وهو من علماء العامة ...
أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( كرم الله وجهه ) قام على المنبر بالكوفة وهو يخطب فقال : بسم اله الرحمن الرحيم ، الحمد لله بديع السماوات والأرض وفاطرها ، وساطح المدحيات ووازرها ، ومطود الجبال وقافرها ، ومفجر العيون ونافرها ، ومرسل الرياح وزاجرها ، وناهي القواصف وآمرها ، ومزين السماء وزاهرها ، ومدبر الأفلاك ومسيرها ، ومقسم المنازل ومقدرها ، ومنشئ السحاب ومسخرها ، وموج الحنادس ومنورها ، ومحدث الأجسام ومقررها ، ومكور الدهور ومكدرها ، ومورد الأمور ومصدرها ، وضامن الأرزاق ومدبرها ، ومحيي الرفاة وناشرها .
أحمده على آلائه وتوفرها ، وأشكره على نعمائه وتواترها .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة تؤدي إلى السلامة ذاكرها ، وتؤمن من العذاب ذاخرها ، وأشهد أن محمدا ( ص ) الخاتم لما سبق من الرسل وفاخرها ، ورسوله الفاتح لما استقبل من الدعوة وناشرها ، أرسله إلى أمة قد شعر بعبادة الأوثان شاعرها ، فأبلغ ( ص ) في النصيحة وافرها ، وأنار منار أعلام الهداية ومنابرها ، ومحا بمعجز القرآن دعوة الشيطان ومكاثرها ، وأرغم معاطيس غواة العرب وكافرها ، حتى أصبحت دعوته الحق بأول زائرها ، وشريعته المطهرة إلى المعاد يفخر فاخرها ( صلى الله عليه وعلى آله الدوحة العليا وطيب عناصرها ) .
أيها الناس سار المثل ، وحقق العمل ، وتسلمت الخصيان ، وحكمت النسوان ، واختلفت الأهواء ، وعظمت البلوى ، واشتدت الشكوى ، واستمرت الدعوى ، وزلزلت الأرض ، وضيع الفرض ، وكتمت الأمانة ، وبدت الجناية ، وقام الأدعياء ، ونال الأشقياء ، وتقدمت السفهاء ، وتأخرت الصلحاء وازور القران ، واحمر الدبران ، وكملت الفترة ، وسدست الهجرة ، وظهرت الأفاطس ، فحسمت الملابس ، يملكون السرائر ، ويهتكون الحرائر ، ويجيؤن كيسان ، ويخربون خراسان ، فيهدمون الحصون ، ويظهرون المصون ، ويفتحون العراق بدم يراق ، فآه آه ، ثم آه آه ، لعريض الأفواه ، وذبول الشفاه . ثم التفت يمينا وشمالا ، وتنفس الصعداء ملالا ، وتأوه خشوعا ، وتغير خضوعا ، فقام إليه سويد بن نوفل الهلالي فقال : يا أمير المؤمنين أنت حاضر بما ذكرت وعالم به ! فالتفت إليه بعين الغضب وقال له : ثكلتك الثواكل ، ونزلت بك النوازل ، يا ابن الجبان الخبائث ، والمكذب الناكث ، سيقصر بك الطول ، ويغلبك الغول ، أنا سر الاسرار ، أنا شجرة الأنوار ، أنا دليل السماوات ، أنا أنيس المسبحات ، أنا خليل جبرائيل ، أنا صفي ميكائيل ، أنا قائد الأملاك ، أنا سمندل الأفلاك ، أنا سرير الصراح ، أنا حفيظ الألواح ، أنا قطب الديجور ، أنا البيت المعمور ، أنا مزن السحائب ، أنا نور الغياهب ، أنا فلك الحجج ، أنا حجة الحجج ، أنا مسدد الخلائق ، أنا محقق الحقائق ، أنا مأول التأويل ، أنا مفسر الإنجيل ، أنا خامس الكساء ، أنا تبيان النساء ، أنا ألفة الايلاف ، أنا رجال الأعراف ، أنا سر إبراهيم ، أنا ثعبان الكليم ، أنا ولي الأولياء ، أنا ورثة الأنبياء ، أنا أوريا الزبور ، أنا حجاب الغفور ، أنا صفوة الجليل ، أنا إيليا الإنجيل ، أنا شديد القوى ، أنا حامل اللوا ، أنا إمام المحشر ، أنا ساقي الكوثر ، أنا قسيم الجنان ، أنا مشاطر النيران ، أنا يعسوب الدين ، أنا إمام المتقين ، أنا وارث المختار ، أنا ظهير الاظهار ، أنا مبيد الكفرة ، أنا أبو الأئمة البررة ، أنا قالع