لمحبي الزهراء فقط (فلسفة سكوت علي واستنكار الزهراء)
بتاريخ : 18-Mar-2007 الساعة : 03:06 PM
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
نعزي ولي العصر وصاحب الأمر الحجّة بن الحسن المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف ونائبه الإمام الخامنه اي حفظه الله و المراجع العظام والأمّة الإسلام ذكرى استشهاد الرسول الأعظم محمد بن عبدالله ( )
-
فلسفة سكوت عليٍّ و إستنكار الزهراء
هناك تساؤلات كثيرة تدور في الأذهان وتتداول بين الألسن حول موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قبال أولئك الذين تقمَّصوا الخلافة بعد إرتحال رسول الله .
وهى تتلخص في:-
*1-عليٌّ ذلك الرجل الذي قتل أبطال العرب و ناوش ذؤبانهم، هو الذي قدَّ مرحباً وعمرو بن عبد وُدّ و هو الذي كانت ضرباته وَتراً، كيف يمكن تصوُّر استسلامه للغاصبين ومن ثم إخراجه من البيت قهراً ، وتهديده بالقتل ؟
*2-هل يمكننا أن نتصور أن الزهراء و هي بنت رسول الله و فِلذة كبده و بضعته أن تضربَ و يكسرَ ضِلعُها ويُسقط جنينها بمرأى و منظر من زوجها أمير المؤمنين عليٍ ؟ من غير أن يكون هناك أيُّ ردَّة فعل منه في قبال هذه الجريمة العظمى؟
*3- ثم إن المسلمين عامَّةً هم الذين انتخبوا علياً خليفةً عليهم فلِم أكبُّوا بعد ذلك على مخالفته فخالفُوه و قاتلوه ثمَّ قتلوه في محرابه ظلماً ؟
*4-وأخيراً ما هي حصيلةُ السنوات الخمس التِّي استلم فيها عليٌّ إمرةَ المسلمين من الزاويتين العملية و النظرية ؟
*5-وما هو سرُّ سكوت الإمام المجتبى وصلحه مع معاوية من ناحيةٍ وصراخِ الإمام الحسين وخروجه على حكومة يزيد من ناحية أخرى ؟ وكذا مواقف سائر أئمَّتنا السلميَّةِ ظاهراً.
*وأيضاً:عشرات من الأسئلة في هذا المجال التي تخطر بالبال ؟
ومن الطبيعي أنَّ حلَّ هذه الشبهات له الدور الحيويّ المهمّ في مسيرة الإنسان المؤمن ومواقفه الرساليَّة ..فهل يمكننا الإجابة عليها وعلى غيرها من الأسئلة التي تدور حول نفس المحور؟
أقول:-
إنَّ الغرض من كتابةِ هذه الكلمة المتواضعة هو الوصول إلى حلٍّ مناسب بالنسبة إلى مثل هذه الشبهات ودفعها منطقيّاً كي نكون على بصيرة في ديننا ومذهبنا فنعانقه من دون أيّ تزلزل وتشكيك .
فأقول:-
قبل الورود في البحث ينبغي تقديم مقدمات:-
*الأولى:
الإسلام مدرسة متكاملة ومترابطة
الاسلام أطروحة متكامله تتركَّز على أسس و تشتمل على قوانين إلهية ثابتة لا يمكن أن يعتريها أيُّ خلل و ترديد ، والهدف من الإسلام هو نفس الهدف من خلق الإنسان أعني العبودية والرجوع إلى الله سبحانه وهو إيصال الإنسان إلى الكمال المطلوب أعني القرب من الكمال المطلق وهو الله سبحانه. فالإسلام ليس هو إلاّ تجلٍّ من تجليات الحق المطلق جلَّ وعلا فلا بدَّ أن يظهر على جميع أصعدته وزواياه وهذا من لوازمه غير المنفكة عنه.
الثانية:-
أبعاد الإنسان الثلاثة
وحيث أن للإنسان أبعاداً ثلاثة البعد العقلي و البعد النفسي (الجوانحي) والبعد العملي (الجوارحي) فالإسلام أيضاً قد ركَّز في توجيهاته إلى هذه الجهات الثلاثة في الإنسان و لاحظها بعين الاعتبار فطرح لها أطروحات وبرمج لكل واحدة منها برنامج يتناسب معه وهي:-
*1- عقائد الإسلام التِّي تعالج الجانب العقلي للإنسان.
*2- الأخلاق وهي ما تتعلق بشئون النفس الإنسانيَّة.
*3- الأحكام العمليَّة وهي القوانين المختصة بجوارح الإنسان وما يصدر منه من خير و شر.
ولا يخفى على من له أدنى معرفة وإطِّلاع على الإسلام أنَّ هناك ترابطاً قوياً وعلاقةً موثقة بين هذه الجوانب الثلاثة بحيث يستحيل التحلِّي بجانب مع غضِّ النظر عن الجانب الآخر.
