اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن عدوهم .
الإمام جعفر الصادق
الإمام جعفر بن محمّد الصادق (()) سادس الأئمة الأطهار من أهل البيت المعصومين الذين نص الرسول (()) على خلافتهم من بعده.
ولد في سنة ( 83 ) هجرية وترعرع في ظلال جدّه زين العابدين وأبيه محمّد الباقر (()) وعنهما أخذ علوم الشريعة ومعارف الإسلام. فهو يشكّل مع آبائه الطاهرين حلقات نورية متواصلة لا يفصُل بينها غريب أو مجهول، حتَّى تصل إلى رسول الله (())، لذا فهو يغترف من معين الوحي ومنبع الحكمة الإلهية.
وبهذا تميزت مدرسة أهل البيت التي أشاد بناءها الأئمة الأطهار ولا سيما الإمام الباقر والإمام الصادق ((عليهما السلام)) فهي مدرسة الرسالة المحمّدية التي حفظت لنا أصالة الإسلام ونقاءه.
وهكذا تبوّأ الإمام الصادق مركز الإمامة الشرعية بعد آبائه الكرام وبرز إلى قمّة العلم والمعرفة في عصره مرموقاً مهاباً فطأطأت له رؤوس العلماء اجلالا وإكباراً حتَّى عصرنا هذا.
لقد كان عامة المسلمين وعلماؤهم يرون جعفر بن محمّد (()) سليل النبوّة وعميد أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً.
فهو الرمز الشرعي للمعارضة التي قادها أهل بيت الوحي(()) ضد
الظلم والطغيان الاُموي والعبَّاسي معاً.
كما كان العلماء يرونه بحراً زاخراً وإماماً لا ينازعه أحد في العلم والمعرفة واستاذاً فذاً في جميع العلوم التي عرفها أهل عصره والتي لم يعرفوها آنذاك.
لقد عايش الإمام الصادق (()) الحكم الاُموي مدة تقارب (أربعة) عقود وشاهد الظلم والارهاب والقسوة التي كانت لبني اُمية ضد الاُمة الإسلامية بشكل عام وضد أهل بيت الرسول (()) وشيعتهم بشكل خاص.
وكان من الطبيعي ـ بعد ثورة الإمام الحسين (()) ـ أن يكون آل البيت هم الطليعة والقيادة المحبوبة لدى الجماهير المسلمة، ومن هنا بدأت فصائل العباسيين تتحرك باسم أهل البيت وتدعو إلى الرضا من آل محمّد (()) وخلافة ذرية فاطمة بنت رسول الله (()).
لقد انسحب الإمام الصادق (()) من المواجهة المكشوفة ولم تنطل عليه الشعارات التي كان يستخدمها بنو العباس للوصول إلى الحكم بعد سقوط بني اُمية بعد أن ازداد ظلمهم وعتوهم وارهابهم وتعاظمت نقمة الاُمة عليهم.
لقد سقط سلطان بني اُمية سنة ( 132 هـ ) ، ثمّ آلت الخلافة إلى بني العباس فعاصر حكم أبي العباس السفّاح وشطراً من حكم المنصور الدوانيقي بما يقرب من عشر سنوات.
لقد انصرف الإمام الصادق (()) عن الصراع السياسي المكشوف إلى بناء الاُمة الاسلامية علمياً وفكرياً وعقائدياً وأخلاقياً، بناءاً يضمن سلامة الخط الاسلامي على المدى البعيد بالرغم من استمرار الانحرافات السياسية والفكرية في أوساط المجتمع الاسلامي.
لقد انتشرت الفرق الاسلامية كالمعتزلة والاشاعرة والخوارج والكيسانية والزيدية في عصره واشتد الصراع بينها، كما بدأت الزندقة تستفحل وتخترق اجواء المجتمع الاسلامي فتصدى الإمام الصادق (()) للردّ على الملاحدة من جهة وتصدى لمحاكمة الفرق المنحرفة من جهة اُخرى.
أشاد الإمام الباقر (()) أمام أعلام شيعته بفضل ولده الصادق (()) قائلا: هذا خير البريّة.
وافصح عمه زيد بن علي عن عظيم شأنه فقال: في كل زمان رجل منّا أهل البيت يحتج الله به على خلقه وحجة زماننا ابن أخي جعفر لا يضلّ من تبعه ولا يهتدي من خالفه.
وقال مالك بن أنس: ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمّد الصادق علماً وعبادة وورعاً.
وقال المنصور الدوانيقي مؤبّناً الإمام الصادق (()): إنّ جعفر بن محمّد كان ممّن قال الله فيه: (ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) وكان ممن اصطفى الله وكان من السابقين بالخيرات.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ( ت 327 هـ ) : سمعت أبي يقول: جعفر بن محمّد ثقة لا يُسأل عن مثله.
وقال: سمعت أبا زرعة وسئل عن جعفر بن محمّد عن أبيه وسهيل بن أبي صالح عن أبيه والعلاء عن أبيه أيّما أصح؟ قال: لا يقرن جعفر بن محمّد إلى هؤلاء.
وقال ابو حاتم محمّد بن حيّان ( ت 354 هـ ) عنه: كان من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلا.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي ( 325 ـ 412 هـ ) عنه: فاق جميع أقرانه من أهل البيت (()) وهو ذو علم غزير وزهد بالغ في الدنيا وورع تام عن الشهوات وأدب كامل في الحكمة.
وعن صاحب حلية الأولياء ( ت 430 هـ ) : ومنهم الإمام الناطق ذو الزمام السابق أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق، أقبل على العبادة والخضوع وآثر العزلة والخشوع ونهى عن الرئاسة والجموع.
وأضاف الشهرستاني ( 479 ـ 548 هـ ) على ما قاله السلمي عنه: وقد أقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين إليه ويفيض على الموالين له أسرار العلوم ثمَّ دخل العراق وأقام بها مدَّة، ما تعرّض للامامة قط ، ولا نازع في الخلافة أحداً، ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، ومن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حطّ.