الباب ، أنا مفرق الأحزاب ، أنا الجوهرة الثمينة ، أنا باب المدينة ، أنا مفسر البينات ، أنا مبين المشكلات ، أنا النون والقلم ، أنا مصباح الظلم ، أنا سؤال متى ، أنا ممدوح هل أتى ، أنا النبأ العظيم ، أنا الصراط المستقيم ، أنا لؤلؤ الأصداف ، أنا جبل قاف ، أنا سر الحروف ، أنا نور الظروف ، أنا الجبل الراسخ ، أنا العلم الشامخ ، أنا مفتاح الغيوب ، أنا مصباح القلوب ، أنا نور الأرواح ، أنا روح الأشباح ، أنا الفارس الكرار ، أنا نصرة الأنصار ، أنا السيف المسلول ، أنا الشهيد المقتول ، أنا جامع القرآن ، أنا بنيان البيان ، أنا شقيق الرسول ، أنا بعل البتول ، أنا عمود الاسلام ، أنا مكسر الأصنام ، أنا صاحب الاذن ، أنا قاتل الجن ، أنا صالح المؤمنين ، أنا إمام المفلحين ، أنا إمام أرباب الفتوة ، أنا كنز أسرار النبوة ، أنا المطلع على أخبار الأولين ، أنا المخبر عن وقائع الآخرين ، أنا قطب الأقطاب ، أنا حبيب الأحباب ، أنا مهدي الأوان ، أنا عيسى الزمان ، أنا والله وجه الله ، أنا والله أسد الله ، أنا سيد العرب ، أنا كاشف الكرب ، أنا الذي قيل في حقه " لا فتى إلا علي " أنا الذي قال في شأنه " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " ، أنا ليث بني غالب ، أنا علي بن أبي طالب .
قال : فصاح السائل صيحة عظيمة وخر ميتا .
فعقب أمير المؤمنين ( كرم الله وجهه ) كلامه بان قال : الحمد لله بارئ النسم ، وذارئ الأمم والصلوات على الاسم الأعظم ، والنور الأقدم ، محمد وآله وسلم .
ثم قال : سلوني عن طرق السماء فاني أعلم بها من طرق الأرض ، سلوني قبل أن تفقدوني ، فان بين جنبي علوما كثيرة كالبحار الزواخر .
فنهض إليه الرسخ من العلماء ، والمهرة من الحكماء ، وأحدق به الكمل من الأولياء والندر من الأصفياء ، يقبلون مواطئ قدميه ، ويقسمون بالاسم الأعظم عليه ، بان يتم كلامه ، ويكمل نظامه .
فقال بحر الراسخين ، وحبر العارفين ، الامام الغالب علي بن أبي طالب ( كرم الله وجهه ) : يظهر صاحب الراية المحمدية ، والدولة الأحمدية ، القائم بالسيف " والحال الصادق في المقال ، يمهد الأرض ، ويحيى السنة والفرض .
ثم قال : أيها المحجوب عن شأني ، الغافل عن حالي ، إن العجائب آثار خواطري ، والغرائب أسرار ضمائري ، لأني قد خرقت الحجاب ، وأظهرت العجاب ، وأتيت بالباب ، ونطقت بالصواب ، وفتحت خزائن الغيوب ، وفتقت دقائق القلوب ، وكنزت لطائف المعارف ، ورمزت عوارف اللطائف ، فطوبى لمن استمسك بعروة هذا الكلام ، وصلى خلف هذا الامام ، فإنه يقف على معاني الكتاب المسطور ، والرق المنشور ، ثم يدخل إلى البيت المعمور ، والبحر المسجور ، ثم أنشد يقول :
لقد حزت علم الأولين وإنني * ضنين بعلم الآخرين كتوم
وكاشفت أسرار الغيوب بأسرها * وعندي حديث حادث وقديم
وإني لقيوم على كل قيم * محيط بكل العالمين عليم
ثم قال : لو شئت لأوقرت من تفسير الفاتحة سبعين بعيرا .
ثم قال : ( ق والقرآن المجيد ) كلمات خفيات الاسرار ، وعبارات جليات الآثار ، ينابيع عوارف القلوب ، من مشكاة لطائف الغيوب ، لمحات العواقب كالنجوم الثواقب ، نهاية الفهوم بداية العلوم ، الحكمة ضالة كل حكيم ، سبحان القديم يفتح الكتاب ، ويقرأ لجواب ، يا أبا العباس أنت إمام الناس ، سبحان من يحيي الأرض بعد موتها ، ويرد الولايات إلى بيوتها ، يا منصور تقدم إلى بناء السور ، ذلك تقدير العزيز العليم .