مثال:-
إعطاء الزكاة كواجب عملي يتوقَّف على قصد التقرب إليه تعالى كعقيدة وفي أسلوب العطاء والأخذ لا بدّ من التوجُّه إلى الجانب الروحي للمعطي والمعطى إليه (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم بها).
وعلى هذا الأساس نقول أنه لا بدَّ وأن يُطبَّق الإسلام بحذافيره وبأكمله من دون فصلٍ بين الأبعاد الثلاثةِ أصلاً ومن يُفكِّر في تطبيق جانبٍ واحدٍ من الإسلام مع غضِّ النظر عن الجوانب الأخر فتفكيره شطط ليس له أساس قويمٌ بل يبتني على الوهم والخيال.
وبعبارة أخرى:-
(الإسلام وَحدَةٌ شاملة ومتكاملة ومتكاتفة ومنسجمة لن تتفرق ولن تتفكك أبداً ،وتفكُّكها يعني فنائها بالمرَّة وتغيُّر ماهيتها إلى ماهيَّة أخري بل لو اختلفت الكمِّية والكيفيَّة في قبول أو ردّ معالمه لتغيَّرت الماهية أيضاً فلا بد من مراعاة الكميَّة والكيفيَّة في تلك الأبعاد الثلاثة لئلاّ ينجرّ الأمر إلى تضخَّم جانبٍ و ضعف جانب آخر).
وذلك كالأوكسجين والهيدروجين فمن اللزام أن يتكوَّنا معاً ليُشكِّلا الماء كما أنّه لا بدَّ من رعاية النسبة بينهما كمّاً وكيفاً حصولاً على النتيجة فمع بروز أدنى اختلاف بين العنصرين سوف لا يبقى شيءٌ يُطلق عليه اسم الماء.
ومن هذا المنطلق نشاهد التأكيد البالغ على الإيمان بالكلِّ لا بالبعض سواء الكتاب أو الرسل أو أيّ شيء يرتبط بالدين
قال تعالى:
{... أ فتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلاّ خزي في الحياة الدنيا يوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون}
وقال تعالى:
{إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا و اعتدنا للكافرين عذابا مهينا}
الثالثة:-
الدولة الإسلاميَّة العالميَّة
مضافاً إلى أنه لا بدَّ من وجود دولة مقتدرة بأجهزتها القويَّة ورجالها المؤمنين، تستهدف التنسيق بين هذه الجوانب الثلاثة من الإسلام كي تُركِّز هذه الشجرة الطيِّبة جذورها فيرتفع أساسها فتتوزَّع وتنتشر أغصانها فتثمر فيأكل من ثمرها. فإذا يستحيل أن نطبق الإسلام في حياتنا بمعنى الكلمة إلاّ مع تأسيس دولة عالميَّة تستوعب أو بالأحرى تتسلَّط على جميع أرجاء البسيطة من غير استثناءٍ لمنطقة دون أخرى فكلُّ الأرض تكون تحت سلطة الإسلام وهذا لا ينافي وجود كفّار فيها مادام الحكم للإسلام . فلا معنى لطرح دولة إسلامية في هذا المكان وذاك كدولة مستقلة تستهدف تطبيق بعض أو كلِّ جوانب الإسلام عملاً ولا تحمل إيدئولوجية الإسلام العالمي أو تجعل هذه الغاية في المراحل المتأخرة من أفكارها . بل لو نظرنا نظرة شاملة إلى الكون وعرفنا خالقه لوصلنا إلى حقيقة أخرى وهي أنَّ الإسلام لا ينظر إلى البشرية منحصرة بل يستوعب ويُخيِّم على كلَّ زوايا الكون وجميع العوالم من الإنس والجن حتى عالم الجمادات والنباتات والحيوانات وحتى في الكواكب الأخرى حيث أنّ كلّ تلك العوالم لها نوعٌ من العلاقة بالإنسان.
{الرسول صلى الله عليه و آله وسلَّم و دولة إسلاميّة عالميَّة}
ومن هذا المنطلق شرع رسولنا محمد صلى الله عليه و آله في تأسيس دولة إسلامية من البداية تستهدف تطبيق الإسلام بجميع جوانبه و أبعاده وإزالة جميع الظواهر الزائفة الموروثة من الجاهليَّة فكتب إلى ملكي الفرس و الروم آن ذاك كتباً لأجل أن يهتديا وقومهما إلى الدين الإسلامي ويتحررا من عبودية غير الله . وقد استطاع الرسول صلى الله عليه و آله -بسعيه المتواصل ودعمٍ من أخيه ووزيره عليٍّ وعدد قليل من الصحابة المخلصين - أن يكتسب النجاح في المدَّة القليلة على رغم كلّ ما عاناه من مصاعبَ ومشاكل وأذى (ما أوذي نبيٌّ بمثل ما أوذيت) سواء من الكفّار الملحدين أو من المنافقين الحاقدين. فقد انبثق نور الإسلام و انتشر صيتُه وتوسعت دولته إلى أقصى العالم حتّى دخل الفرس والروم و حبشة وذلك لا على مستوى عامّة الناس فحسب بل شمل حتّى رجال الدولة وأصحاب المناصب المختلفة.
