اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
فقيد الشهر الحرام
بتشييع الفقيد إلى مثواه الأخير، فقد المجتمع شخصين من أحبته وأعزاءه. احدهم له اليد الطولى، في العمل الاجتماعي التطوعي. والآخر لا يزال المستقبل العلمي والعملي، فاتحا ذراعيه نحوه. كأم حبلى تنتظر ولادة طفلها، لتحتضنه وتحتويه.
اجتمع الناس من كافة القرى القريبة والبعيدة – والدول المجاورة والنائية. كما أرسلت الخطابات المكتوبة – والأخرى الصوتية لمواساة، ذوي المغدور به.
فمن يواسي أهل القاتل الغادر، في مصيبتهم التي احتوتهم احتواء التمرة لنواتها؟ ومن يخفف عليهم العار الذي لحقهم، والرعب الذي يحوطهم إحاطة السوار بالمعصم؟ فهم لا يعلمون ما يؤل ليه مصير ابنهم. كتائه في صحراء مترامية الأطراف، لا يعرف إلى أين يتجه. لان من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا.
وبموته خسر ذووه وأطفاله، من يعولهم ويقوم عليهم. كسفر على ظهر سفينة، تعب البحر دون ربان. وخسر المجتمع، شخصية فعالة عاملة. وخسر الطرف الآخر طفلهم المراهق، الذي ادخروه ليعينهم على نوائب الدهر الخؤون. كمزارع حرث أرضه - ونثر بذوره – وسقاها، ليعلم بعد طول انتظار أن أرضه سبخة مالحة.
هذه المصيبة مزقت أواصر المحبة والألفة، بين أفراد المجتمع. فضلا عن العلاقة بين العائلتين، المعنيتين بالحادث.
برجوعه من الفاتحة ومجلس العزاء، طرح الخبر على ابنه المراهق. ليعرف رأيه – وردة فعله، تجاه الحادث والقضية برمتها. تألم كثيرا لفقدان المرحوم – وحزن لمصيبة عائلته. لكنه علق باستغراب شديد: لا يمكن أن يقوم الشاب بهذا العمل الشنيع، إلا عند استفزازه وعدم احترامه. فقال والده: وهل يبرر هذا وجود السكين في سيارته؟ غير ألإشارة إلى استعداده المسبق، لمهاجمة من يحاول نصحه وإرشاده. عندها سكت الابن ولم يحر جوابا. لكنها فورة الشباب – وطيش المراهقة، الذي يحتاج الكثير من التعقل والحكمة في التعامل معه.
بهذه الحادثة دق ناقوس الخطر، ورفعت درجة الخطورة إلى أقصاها. وآن الوقت لوضع البرامج وتبادل الخبرات، ليس فقط لدرء الجريمة. بل لالتقاط أبنائنا من الشوارع، وإنقاذهم من الأخطار المحدقة بهم. ولن يتم ذلك إلا بعمل جماعي منظم، من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. مع أخذ العفو والأمر بالعرف، والإعراض عن الجاهلين. كوقفة مجتمع المدينة المنورة بأسره، في حياة الرسول(ص). في وجه الثلاثة الذين خلفوا، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وظنوا أن لا منجى من الله إلا إليه.
وفقيد الشهر الحرام، اقتفى خطا سيده ومولاه ذبيح كربلاء(ع). حينما توجه بالنصح والإرشاد إلى جيش عمر بن سعد، خوفا حدبا عليهم من دخول النار. وانتظر جوابهم، وردهم عليه. فلم يكن منهم إلا توجيه سيوفهم ورماحهم، إلى صدره العاري.
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف، السعودية