بسم الله الرحمن الرحيم
أللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
مظلومية الزهراء
احراق بيتها ( ) رغم أنّ القوم قد منعوا من نقل القضايا والحوادث ، وجزئيات الأمور ، وتفاصيل الوقائع ، أتتوقعون أن ينقل لكم البخاري أن فلانا وفلانا وفلانا أحرقوا دار الزهراء بأيديهما ؟ ! أبهذا اللفظ تريدون ؟ !
إن إحراق بيت الزهراء من الأمور المسلمة تاريخياً ... وقد رتبتُ القضايا والروايات والأخبار في المسألة ترتيبا ، حتى لا يضيع الأمر ولا يختلط ،
وحتى تكونوا على يقظة مما يفعلون في نقل مثل هذه القضايا والحوادث ...
فإن القدر الذي ينقلونه أيضا يتلاعبون به ...
أما الذي لم ينقلوه ومنعوا عنه وتركوه عمدا ، فذاك أمر آخر ...
ولكن الذي نقلوه في كتبهم سنرى كيف نقلوه ؟
وسأذكر لكم ما يتعلق بهذه المسألة تحت عناوين :
بعض الأخبار والروايات تقول بأن عمر بن الخطاب قد هدد بالإحراق ، فكان العنوان الأول التهديد ، وهذا ما تجدونه في كتاب المصنف لابن أبي شيبة ، من مشايخ البخاري المتوفى سنة 235 ه ، يروي هذه القضية بسنده عن زيد بن أسلم ، وزيد عن أبيه أسلم وهو مولى عمر ، يقول :
( حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله ، كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله ، فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم ، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب ، خرج حتى دخل على فاطمة فقال :
يا بنت رسول الله ، والله ما أحد أحب إلينا من أبيك ، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك ، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت ) .
(المصنف لابن أبي شيبة 7 / 432 ) .
وفي تاريخ الطبري بسند آخر :
( أتى عمر بن الخطاب منزل علي ، وفيه طلحة والزبير [ هذه نقاط مهمة وحساسة ، في البيت كان طلحة أيضا ، والزبير كان من أقربائهم ، أما طلحة فهو تيمي ] ورجال من المهاجرين فقال : والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة ، فخرج عليه الزبير مصلتا سيفه ، فعثر فسقط السيف من يده ، فوثبوا عليه فأخذوه ) ..
(تاريخ الطبري 3 / 202 ) .
وأنا أكتفي بهذين المصدرين في عنوان التهديد .
لكن بعض كبار الحفاظ منهم لم تسمح له نفسه لأن ينقل هذا الخبر بهذا المقدار بلا تحريف ، لاحظوا كتاب (الإستيعاب) لابن عبد البر ، فإنه يروي هذا الخبر عن طريق أبي بكر البزار بنفس السند الذي عند ابن أبي شيبة ، يرويه عن زيد بن أسلم عن أسلم وفيه : (إن عمر قال لها : ما أحد أحب إلينا بعده منك ، ثم قال : ولقد بلغني أن هؤلاء النفر يدخلون عليك ، ولأن يبلغني لأفعلن ولأفعلن)
(الإستيعاب في معرفة الأصحاب 3 / 975 ) .
انظروا : هو نفس الخبر ، بنفس السند ، عن نفس الراوي ، وهذا هو تصرفهم وتحريفهم !
وأنتم تريدون أن ينقلوا لكم إنه أحرق الدار بالفعل ؟
وأي عاقل يتوقع من هؤلاء أن ينقلوا القضية كما وقعت ؟
إن من يتوقع منهم ذلك إما جاهل وإما يتجاهل ويضحك على نفسه !!
2 - المجئ بقبس أو بفتيلة :
وهناك عنوان آخر ، وهو جاء بقبس أو جاء بفتيلة هذا أيضا أنقل لكم بعض مصادره :
روى البلاذري المتوفى سنة 224 في أنساب الأشراف بسنده :
( إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة ، فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه فتيلة ، فتلقته فاطمة على الباب ، فقالت فاطمة :
يا بن الخطاب ، أتراك محرقا علي بابي ؟ !
قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك ) .
( أنساب الأشراف 1 / 586 ) .
وفي العقد الفريد لابن عبد ربه المتوفى سنة 328 :
( وأما علي والعباس والزبير ، فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر [ أي لم يكن عمر هو الذي بادر ، بل إنّ أبا بكر هو الذي بعث عمر بن الخطاب ] ليخرجوا من بيت فاطمة وقال له : إن أبوا فقاتلهم ، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة فقالت : يا بن الخطاب ، أجئت لتحرق دارنا ؟
قال : نعم ، أو تدخلوا ما دخلت فيه الأمة ) .
(العقد الفريد 5 / 13 ) .
أقول : وقارنوا بين النصوص بتأمل لتروا الفوارق والتصرفات .