{الإسلام كان غريباً غير مألوف}
بعد ما كان الإسلام غريباً وذلك لأنَّ القيَم الإسلامية بطبيعتها لا تنسجم مع الوضع الذي كان يسود الجاهلية وذلك لاشتمال الإسلام على الجانب التعبدي الذي لا يلائم تلك الذهنيات التّي لم تترسخ فيها سوى الدنيا وسوى المادة وما يحوم حول المادة ، فقد انتشر الإسلام المحمَّدي في أنحاء البلاد وأخذت الأفكار الإسلامية تتمركز في الأذهان وتعثر على مكانتها في المجتمع وأخذ المسلمون يستأنسون بالإسلام شيئاً فشيئاً حتّى صار تنفيذ حكم الله في مجتمعهم أمراً مألوفاّ وصار المسلمون يتعاملون مع الإسلام تعاملاً طبيعياً بعد ما كان غريباً عندهم غير مأنوس به .
{المفروض والواقع}
المفروض أن يستلم الخلافة عليٌّ ويسير على نفس الأسلوب الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه و آله وينتقل الحكم من إمامٍ إلى إمام حتَّى يأتي دور المهدي المنتظر عجلَّ الله تعالى فرجه الشريف فيملأ الله به الأرضَ قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظُلماً وجوراً. ولكن الواقع كان خلاف ذلك حيث تسلَّم زمام الأمر من لا يليق به ولا أهليَّة له.
{البداية السوداء}
فبعد إرتحال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلَّم و استيلاء أول الخلفاء على الدولة الإسلامية الفتيَّة وفي أوائل خلافته كان الوضع نوعاً ما كسابقه ولكن بمجرد أن رُسخت قواعد تلك الخلافة اللاشرعيَّة بدأ الوضع يتغيّر شيئاً فشيئاً وبدأت المعادلات تنعكس و تتغير و استمرَّ الوضع الجديد إلى أن وصل إلى مرحلة خطيرة حيث أخذ حكُّام المسلمين الثلاثة ينسقون أفكارهم وأعمالهم مع الحضارات الدخيلة وعلى رأسها الروم والفرس فحاول الخلفاء تكييفَ أنفسهم مع المجتمعات المحاطة بهم وأخذوا في تنسيق برامجهم طبقاً لتلك الحضارات المزيّفة وذلك في جميع أبعادها حتى العقائديّة والأخلاقية !! (والناس على دين ملوكهم ) وهؤلاء الثلاثة نسَوا أو تغافَلوا عن أن للإسلام حضارةً و إيدئولو جية مميزة تنبثق من الوحي والغيب وترتبط بالله الواحد القهار. وتدريجاً انقلب الإسلام الغريب عند المِلل غير المسلمة المأنوس لدى المسلمين إلى إسلام مأنوسٍ لدى الكلّ حتى الكفار والمنافقين لا يستوحش منه أحد إلاّ المسلمُ الحقيقيّ!!
والحاصل أن الجــوّ الــعام الذي أوجده الخلفاء بين المسلمين كان مصبوغاً بصبغةٍ خاصَّــة تتلائم والواقعَ المعاش آن ذاك وذلك بقيمة تضحية الإسلام ومسخه تماماً بل قلبه وجهاً على عقب وحينئذٍ تحققت مصداقيَّة قوله تعالى :-
(وما محمد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أ فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين)
فانحرف الإسلام وتغيَّرت السنن وقلبت القيم ومن ثَمَّ خَسِر المسلمون تلك الفرصة الذهبية التي أوجدها رسول الله وسلَّم وضحّى من أجلها بأبرز أنصاره وكانت هي الخسارة العظمى التي جرَّت العالم الإسلامي إلى الخسائر المتوالية .
والتأريخ الإسلاميّ خير دليل على ما ندعيه فمن أراد أن يتطلَّع على جزئيّات الأمر فاليراجع التأريخ .
{السقيفة وآثارها}
فهنا وقعت الجريمة العظمى وهي جريمة الانحراف والإغفال ومن ثَمّ إحراف المُغفَلين وإغوائهم من زاوية وغرس شجرة النفاق ورعرعتها من زاوية أخرى ..ويالها من جريمة غبراء قاسية !! تلك الفجيعة الفضيعة التي نشأت من السقيفة السخيفة إلاّ فهي مبدأ كلِّ عثرة وزلّة حدثت بعدها فجميع الفروع الخبيثة ليست هي إلاّ من تلك الشجرة المشومة.
