكن رجلا يتحدث جزافا، فإن قال إنني قرأت كتابا فهو يعني أنه قد قرأه واستوعبه واقتطف منه مقاطع".
وقراءته لهذا العدد الضخم من الكتب كاملا هو ما نقله العلامة محمد تقي الجعفري (قد) أيضا عن العلامة الأميني، بل إن العالم الفاضل الحاج ميرزا خليل الكمره أي (ره) المتوفى سنة 1984م كتب رقما يفوق الرقم السابق، وهو 14 ألف كتاب قرأها من الجلد إلى الجلد.
أما أصل مطالعة الكتب ومن غير إتمامها بالكامل فإن الشيخ محمد الآخوندي ينقل عن العلامة الأميني قوله: "إن كتاب "الغدير" كان حصيلة مطالعة أكثر من ثلاثين ألف كتاب".
2 – استفراغ كامل الوسع
لقد كان العلامة الأميني في جهاد دائم لإثبات أحقية مذهب أهل البيت (ع)، وبذل أقصى ما يمكنه من وقته وجهده وصحته وماء وجهه في سبيل ذلك، وكان إذا حدد هدفا قد تيقن من تأثيره في نصرة مذهب أهل البيت (ع) فإنه لا يتركه حتى ينال فيه بغيته، وبما أن التأليف المتقن يحتاج لكثرة التنقيب والبحث والقراءة عن الكتب فإن العلامة الأميني كان سيد هذا الميدان.
يقول السيد عبد العزيز الطباطبائي (قدس سره):
"ولم يكن يومذاك في النجف الأشرف مكتبات عامة سوى مكتبة كانت في الحسينية الشوشترية وأخرى هي مكتبة كاشف الغطاء (ره) وفي كل منهما عدة آلاف مخطوط ومطبوع، فكان يتردد إليهما ويستنزف أوقات دوام المكتبة في مطالعة الكتب والانتفاع منها، ويكتب ما يختار من غضونها ما عسى يحتاج إليه، ولكن دوام المكتبة المحدود بضع ساعات لا تفي بهمته ولا تشبع نهمته، فحدثني (ره) قال:«إني عزمت على قراءة كتب مكتبة الحسينية كلها فاتفقت مع أمينها أن يسمح لي بالبقاء فيها ويغلق علي الباب! فأجاب، قال: فأتيت على الكتب كلها! كما وحدثني أمين المكتبة (ره) بذلك أيضا.
وحدثني المغفور له آية الله الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (ره)، قال:
"إن الأميني لم يبق في مكتبتنا كتابا من كتبها سالما لكثرة مراجعته لها و تقليبه فيها".
ثم لنرى هل ارتوى واكتفى؟ الجواب:
لا، بل كان يراجع المكتبات الخاصة في بيوت العلماء، والنجف الأشرف كانت يومئذ غنية بالمكتبات الخاصة، ومع ذلك كله الله وحده يعلم ماذا كان يعاني شيخنا الأميني في السعي وراء كتاب واحد حتى يفوز بأمنيته.
وبمثل هذه المثابرة والعمل الدؤوب، وإجهاد النفس في اليوم 18 ساعة بين قراءة وكتابة طوال سنين عدة، وانقطاع عن المجتمع، وانصراف إلى العمل وانهماك فيه، أمكنه أن ينتج كتاب "الغدير" موسوعة ضخمة غنية بالعلم، مليئة بالحجج والوثائق، منقطعة النظير، والكتاب آية من آيات هذا القرن".
3 – قلة الأخطاء والهفوات
إذ كانت إلى درجة أن محققا كالشهيد السيد محمد علي القاضي يقول حين كتابته تقريظا للغدير بعد قراءته لعشرة أجزاء منه:
"أني منذ أن تلقيت مجلدات هذا الكتاب القيم، وسبرت صفحاته بتفكير وإمعان، ما عثرت على اشتباه أو سهو طفيف في سرد التاريخ والشعر والترجمة والأثر، وهذا أمر لا يستهان به، وقلما يتفق هذا في الكتب - الضخمة - المشتملة على عده مجلدات، وليس ذلك إلا بتأييد وعناية خاصة من الله تعالى بكم".
4 – الرجوع إلى المصادر الأصلية
فلم يكتف بما يفعله البعض من النقل عن كتاب ما ينقل عن مصدر سابق، بل كان يرجع إلى المصدر الأصلي بشكل مباشر، ومما يؤسف له الآن أن بعض المعدودين على الباحثين والكتاب المعروفين عندما يتطرق إلى بعض البحوث في مجال التوسل أو غيره لا يراعي الأمانة العلمية ويعترف باقتطاع ما يضعه في كتبه عن الغدير بل يوهم أنه نقل ما هو موجود في كتابه عن الكتاب الفلاني ومن دون الإشارة إلى نقله عن الغدير وبحذافيره عن ذلك الكتاب!!
5 – الأمانة والدقة في النقل
يقول الشيخ محمد هادي نجل العلامة الأميني:
"ولقد أوصاني والدي (رحمه الله) بأمرين في مجال التحقيق والتأليف، حيث قال: أوصيك بأمرين: الأمر الأول: يجب أن تترك كثيرا من الروابط الاجتماعية، وإلا فإنك لا تجد الوقت الكافي للكتابة والتأليف.
والثاني: أن ترعى الأمانة في التأليف. فكل ما تنقله يجب أن يكون نص ما هو مكتوب، فإذا كان المكتوب: "علي كرم الله وجهه" وجب نقله كما هو وإياك والتصرف والتصحيف في التأريخ والمصادر، ويجب أن تعد نفسك - من أجل أن تبلغ هدفك بالتأليف - للمشاكل الحياتية من جوع وحرمان وتحمل، وصبر، وإلا فبعكسها لا تبلغ هدفك".
5 – الجرأة والصراحة في نقل القضايا التاريخية وقول الحق فيها
وقد كلفته هذه الجرأة كثيرا إلى درجة جعلته يضطر بعد تأليف الأجزاء المتوسطة والمتأخرة من الغدير إلى التنقل مع حماية معه، وكان يضطر إلى تغيير زيه المعهود (لباس العلماء) أحيانا.
6 – جودة الأسلوب، وجمال العبارة
وقد أثنى على هذه الصفة كبار العلماء ممن قرظ كتاب الغدير، وأكتفي بنقل كلام اثنين منهم تتضمن الثناء على خصائص أخرى في موسوعة الغدير.
يقول المرجع الديني السيد محسن الحكيم (قد):
"وقد سرحت النظر في أجزائه المتتابعة فوجدته كما ينبغي أن يصدر من مؤلفه المعظم، وألفيته كتابا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بتوفيق من عزيز عليم، ولقد توفق كل التوفيق في قوة حجته، وشدة عارضته، وروعة أسلوبه، وجمال محاورته. وقد ضم إلى حصافة الرأي جودة السرد، وإلى بداعة المعاني قوة المباني، وتفنن في المواضيع المختلفة فوردها سديدا، وصدر عنها قويما".
ويقول السيد صدر الدين الصدر قدس سره (أحد مراجع قم والمتصدين لإدارة شؤون الحوزة فيها بعد وفاة المؤسس الشيخ عبد الكريم الحائري قدس سره):
"كتاب "الغدير" جمع بين التتبع الوافي، والضبط والتثبت في النقل، وحسن النقد، وأصالة الرأي، وقل ما اجتمعت هذه الخلال في كتاب، وإن أضفت إليها خامسة وهي: جودة السرد وحسن البيان رأيته بين أترابه كأنه علم في رأسه نار".
تابعوا معنا الجزء الأخير من البحث >>>>>>>>>>>>