وروى أبو الفداء المؤرخ المتوفى سنة 732 ه في (المختصر في أخبار البشر) الخبر إلى قوله :
وإن أبوا فقاتلهم ، ثم قال : فأقبل عمر بشئ من نار على أن يضرم الدار ) .
(المختصر في أخبار البشر 1 / 156 ) .
3 - إحضار الحطب ليحرق الدار وهذا هو العنوان الثالث :
أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار ، وهذا في تاريخ المسعودي ( مروج الذهب ) وعنه ابن أبي الحديد في شرح النهج عن عروة بن الزبير :
إنه كان يعذر أخاه عبد الله في حصر بني هاشم في الشعب ، وجمعه الحطب ليحرقهم ...
قال عروة في مقام العذر والاعتذار لأخيه عبد الله ابن الزبير :
( بأن عمر أحضر الحطب ليحرق الدار على من تخلف عن البيعة لأبي بكر ) .
(مروج الذهب 3 / 86 ، وشرح ابن أبي الحديد 20 / 147) .
انظروا انه يقول :أحضر الحطب ...
هذا ما يقوله عروة بن الزبير ، وأولئك يقولون جاء بشئ من نار فالحطب حاضر ، والنار أيضا جاء بها ، أتريدون أن يصرحوا بأنه وضع النار على الحطب ، يعني إذا لم يصرحوا بهذه الكلمة ولن يصرحوا !
هل نبقى في شك أو نشكك في هذا الخبر ؟؟؟
وهذه عبارة أخرى : إن عمر جاء إلى بيت علي ليحرقه أو ليحرقه .
وبهذه العبارة تجدون الخبر في كتاب (روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر) لابن الشحنة المؤرخ المتوفى سنة 882 ه ، وكتابه مطبوع على هامش بعض طبعات الكامل لابن الأثير - وهو تاريخ معتبر - يقول :
( إن عمر جاء إلى بيت علي ليحرقه على من فيه ، فلقيته فاطمة فقال : أدخلوا فيما دخلت فيه الأمة ).
وفي كتاب لصاحب الغارات إبراهيم بن محمد الثقفي ، (في أخبار السقيفة) ، يروي عن أحمد بن عمرو البجلي ، عن أحمد ابن حبيب العامري ، عن حمران بن أعين ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام ) قال :
( والله ما بايع علي حتى رأى الدخان قد دخل بيته ) .
وكتاب السقيفة لهذا المحدث الكبير لم يصلنا ، ولكن نقل هذا المقطع عن كتابه المذكور : الشريف المرتضى في كتاب الشافي في الإمامة .
وعندما نراجع ترجمة هذا الشخص - إبراهيم بن محمد الثقفي المتوفى سنة 280 أو 283 ه - نرى من مؤلفاته كتاب السقيفة وكتاب المثالب ، ولم يصلنا هذان الكتابان ، وقد ترجم له علماء السنة ولم يجرحوه بجرح أبدا ، غاية ما هناك قالوا عنه: رافضي .
نعم هو رافضي ، وألف كتاب السقيفة وألف كتاب المثالب ، وقد نقل مثل هذه الأخبار ، فروى مسندا عن الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمد :
(والله ما بايع علي حتى رأى الدخان قد دخل بيته ).
ومما يدل على صحة روايات هذا الشخص - إبراهيم بن محمد الثقفي - ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني قال :
(لما صنف كتاب المناقب والمثالب أشار عليه أهل الكوفة أن يخفيه ولا يظهره ...
فقال : أي البلاد أبعد عن التشيع ؟
فقالوا له : إصفهان - طبعا في ذاك الوقت - ، فحلف أن يخفيه ولا يحدِّث به إلا في إصفهان ثقة منه بصحة ما أخرجه فيه ، فتحول إلى إصفهان وحدث به فيها ) .
( لسان الميزان 1 / 102 ) .
وذكره أبو نعيم الأصبهاني في أخبار أصبهان .
في هذه الرواية : والله ما بايع علي حتى رأى الدخان قد دخل بيته ، وأولئك كانوا يتجنبون التصريح بهذه الكلمة ، فقد صرحوا بالحطب وصرحوا بالنار وصرحوا بالقبس وصرحوا بالفتيلة صرحوا بكذا وكذا ،
إلا أنهم يتجنبون التصريح بكلمة إنه وضع النار على الحطب ، وتريدون أن يصرحوا بهذه الكلمة ؟ أما كانوا عقلاء ؟ أما كانوا يريدون أن يبقوا أحياء ؟
إن ظروفهم ما كانت تسمح لهم لأن يرووا أكثر من هذا ، ومن جهة أخرى كانوا يعلمون بأنّ القراء لكتبهم والذين تبلغهم رواياتهم سوف يفهمون من هذا الذي يقولون أكثر مما يقولون ، ويستشفّون من هذا الذي يذكرون تلك الأمور الأخرى التي لا يذكرون