{البناء المعوج}
يقول أحد الشعراء الفرسخِشت أول جون نهاد بنا كج تا ثريّا ميرود بنيان كج) أي أنَّ البنّاء حيث وضع الأساس للبناء وضعاً معوجّاً فسوف يعوج البناء مهما يُرتفع إلى الثريا) ومن الواضح أنَّ الذنب والعتاب كلُّه يُوجَّه إلى أوَّل من أسس أساس الظلم والجور ومن هذا المنطلق نشاهد التأكيد البالغ في الأحاديث(كالأحاديث التِّي تتحدَّث حول يوم الأثنين وأنَّه يوم نحس قبض الله عز و جل فيه نبيه وما أصيب آل محمد إلاّ في يوم الاثنين فيتشائم أئمتنا به و تتبر ك به عدوُّهم) وأيضاً الزيارات خصوصاً زيارة عاشوراء، وأشعار كبار شعراء الإماميّة كدعبل الخزاعي وكبار العلماء كالعلامَّة الشيخ محمَّد حسين الإصفهاني قدس سرُّه بل حتّى بعض علماء العامَّة على هذه الحقيقة وتفصيل هذا الأمر سوف نذكره في موضع آخر فانتظر.
{أمير المؤمنين والخلافة}
وهذا الوضع أو بالأحرى الجريمة استمرت ربع قرن -وليس بقليل -إلى أن استلم الحكم وبعد اللتيا والتي أميرُ المؤمنين علي . استلمها بعد ماذا؟؟ بعد أن تغيرت جميع القيم والأسس التي بناها الإسلام .
فماذا يصنع عليُّ إذاً ؟؟
غير أن يصرخ في وجه المسلمين الذين أرادوا أن يبايعوه:-
{دعوني و التمسوا غيري فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه و ألوان لا تقوم له القلوب و لا تثبت عليه العقول و إنّ الآفاق قد أغامت و المحجة قد تنكرت و اعلموا إنِّى إن أجبتكم ركبت بكم ما اعلم و لم أَصغَ الى قول القائل و عتب العاتب و إن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلي أسمعكم و أطوعكم لمن وليتموه أمركم و أنا لكم وزيرا خير لكم منى أميراً}
قال ابن أبي الحديد:-
و معنى قوله: الآفاق قد أغامت و المحجة قد تنكرت إنَّ الشبهة قد استولت على العقول و القلوب و جهل اكثر الناس محجة الحق أين هي فأنا لكم وزيراً عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلَّم أفتى فيكم بشريعته و احكامه خير لكم منى اميراً محجوراً عليه مدبَّراً بتدبيركم فإنِّى أعلم انه لا قدرة لى أن أسير فيكم بسيره رسول الله صلي الله عليه وآله في أصحابه مستقلاً بالتدبير لفساد أحوالكم و تعذر صلاحكم .
أقول:-
بقيت تلك الجذور الخبيثة متركّزة رغم محاولات أمير المؤمنين في أيام خلافته، وحيث قد عوّدوا المسلمين على نمطٍ خاص من العيشة فلم يمكنهم أن ينسِّقوا معيشتهم وأفكارهم مع ما أراده أمير المؤمنين بل لم يكونوا يستوعبون أسلوب عليٍ في الحكم الذي كان هو أسلوب رسول الله فلم يتقبلوا عدالة عليٍ وقسطه وكما قال أحدهم عدلُ عليٍّ قتله .
{التكليف المزدوج بعد ارتحال رسول الله وسلَّم(السكوت والصراخ)}
مثال:-
لو وقعت سرقه كبيرة في بيت فيه أطفال و فيه أموال كثيرة تهمُّ السارقين لأنهم قد خطَّطوا تخطيطاً مستقبلياً شاملاً لبناء مشروع يبتنى على هذه الأموال.. و لا يمكنهم الغضّ والتغافل عنها أبداً ، و من ناحية أخرى تلك الأموال لها أهمية لصاحبها و تشكل العصب الرئيسى في حياتهم مضافا إلى الأشياء الأثرية الثمينة التي لا يمكنهم التخلِّي عنها.
*فيدور الأمر بين حالات ثلاثة لها نتائج مختلفة:-
1- الصراخ وإخبار الناس عن السرقة من أهل البيت جميعاً و بالنتيجة حرق البيت و من فيه و ما فيه.
2- إلتزام السكوت و الهدوء من جميع العائلة و إسكات الآخرين و أيضا خلق جو إعلامي يؤكِّد للناس أن البيت و ما فيه لم يسرق بل قد بِيع على هؤلاء في مقابل ثمن فالبيت إذا هو حقُّهم الشرعي و القانوني و ليس لصاحبه الأول المطالبة به أصلا.
