اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين ابي القاسم محمد واله الطيبين الطاهرين
بالسند المتصل الى محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبان ، عن حكيم ، قال : «سالت ابا عبد الله ـ ـ عن ادنى الإلحاد ، فقال : الكبر ادناه»
يقول الشيخ النراقي في تعريف الكبر
انه الركون إلى رؤية النفس فوق الغير، وبعبارة أوضح: هو عزة وتعظيم يوجب رؤية النفس فوق الغير
ويقول السيد الامام
الكبر عبارة عن حالة نفسية تجعل الانسان يترفع ويتعالى على الآخرين . ومن اماراته تلك الاعمال التي تصدر عن الانسان ، والآثار التي تبدو منه بحيث يقال عنه انه متكبر انتهى.
اعلم ان الصفات النفسانية ، سواء اكانت من صفات النقص والرذيلة ام من صفات الكمال والفضيلة ، فانها دقيقة ومبهمة جدا . ولهذا فان التمييز بينها والتعرف عليها يكون في غاية الصعوبة
لابد ان نعرف ان للكبر درجات كالتي ذكرناها للعجب ، وتضاف اليها درجات اخرى كانت في العجب ايضا ، ولكنها لم تكن هناك مهمة فلم نذكرها ويكون ذكرها هنا مهما فنقول :
اعلم ان للكبر ، من منظور آخر ، درجات :
الاولى : التكبر على الله تعالى .
الثانية : التكبر على الانبياء والرسل والاولياء صلوات الله عليهم .
الثالثة : التكبر على اوامر الله تعالى ، وهذا يرجع الى التكبر على الله .
الرابعة : التكبر على عباد الله تعالى ، وهذا ايضا يراه اهل المعرفة راجعا الى التكبر على الله .
اما التكبر على الله فهو اقبحها واشدها هلكة وياتي على راس درجات الكبر ، وتراه في اهل الكفر والجحود ومدّعي الالوهية ، وقد تراه احيانا في بعض اهل الدين مما ليس من المناسب ذكره . وهذا هو منتهى الجهل وعدم معرفة «الممكن» حدود نفسه ، وعدم معرفة مقام «واجب الوجود» .
واما التكبر على الانبياء والاولياء ، فكثيرا ما كان يحصل في زمان الانبياء . قال تعالى على لسانهم :
«... انؤمن لبشرَين مثلنا ...»
ويقول الشيخ النراقي في ذم الكبر
ولذا ورد في ذمه ما ورد من الآيات والاخبار، قال الله سبحانه:
" وكذلك يطبع الله على كل قلبٍ متكبر جبار وقال: " سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون وقال: " والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم... إلى قوله: وكنتم عن آياته تستكبرون وقال: " ادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين وقال: " فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرةٌ وهم مستكبرون وقال: " إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين وقال: " إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه
وقال رسول الله : "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر وقال: " من تعظم في نفسه واختال في مشيته، لقي الله وهو عليه غضبان ". وقال : " لا ينظر الله إلى رجل يجر ازاره بطراً ". وقال : " قال الله. الكبرياء ردائي والعظمة ازارى، فمن نازعني في واحد منهما ألقيته في جهنم ". وقال : " لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين، فيصيبه ما أصابهم من العذاب ". وقال : " يخرج من النار عنق له اذنان تسمعان وعينان تبصران ولسان ينطق، يقول وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلهاً