اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
شهادة زيد بن علي (ع)
قال المقريزي وغيره من المؤرخين: لما هلك يزيد بن عبد الملك، تولى الحكم أخوه هشام، فبدأ بالجور والعدوان على أهل البيت (ع) وشيعتهم، فكتب إلى عماله بالتضييق عليهم وسجنهم والفتك بهم، وأمر عامله على الكوفة يوسف بن عمر الثقفي، أن يهدم دار الكميت شاعر أهل البيت (ع) وأن يقطع لسانه، لأنه مدح آل الرسول (ص)!!
وكتب إلى عامله على المدينة خالد بن عبدالملك بن الحارث: أن يحبس بني هاشم فيها و يمنعهم من السفر! فنفذ خالد أمر هشام، وضيق على الهاشميين، وأسمع زيد بن الإمام زين العابدين ما يكره، فخرج زيد إلى الشام لشكو خالدا إلى هشام، فأبى هشام أن يأذن له، فأرسل إليه زيد رسالة يطلب الإذن بها له، فكتب هشام في أسفلها: إرجع الى أرضك، فقال زيد: والله لا أرجع، وأخيرا أذن له هشام وأمر خادما أن يتبعه ويحصي ما يقول، فسمعه يقول: والله ما أحب الدنيا أحد إلا ذل.
وأمر هشام جلساؤه أن يتضايقوا في المجلس حتى ل يقرب منه.
فلما دخل زيد لم يجد موضعا يجلس فيه، فعلم أم ذلك قد فعل عمدا، واستقبله هشام بالشتم والسباب، بدل التكريم والترحاب!
وفي المقابل لم يسكت زيد عن الجواب، و إنما أسمع هشاما ما لا يحب أن يسمع، فلم يتحمل هشام وأمر بطرده، دون أن يسمع شكواه، فأخذ الغلمان بيده ليخرجوه، فأنشد زيد:
شرده الخوف وأزرى به ---كذا من يكره حر الجلا
دقد كان في الموت له راحة ---والموت حتم في رقاب العباد
فخرج من مسجد هشام وتوجه إلى الكوفة، فحدث الناس بظلم الخليفة وعماله، فبايعه خلق كثير فيهم الأشراف والعلماء، لأنهم وجدوه أهلا للقيادة، فهو سيد هاشمي، وفقيه تقي، وشجاع باسل.
ولما رأى أعوانا، نهض ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدفع الظلم والضيم عن نفسه وعن المؤمنين، فدارت المعركة بينه وبين يوسف الثقفي والي الكوفة وجيشه الجرار، ولكن أصحاب زيد تركوا زيدا وحده قبل أن يخوض الحرب ويدخل في غمراتها، ولم يبق معه إلا نفر قليل!! ورغم ذلك فقد دخل زيد الحرب وجاهد بشجاعة وبسالة هاشمية وهو يرتجز:
أذل الحياة وعز الممات --وكلا أراه طعاما وبيلا
فإن كان لابد من واحد----فسيري إلى الموت سيرا جميلا
فبينما هو يجاهد في سبيل الله ويحارب الأعداء، إذ وقع سهم في جبهته، فلما انتزع وا سقط شهيدا.
وكان ذلك في اليوم الثامن من شهر صفر عام 121هـ، وكان عمره الشريف إثنتين وأربعين سنة، فرثاه الحسن الكناني بأبيات منها:
فلما تردى بالحمائل وانتهى--- يصول بأطراف القنا الذوابل
تبينت الأعداء أن سنــانه--- يطيل حنين الأمهات الثواكـل
تبين فيه ميسم العـز والتقى---و ليا يفدي بين أيدي القوابل
فحمله ابنه يحيى بإعانة عدة من أنصاره، ودفنه في ساقية وردمها , و أجرى عليه الماء لكي لا يعلم أحد مدفنه ولكن تسرب الخبر إلى يوسف بن عمر، فأمر بنبش القبر واخراج الجسد الطاهر، ثم أمر بقطع رأسه الشريف فقطع وبعث به الى الشام، فلما وصل الرأس الشريف إلى الشام كتب هشام إلى واليه على الكوفة: أن مثل ببدنه واصلبه في كناسة الكوفة.
ففعل والي الكوفة يوسف بن عمر ذلك، وصلبه في ساحة من سوح الكوفة حقدا وعدوانا، وراح الشاعر الأموي يفتخر بهذه ويقول في قصيدة جاء فيها:
صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة---ولم أر مهديا على الجذع يصلب!
فبقي أكثر من أربع سنوات مصلوبا، حتى هلك هشام وتولى بعده الوليد بن يزيد، فكتب إلى عامله بالكوفة: أحرق زيدا بخشبته وأذر.
ففعل وأذرى رماده على شاطئ الفرات!(35).
شهادة يحيى بن زيد
وفعلوا نفس الصنيع بولده يحيى، فانه قام ضد ظلم بني أمية وجورهم، والتاريخ يذكره بالتفصيل(36) واستشهد في ميدان القتال، فقطعوا رأسه وبعثوه إلى الشام وصلبوا جسده الشريف ست سنين ـ وقد بكى عليه المؤالف والمخالف ـ حتى مات الوليد، ونهض أبو مسلم الخراساني واستولى على تلك البلاد فأمر فأنزل جسد يحيى الشهيد ودفن في جرجان وقبره اليوم مزار يتوافد المؤمنون لزيارته.
بعد هذا الحديث الحزين تأثر كل الحاضرين وتألموا، وبكى بعضهم على مصائب آل النبي (ص)، ولعنوا بني أمية الظالمين
المصدر كتاب ليالي بيشاور
بمجرد اضغط على الرقم يفتح فهرس هامش المجلس