3- التزام الهدوء من صاحب البيت و تحريض الأولاد على السكوت حفاظاً على البيت علماً بأن هناك من يُعلن عن السارقين (وهي الأم) و يصرخ في وجههم لأجل أخذ وثائق البيت ليس إلاّ.. (و المفروض أنَّ الوثائق مسجله باسمها).
فهنا نواجه ازدواجية المواقف موقف الوالد والأولاد و موقف الأم و المفروض على الوالد أن يُهدِّأ الكل ولكن الأم لا تسكتْ حيث تطالب بحقِّها وهي الوثائق والمستندات ولن تسمح بأن يسجَّل البيت باسم الغاصبين و إن أدَّى ذلك إلى موتها حيث يترجَّح ذلك الأهم على هذا المهمّ ، حيث أنَّه من الطبيعي أن يرجع البيت بالأخير إلى صاحبه و إن طال الأمد عليه.
{الحفاظ على الولاية}
مادام الخلافة قد انحرفت عن المسير الأساسي الذي أكد عليه رسول الله وسلَّم في مواطن كثيرة و مادام قد اغتصبت بطريقة شيطانية محتالة فلا يمكن إرجاعها بالسكوت و التسليم لما حدث لأن العدو سوف يكتسب هذا السكوت لصالحه إعلامياً و سوف يدَّعي أن هذا السكوت دليل على الرضا و من ثم سوف يكون الغاصب وكأنَّه هو المالك الحقيقي ومن ثم يكتسب الشرعية في الوسط المسلم لا هو فحسب بل كل من يسير على خطاه إلى يوم القيامة!! و هذا هو التدمير الواقعي للإسلام أصلاً و فرعاً و لكن باسم الإسلام وإمرة المسلمين و من ناحية أخرى هناك خطورة ثانية لأصل الإسلام و هذا يتطلب السكوت و الهدوء و التساير و في نفس الوقت الإشراف و التطلع على ما سيحدث و محاولة دفع الإنحرافات الأساسية التي ترجع إلى أصل الإسلام بدقة تلك الإنحرافات التي يخطط لها النظام الحاكم بين آونة و أخرى.. من غير مساس و تعرض للجهاز الحاكم.. لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا..وذلك حفاظا على الإسلام و لا بدَّ له من السكوت و التساير الظاهري معهم مادام الإسلام في أمان من شرهم.
اللهم إلاّ إذا اشتد الخطر و صعب فحينئذ سوف يتطلب الشدة نوعا ما..
{صعوبة الموقف و حسّاسيته}
عند ملاحظة جوانب الشخصيتين شخصيَّة الصدِّيقة الزهراء سلام الله عليها وشخصيَّة أمير المؤمنين وأيضاً عند ملاحظة مدى الإرتباط و التعلق بينهما نعرف شده البلاء الذي ابتليا به و عظمة الإمتحان الإلهي و مستوى التكليف السماوي المحول إليهما.
فلو أرادا أن يتحقق الهدف الذي هو الحفاظ على ظاهر الإسلام (و هو تكليف علي ) و الحفاظ على واقع الولاية (و هو تكليف الزهراء ) فلا بد و أن تتوفر أمورٌ كثيرةٌ لو اختل أحدها سوف لن يتحقق الهدف
فمن ناحية أمير المؤمنين لا بد من:-
خلق جو إعلامي واضح ينادى بصريح القول أن عليا ليس من المعارضين و إن كان فهو من المسالمين الذين يبتعدون عن تعكير الجو و تزعزع الرأي.. و هذا يتطلب:-
1- إلتزام الهدوء و السكوت الكامل و عدم التعرض للحكم أصلا.
2- التساير و التنسيق مع الخليفة و ربما يقتضي ذلك الصلاة خلفه و الجلوس في مجلسه.
و من ناحية الزهراء ينبغي لها:-
أن تخلق جواً مناقضاً تماماً لما أوجده علي .. فتصرخ في وجه الطغاة و تقف أمامهم و تفضحهم و تبين مثالبهم و تكشف عن جريمتهم العظيمة وفى نفس الوقت تدافع عن علي كخليفةٍ للمسلمين فتُبيِّن للناس فضائله و مناقبه و مواقفه وذلك من غير أن يكون ذلك أعني ولاية عليٍّ هو الأساس في قضيَّتها ظاهراً(وهو الأساس بالفعل) ولكن يبقى هنا أمرٌ مهمّ ينبغي أن تراعيه الزهراء وهو عدم إثارة عليٍّ أصلاً لأنَّ ذلك سوف يؤدِّي إلى فشل عليٍّ في موقفه ومن ثمَّ انتصار العدوّ ونجاحه وذلك سوف يؤدِّي إلى الرجوع إلى الجاهليَّة الأولى أعاذنا الله من شرِّها.
والوصول إلى ذلك إذاً صعبٌ يتطلَّب أموراً:-
1- الخروج من البيت و لا مانع مادام هي من المطهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس.