آخر، وبالمصورين ". وقال : " لا يدخل الجنة جبار، ولا بخيل، ولا سيء الملكة ". وقال : " ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر اليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك جبار، ومقل مختال ". وقال : " بئس العبد عبد تجبر واعتدى ونسى الجبار الاعلى، بئس العبد عبد تبختر واختال ونسى الكبير المتعال، وبئس العبد عبد غفل وسها ونسى المقابر والبلى، بئس العبد عبد عتا وبغى ونسى المبدأ والمنتهى ". وقال : "ألا اخبركم بأهل النار: كل عتل جواظ جعظرى متكبر وقال : " ان أبغضكم الينا وابعدكم منا في الاخرة الثرثارون المتشدقون المتفيهقون " أي المتكبرون. وقال : " يحشر المتكبرون يوم القيامة في مثل صور الذر، تطأهم الناس ذراً في مثل صور الرجال، يعلوهم كل شيء من الصغار، ثم يساقون إلى سجن في جهنم يقال له (يولس)، تعلوهم نار شر أنيار يسقون من طينة الخبال وعصارة أهل النار ". وقال : " يحشر الجبارون والمتكبرون يوم القيامة في صور الذر تطأهم الناس لهوانهم على الله تعالى "، وقال: " ان في جهنم وادياً يقال له (هبهب)، حق على الله ان يسكنه كل جبار "، وقال: " ان في النار قصراً يجعل فيه المتكبرون ويطبق عليهم "، وقال: " إذا مشت امتى المطيطاء وخدمتهم (فارس) و(الروم) سلط الله بعضهم على بعض "، والمطيطاء: مشية فيها اختيال. وقال عيسى بن مريم: " كما ان الزرع ينبت في السهل ولا ينبت على الصفاء، كذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبر، ألا ترون انه من يتشمخ برأسه إلى السقف شجه، ومن يطأطىء أظله وأكنه ". ولما حضرت نوحا الوفاة، دعا ابنيه فقال: " إني آمركما باثنتين وأنهاكما عن اثنتين: أنهاكما عن الشرك والكبر وآمركما بلا إله إلا الله وسبحان الله وبحمده". وقال سليمان بن داود يوماً للطير والجن والانس والبهائم: " اخرجوا، فخرجوا في مائتي الف من الانس ومائتى الف من الجن، فرفع حتى سمع زجل الملائكة بالتسبيح في السماوات، ثم خفض حتى مست اقدامه البحر، فسمع صوتاً يقول: لو كان في قلب صاحبكم مثقال ذرة من كبر لخسفت به أبعد مما رفعته.
وقال الباقر : " الكبر رداء الله، والمتكبر ينازع الله رداءه ". وقال: " العز رداء الله والكبر ازاره، فمن تناول شيئاً منه أكبه الله في جهنم " وقال الصادق : " إن في جهنم لوادياً للمتكبرين يقال له (سقر) شكى إلى الله شدة حره وسأله ان يأذن له ان يتنفس، فتنفس فاحرق جهنم ". وقال : " ان المتكبرين يجعلون في صور الذر، يتوطأهم الناس حتى يفرغ الله من الحساب ". وقال : " مامن رجل تكبر أو تجبر إلا لذلة وجدها في نفسه "، وقال : " ان في السماء ملائكة موكلين بالعباد، فمن تواضع رفعاه، ومن تكبر وضعاه ". وقال : " الجبار الملعون من غمض الناس وجهل الحق "، قال الراوي: اما الحق فلا أجهله، والغمض لا أدري ماهو قال: " من حقر الناس وتجبر عليهم فذلك الجبار ". وقال : " ما من عبد إلا وفي رأسه حكمة وملك يمسكها، فإذا تكبر قال له: اتضع وضعك الله، فلا يزال أعظم الناس في نفسه وأصغر الناس في أعين الناس، وإذا تواضع رفعها الله ـ عز وجل ـ ثم قال له: انتعش نعشك الله، فلا يزال اصغر الناس في نفسه وارفع الناس في أعين الناس ".
