اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين ابي القاسم محمد واله الطيبين الطاهرين
أن الكمال كل الكمال لكل شخص هو العدل والتوسط في جميع صفاته وافعاله الباطنة والظاهرة، سواء كانت مختصة بذاته أو متوسطة بينه وبين أبناء نوعه، ولا تحصل النجاة والسعادة إلا بالاستقامة على وسط الاشياء المتخالفة، والتثبت على مركز الاطراف المتباعدة. فكن يا حبيبي جامعاُ للكمالات، متوسطاً بين مراتب السعادات، ومركزاً لدائرة نيل الافاضات. فكن أولا متوسطاً بين العلم والعمل جامعاً بينهما بقدر الامكان ولا تكتف بأحدهما حتى لاتكون واحداً من الرجلين القاصمين لظهر فخر الثقلين (ص). وكن في العمل متوسطاً بين حفظ الظاهر والباطن، فلا تكن في باطنك خبيثاً وظاهرك نقياً، حتى تكون كشوهاء ملبسة بزي حوراء مدلسة بأنواع التدليسات، ولا بالعكس لتكون مثل درة ملوثة بأقسام القاذورات، بل ينبغي ان يكون ظاهرك مرآة لباطنك، حتى يظهر من محاسنك بقدر ما اقتضته ملكاتك الفاضلة الباطنة. وكن في جميع ملكاتك الباطنة وافعالك الظاهرة متوسطاً بين الافراط والتفريط على ما يقرع سمعك في هذا الكتاب، ثم كن في العلوم متوسطاً بين العلوم الباطنة العقلية والعلوم الظاهرة الشرعية، فلا تكن من الذين قصروا انظارهم على ظواهر الآيات ولم يعرفوا من حقائق البينات، يذمون علماء الحقيقة وينسبونهم إلى الالحاد والزندقة، ولامن الذين صرفوا اعمارهم في فضول أهل يونان وهجروا ما جاء به حامل الوحي والفرقان، يذمون علماء الشريعة ويثبتون لهم سوء القريحة، يدعون لأنفسهم الذكاء والفطانة وينسبون ورثة الانبياء إلى الجهل والبطالة. ثم كن في العقليات متوسطاً بين طرق العقلاء من غير جمود على واحدة منها بمجرد التقليد أو التعصب، فتوسط بين الحكمة والكلام والاشراق والعرفان، واجمع بين الاستدلال وتصفية النفس بالعبادة والرياضة، فلا تكن متكلماً صرف لا تعرف سوى الجدل، ولا مشائيا محضا اضاع الدين واهمل ولا متصوفا استراح بدعوى المشاهدة والعيان من دون بينة وبرهان. وكن في العلوم الشرعية متوسطاً بين الاصول والفروع، فلا تكن اخباريا تاركا للقواعد القطعية، ولا اصوليا عاملا بقياسات عامية. وقس على ذلك جميع أمورك الباطنة والظاهرة، وأعمل به حتى يرشدك إلى طريق السداد، ويوفقك لا كتساب زاد المعاد.