2-خلق أجواء مثيرة للأحاسيس (بكائها وأنينها راجع الخطبة).
3-كتمان ما تواجهه من الضرب وكسر الضلع وسقط الجنين وغيره عن عليٍّ .
4-أن لا يشترك العدو المتظاهر بالإسلام في تشييع جنازتها ودفن الجنازة سراً 5-أن تكون مجهولة القدر والقبر.
6-و بالأخير تكتب وصيتها في مصحفها .
المعاناة:
وأمّا أمير المؤمنين فهل يمكنه أن يتغافل عمّا سيحدث على بضعة الرسول الزهراء ؟ وهل يمكن للإنسان أن يتصور شدة المعاناة التي كان يعانيه أمير المؤمنين عليٍ و كذلك مستوى صبره ؟كيف وهو يرى تراثه المنهوب!ويعرف عن ضلع زوجها المكسور؟
يقول سلام الله عليه:-
{أما و الله لقد تقمصها ابن أبي قحافة و انه ليعلم أنَّ محلى منها محل القطب من الرحى ينحدر عنى السيل و لا يرقى إليََّّ الطير فسدلتُ دونها ثوبا وطويت عنها كشحاً و طفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير و يشيب فيها الصغير و يكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أنَّ الصبر على هاتا أحجى فصبرت و في العين قذى و في الحلق شجا أرى تراثي نهبا}
ويقول في موضع آخر:-
{فنظرت فإذا ليس لى رافد و لا ذاب و لا مساعد إلاّ أهل بيتي فضننت بهم عن المنية فاغضيت على القذى و جرعت ريقي على الشجا و صبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم و آلم للقلب من وخز الشفار} الكفؤ:- أعتقد أن التكافأ بين الزهراء وعليٍّ سلام الله عليه الوارد في الأحاديث الكثيرة كالحديث التالي:
{عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله قال سمعته يقول لولا أن الله خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفو على الأرض}
لا يعني التكافأ في الحياة الزوجية فحسب و لا يعني أيضاً أنهما مجمع النورين و البحرين بعد تفرقهما في عبد الله و أبي طالب حيث ورد في تفسير قوله تعالى:-
(كنز العمّال محمد بن العباس عن محمد بن احمد عن محفوظ بن بشر عن ابن شمر عن جابر عن أبي عبد الله قال في قوله عز و جل مرج البحرين يلتقيان قال على و فاطمة.. ) وهناك أحاديث كثيرة في هذا المجال راجع مضانَّها.
بل هناك أمر أهم من ذلك و أرفع مستوى و هو التكافؤ في أداء التكليف الإلهي بحيث كل يكمل الآخر.. و كل يؤدى تكليفه المتناقض مع تكليف الآخر ظاهراً و المطابق معه واقعا فهو تكليف واحد و لكن قد تجلّى وظهر في موقفين متضادين تماماً. و من هنا نعرف السر في الحديث القدسي حيث يقول:- ( لو لا علي لما خلقت فاطمة الخ.. )
{فدك هو المبرر لهذا الموقف}
و مبرِّر ثورتها هي فدك وهذه فدك لها بعدان رئيسيّان:-
*أحدهما: أنَّها قرية في الحجاز، بينها و بين المدينة يومان، و قيل ثلاثة و هي أرض يهودية ، و كان يسكنها طائفة من اليهود، و لم يزالوا على ذلك حتى السنة السابعة حيث قذف الله بالرعب في قلوب أهليها فصالحوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) على النصف من فدك، و روي انه صالحهم عليها كلها. و ابتدأ بذلك تاريخها الإسلامي، فكانت ملكاً لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، لأنها مما لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، ثم قدمها لابنته الزهراء، و بقيت عندها حتى توفى أبوها (صلى الله عليه و آله) فانتزعها الخليفة الأول و أصبحت من مصادر المالية العامة و موارد ثروة الدولة يوم ذاك حتى تولى عمر الخلافة)
ثانيهما:أنَّها هي الولاية بعينها أو من لوازمها التي قد تجسَّدت في ذلك اليوم وهى عصب حياة الخلافة الإسلامية لا يمكن الإستقرار على منصة الحكم بدونها.. ومن حكمة رسول الله وسلَّم أنه منح فدك لابنته الزهراء وذلك حين نزل قوله تعالى (وآت ذا القربى حقَّه)
{مصباح الأنوار عن عطية قال لما نزلت و آت ذا القربى حقه دعا رسول الله فاطمة فأعطاها فدك}
{عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله قال قلت ا كان رسول الله وسلَّم أعطى فاطمة فدك قال كان رسول الله وسلَّم وقفها فانزل الله و آت ذا القربى حقه فأعطاها رسول الله وسلَّم حقها قلت رسول الله وسلَّم أعطاها قال بل الله تبارك و تعالى أعطاها}
فلو لم يفعل رسول الله ذلك ماذا ترى سيحدث بعد ارتحاله ؟