ويقول السيد الامام في كتاب الاربعون
للكبر اسباب عديدة ترجع كلها الى توهم الانسان الكمال في نفسه ، مما يبعث على العجب الممزوج بحب الذات ، فيحجب كمال الآخرين ويراهم ادنى منه ، ويترفع عليهم قلبيا او ظاهريا . فمثلا ، قد يحصل بين علماء العرفان ان يتصور احدهم نفسه من اهل العرفان والشهود ومن اصحاب القلوب والسوابق الحسنى ، فيترفع على الآخرين ويتعاظم عليهم ، ويرى ان الحكماء والفلاسفة سطحيون ، وان الفقهاء والمحدثين لا يتجاوزون الظاهر في نظراتهم ، وان سائر الناس كالبهائم . وينظر الى عباد الله بعين التحقير والازدراء ، ويذهب هذا المسكين ينمق الحديث عن الفناء في الله والبقاء بالله ، ويدق طبول التحقق ،
مع ان المعارف الالهية تقضي بحسن الظن بالكائنات ، فلو انه كان قد تذوق حلاوة المعرفة بالله لما تكبر على مظاهر جمال الله وجلاله بحيث انه في مقام العلم والبيان يصرح خلاف حاله ، ولكن الحقيقة هي ان هذه المعارف لم تدخل قلبه ، بل ان هذا المسكين لم يبلغ حتى مقام الايمان ولكنه يتشدق بالعرفان ، ومن دون ان يكون له حظ من العرفان يتحدث عن مقام التحقق
وفي علاج الكبر يقول الشيخ النراقي
ومن المعالجات المختصة بالكبر: ان يتذكر ما ورد في ذمه من الآيات والاخبار المذكورة وغيرها، ويتأمل فيما ورد في مدح ضده ـ اعني التواضع كما يأتي. ولكون الكبر مشتملا على شيء زائد على العجب هو رؤية النفس فوق الغير، فينبغي ان يعلم ان الحكم بخيرية نفسه من الغير غاية الجهل والسفاهة، فلعل في الغير من خفايا الأخلاق الكريمة ما ينجيه، وفيه من الملكات الذميمة ما يهلكه ويرديه. وكيف يجتريء صاحب البصيرة ان يرجح نفسه على الغير، مع ابهام الخاتمة وخفاء الأخلاق الباطنة واشتراك الكل في الانتساب إلى الله تعالى،
ويقول السيد الامام في علاجه ايضا
بعدما عرفت مفاسد الكبر ، فحاول ان تعالج نفسك مشمرا عن ساعد الجد للبحث عن العلاج ، واشحذ همتك لتطهير القلب من هذا الدرن ، وازل الغبار والاتربة عن مرآته . فاذا كنت ممن قويت نفوسهم ، واتسعت صدورهم ، ولم يتجذر حب الدنيا في قلبك ، ولم يبهرك زبرجها وزخرفها ، وكانت عين انصافك مفتوحة ، فان الفصل السابق خير علاج علمي لك . واذا لم تكن قد دخلت هذه المرحلة ، ففكر قليلا في حالك ، فلعل قلبك يصحو .
فيا ايها الانسان الذي لم تكن شيئا في اول امرك ، وكنت كامنا في دهور العدم والاباد غير المتناهية ، ما هو الاقل من العدم واللاشيء على صفحة الوجود ؟ ثم لما شاءت مشيئة الله ان يظهرك ، الى عالم الوجود فمن جراء قلة قابليتك الناقصة وتفاهتك وضعتك وعدم اهليتك لتقبل الفيض ، أخرجك من هيولى العالم ـ المادة الاولى ـ الذي لا يكون سوى القوة المحضة والضعف الصرف ، الى صورة الجسمية والعنصرية ، التي هي اخس الموجودات واحط الكائنات ، ومن هناك اخرجك نطفة لو مستها يدك لاستقذرتها وتطهرت منها ، ووضعك في منزل ضيق رجس هو خصيتي الاب ، واخرجك من مجرى البول في حالة مزرية قبيحة ، وادخلك في رحم الام من مكان تنفر من ذكر اسمه . وهناك حولك الى علقة ومضغة ، وغذاك بغذاء يزعجك سماع اسمه ويخجلك . ولكن بما ان الجميع هذا هو حالهم وتلك هي بليتهم ، زال الخجل «والبلية اذا عمت طابت
والحمد لله رب العالمين
كتاب الاربعون حديثا للسيد الامام
كتاب جامع السعادات ج1للشيخ النراقي
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السلام عليكم أخي الكريم مأجور وفي ميزان حسناتك , وهذه الآفة بالنسبة لي ورأي أنها مرض ووباء كبير لصاحبه , وأنا فعلا أستغرب بأصحاب هذه البلية كيف يعاملون الآخرين على أنهم ... لا شيئ ...