كان الحاكم هو الذي يصطحبها و ذلك على بمبرر شرعي لا غبار عليه و هو أنَّ فدك من بيت المال المسلمين الذي هو تحت تصرف الخليفة المنصوب من قبلهم فليس لأحد أن يطالب بها أصلا ،وحينئذ لم يتواجد أيُّ مبرر لصراخ الزهراء و مواجهتها الحكم إلاّ دفاعاً عن زوجها و هذا يعنى أن موقف زوجها هو موقفها لا فرق بينهما أصلاً وحينئذ يمكن للخليفة أن يسكتها و يرغمها بحجة أنها إمرأة لا حق لها أن تتدخل في شئون الحكم أو يجبر علياً على إسكاتها و تهدئتها و إلاّ سوف يتخِّذ أيَّ قرار أراد ضدّ عليٍّ وضدّ فاطمة، وعلى فرض ما لو طلب منها عليٌّ السكوت والتراجع فلا بد لها إذاً أن تهدأ لأنه حسب الفرض أنَّ صاحبَ الحق قد تراجع عن حقه فلا معنى للصراخ و المجابهة منها بعد ذلك و إن أصرت على ذلك فيمكن التعامل معها بالشدة و سوف لا يثير ذلك أحاسيس المسلمين لأن هذا التعامل له مبرر شرعي و هو الحفاظ على الوحدة الإسلامية و الوقوف دون شق عصا المسلمين.
وهل بإمكان الخليفة إعطائها فدك؟ كلا ؟ لأن ذلك يعنى نجاح عليٍّ ولقد عرف أبو بكر هذا الأمر ولهذا لما سمع خطبتها شق عليه مقالتها فصعد المنبر و قال {أيّها الناس ما هذه الرعة إلى كل قاله أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله وسلَّم إلاّ من سمع فليقل و من شهد فليتكلم إنَّما هو ثعالة شهيدة ذنبه مرب لكل فتنه هو الذي يقول كروها جذعة بعد ما هرمت يستعينون بالضعفة و يستنصرون بالنساء..}
أقول:- اما الرعة بالتخفيف أي الاستماع و الإصغاء و القالة القول و ثعالة اسم الثعلب ولكن:-
كل ذلك يتعاكس مع الفرض الآخر و هو مطالبه فدك (و هو المطالبة للولاية في لباس آخر) فارجاع فدك إليها يعنى التخلي عن الولاية و الخلافة و هو المطلوب الأول. و عدم إرجاعها إليها يعنى أنهم غصبوا حقها المسلم و الواضح عند كل المسلمين أنَّ الغاصب لا يليق بالحكم فكيف لو كان من ابنة رسول الله { أخلست الزهراء!}
إنَّ الكلمة الآتية كلمة عليٌّ عند دفنه الزهراء .
ويظهر للمتأمِّل فيها أمورٌ كثيرةٌ وحوادث جليلة وكأنَّه أراد بيانها ضمن السلام لتبقى مدى الدهر. ونحن ننقل النصّ الذي نقله المحدِّث الكليني رضوان الله تعالى عليه حيث يقول:-
(احمد بن مهران رحمه الله رفعه و احمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار الشيباني قال حدثني القاسم بن محمد الرازي قال حدثنا على بن محمد الهرمزانى عن أبي عبد الله الحسين بن على قال لما قبضت فاطمة دفنها أمير المؤمنين سراً وعفا على موضع قبرها ثم قام فحول وجهه الى قبر رسول الله وسلَّم فقال السلام عليك يا رسول الله عنِّي و السلام عليك عن ابنتك و زائرتك..إلى أن قال:-
قد استرجعت الوديعة و أُخذت الرهينةُ و أُخلست الزهراء فما اقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله أمّا حُزني فسرمد و أما ليلي فمسهد و هم لا يبرح من قلبي أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم كمد مقيح و هم مهيج سرعان ما فرق بيننا و إلى الله أشكو و ستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال و استخبرها الحال فكم من غليل معتلجٍ بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا و ستقول و يحكم الله و هو خير الحاكمين سلام مودع لا قال و لا سئمٍ فإن انصرف فلا عن ملالة و إن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين واه واها و الصبر ايمن و اجمل و لو لا غلبه المستولين لجعلت المقام و اللبث لزاما معكوفاً و لأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية فبعين الله تدفن ابنتك سرا و تهضم حقها و تمنع ارثها و لم يتباعد العهد و لم يخلق منك الذكر و إلى الله يا رسول الله المشتكى و فيك يا رسول الله احسن العزاء صلى الله عليك و و الرضوان)
{ مرضت فاطمة مرضا شديدا و مكثت أربعين ليله في مرضها إلى أن توفيت صلوات الله عليها فلما نعيت إليها نفسها دعت أم ايمن و أسماء بنت عُميس و وجهت خلف على و أحضرته فقالت يا ابن عم انه قد نعيت إليَّ نفسي و إنِّي لا أرى ما بي إلاّ أنَّني لاحق بأبي ساعة بعد ساعة و أنا أوصيك بأشياء في قلبي قال لها على أوصيني بما أحببت} مفاجأة:-
فما هي الحيلة التي ينبغي أن يتخذها الخليفة لإسكات بنت رسول الله ليس هناك حل إلاّ الضرب و الجرح و الحرق و من ثم القتل و الشهادة و هذا الأمر هو الذي سوف يفضح الخليفة و من تبعه و شايعه كما فضحهم بين الأشهاد حين مارسوا ذلك فضيحة لا خلاص منها إلى يوم القيامة.
{الهدف = السكوت + الصراخ}
و بالفعل قد تحقق الهدف المطلوب من هذا السكوت و ذلك الصراخ فبقي الإسلام و القرآن كأطروحة حديثة في صون من شر الجاهلية الثانية و انكشفت جرائم من أراد بالإسلام سوءا و ذلك بعد استشهاد بنت الرسول على أيديهم وهي مبغضة لهم غير راضية عنهم بصريح الأحاديث الكثيرة التّي نقلها الجمهور منها:-
{حدثني محمد بن رافع أخبرنا حجين حدثنا ليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها أخبرته أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المال وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك قال فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها علي الخ}
بقيت أطروحة الولاية ثابتة كأطروحة ليست إلاّ و أخذ الخلَّص من الموالين لأهل البيت يترصدون الفرصة المناسبة لتنفيذ تلك الأطروحة المباركة أعنى الولاية و بدأ مفهوم الإنتظار يترسخ في قلوب الشيعة المخلصين حتى صار أفضل عبادة . .و كان هو المطلوب هذا:- وقد استمرت غربة الإسلام المحمدي الأصيل أي إسلام الغدير قرون متوالية ومرّ على المؤمنين وفي طليعتهم أئمة الشيعة ظروفٌ صعبة إلى الغاية وضحوا ما ضحوا من الأموال والأنفس الطاهرة ،كل ذلك لأجل الحفاظ على أصالة الإسلام المحمدي (الذي هو إسلام الرفض) ومن منطلقه تبلورت مدرسة الإنتظار و الترقب تلك المدرسة التي تمتلك روحية الانتقام و أخذ الثأر إلى أن يأتي صاحبه ولي العصر .
ومن الواضح أئمتنا كلهم كانوا يعيشون منتظرين للفرج ويحرضون أصحابهم أيضاً على ذلك وهم مع ذلك كانوا يسعون عملا للتمهيد لتلك الدولة المباركة المأمولة أعني دولة المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف ولأجل تثبيت هذه النظرية الإسلامية في ضمائر المؤمنين كنظرية يجب الإعتقاد بها ويجب الترصدّ إليها حتَّى يخرج من يُحقِّقها ويجتني ثمارها ، مرّت على المؤمنين ظروفٌ صعبة للغاية.
وقد حقق أئمتنا ذلك الهدف ضمن مجالين :-
الأول: تربية نخبة من المؤمنين الخُلَّص في كل عصر لا أعني من الخُلَّص ما يستنبطه البعض من الكلمة بل أعني أولئك الذين قد فهموا الإسلام- بمعنى الكلمة -حقّاً فهم بطبيعة الحال الغرباء بين الصديق والعدوّ وهم الحجة علي الآخرين وإن كان عددهم لا يتعدّى أصابع اليد في أكثر الأزمنة.والجدير أن التأريخ يذكرهم بأسمائهم و أوصافهم
الثاني:تثبيت الإسلام الخالص صريحا أو إيماءً ضمن التراث العظيم من الأحاديث الذي حافظ عليها السلف الصالح بقدر الإمكان حرفاً بحرف وحيث لم يكن بإمكانهم فهمها فضلاً عن العمل بها لربما غفلوا عن محتواها أو فسروها تفسيرا غير مرضيٍّ.
هذا وأستمرَّ هذا الوضع إلى أن انتهى عصر الغيبة الصغرى للمهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف وبدأت الغيبة الكبرى وهو عصر اليُتم و انتظار فرج آل محمَّد .
ندعو الله سبحانه أن يجعلنا من المنتظرين الحقيقيين لوليِّه المهدي المنتظر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء انتهيت من كتابة هذه الكلمة في ليلة الأربعاء 8ربيع الأوَّل 1417ليلة استشهاد الإمام الحسن العسكري عليه أفضل الصلاة والسلام .منقول من موقع الكوثر يمكن الإطلاع على الموضوع الأصلي عن طريق الرابط التالي http://www.al-kawthar.com/read.php?id=40&ct=14