اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن عدوهم .
الجبارون ومشاريع الجبارين الذين عاصرهم الإمام (ع)
عاصر الإمام (ع)سنوات حكم يزيد بن معاوية ، ومروان بن الحكم ، وعبد الملك الذي توفي سنة86 ، وأبناء عبد الملك: الوليد قاتل الإمام زين العابدين (ع)سنة94 ، وتوفي الوليد سنة96 ، ثم سليمان ، وتوفي سنة99 ، ثم عمر بن عبد العزيز وتوفي سنة101، ثم يزيد بن عبد الملك وتوفي105 .
كما أدرك الإمام الباقر (ع) تسع سنين من حكم الطاغية هشام بن عبد الملك ، الذي ارتكب جريمة قتل الإمام (ع)سنة114 ، ثم هلك هشام سنة125، وبعد سبع سنوات من هلاكه انهار النظام الأموي بثورة العباسيين .
ونقصد بمشاريع الجبابرة: الشخصيات التي كانت تعمل للثورة على بني أمية وأخذ السلطة ، وتتبنى نفس منهج بني أمية في قتل من خالفها واضطهاده ، وظلم المسلمين والإستئثار بثرواتهم ! فقد كان شعار يالثارات الحسين (ع)واحترام النص النبوي ، أو احترام إرادة الأمة في اختيار حكامها ، واحترام دمائها وكرامتها وملكيتها وحقوقها الفردية والعامة ورد ظلامات المسلمين الى أهلها ، أموراً غائبةً عن منهج هؤلاء الثوار ، حتى لو رفعوها شعارات لجذب الجمهور المرهق المسكين ! فحكمهم نفس الحكم الجبري الأموي ، وقائدهم طاغ جبار وإن تسمى بخليفة النبي () وانتسب بالقرابة الى النبي () !
هذه نظرة الإمام الباقر (ع)الى مشاريع الثورة على بني أمية ، التي أخذت في عصره تتشكل في حركات سرية ، لكن أخبارها علنية !
كان الإمام (ع)ينظر الى الفقهاء بأنهم مرتزقة غير صادقين فكيف بالسياسيين ! فقد سأله رجل عن مسألة فأجابه الإمام (ع)، فقال الرجل: (إن الفقهاء لا يقولون هذا ، فقال: يا ويحك وهل رأيت فقيهاً قط؟! إن الفقيه حق الفقيه: الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة ، المتمسك بسنة النبي () ).(الكافي:1/70) .
وقد تقدمت تسمية الإمام (ع)لأبي جعفر المنصور بالجبار عندما دخل بعض آل العباس الى المسجد فقال لهم (ع): ما منع جباركم من أن يأتيني؟! فعذَّروه عنده فقال: أما والله لا تذهب الليالي والأيام حتى يملك ما بين قطريها)!(الكافي:8/210) .
وفي دلائل الإمامة للطبري/219، بسند صحيح عن الأعمش (ره)قال: (قال لي المنصور: كنت هارباً من بني أمية أنا وأخي أبو العباس ، فمررنا بمسجد المدينة ومحمد بن علي الباقر جالس ، فقال لرجل إلى جانبه: كأني بهذا الأمر وقد صار إلى هذين ! فأتى الرجل فبشرنا به فملنا إليه وقلنا: يا بن رسول الله ما الذي قلت؟ فقال: هذا الأمر صائر إليكم عن قريب ولكنكم تسيئون إلى ذريتي وعترتي فالويل لكم عن قريب ! فما مضت الأيام حتى ملك أخي وملكتها ).
أقول: كان المنصور عند وفاة الإمام الباقر (ع)في العشرينات من عمره . وكان كغيره من العباسيين تابعين للحسنيين بقيادة كبيرهم عبدالله بن الحسن المثنى، الذي ادعى أن ابنه محمداً هو المهدي ، وأخذ له البيعة منهم بالإمامة والخلافة ! ( قال عمير بن الفضل الخثعمي: رأيت أبا جعفر المنصور يوماً وقد خرج محمد بن عبد الله بن الحسن من دار ابنه ، وله فرس واقف على الباب مع عبد له أسود وأبو جعفر ينتظره ، فلما خرج وثب أبو جعفر فأخذ بردائه حتى ركب ، ثم سوى ثيابه على السرج ومضى محمد . فقلت وكنت حينئذ أعرفه ولا أعرف محمداُ: من هذا الذي أعظمته هذا الإعظام حتى أخذت بركابه وسويت عليه ثيابه؟ قال: أوما تعرفه ؟ قلت:لا . قال: هذا محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، مهدينا أهل البيت).(مقاتل الطالبيين/161).
الجبارون في عصر الإمام الباقر (ع)كالجبارين في عصر هود (ع)
كان الإمام الباقر (ع)أبرز شخصيات بني هاشم ، مُهاباً من الدولة محترماً من أصحاب مشاريع الثورة ، يقوم بثورته على طريقته ، فيرسخ معالم الإسلام كما نزل من عند الله تعالى على جده (ص) ، ويفضح التحريف الحكومي ومؤامرة قريش على أئمة العترة النبوية ، الذين اختارهم الله ورسوله لإمامة الأمة .
لذلك كان منطقه (ع)هادراً قوياً كمنطق نبي الله هود (ع) ، لأن معاصريهما جبابرة أشداء ، فوجب أن يكون منطقهما (عليهما السلام)كاسحاً لأفكارهم الباطلة وغرورهم !
وقوم هود (ع)هم عاد الأولى والثانية ، أصحاب حضارة بعد قوم نوح (ع) وعاصمتهم الأحقاف في اليمن والجزيرة ، وكانوا جبارين ذوي ثروة ، وأجسام ضخمة ، وكان لابد لمنطق نبيهم (ع)أن يتناسب مع حالتهم في القوة والشدة !
قال الله تعالى في سورة الأعراف:قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ . قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ . أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَاتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ . قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِى فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ . فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِين .
وقال تعالى في سورة فُصِّلَتْ:فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ . إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لانْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ . فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَأَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ . فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْىِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ .
وقال في سورة الحاقة: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ . سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ.
والآيات فيهم كثيرة ، وأسوأ منهم الجبارون المعاصرون للنبي () وأهل بيته() ، فهم فراعنة كما قال الله تعالى لهم:إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً.(المزمل:15) ، وقال فيهم النبي () بعد أن اضطروا لخلع سلاحهم وإعلان إسلامهم: (يا معشر قريش لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين ! قد امتحن الله قلبه على الإيمان ! قالوا: من هو يا رسول الله؟ فقال له أبو بكر: من هو يا رسول الله؟ وقال عمر: من هو يا رسول الله؟ قال هو خاصف النعل ، وكان أعطى علياً نعله يخصفها). (الترمذي:5/298، وصححه ، ونحوه أبو داود:1/611 . راجع صراع قريش مع النبي (ص) للمؤلف/50).
وهم أنفسهم الذي جاهدهم علي والأئمة من أبنائه() ! لذلك نرى أن منطق الإمام الباقر (ع)كان معهم قوياً كاسحاً قاصعاً ، كمنطق نبي الله هود (ع) ، وأن أحاديثه تميز بجرأتها وصراحتها في كشف مؤامرة قريش وشرح فريضة ولاية أهل البيت النبوي() والبراءة من ظالميهم وأعدائهم . ولتسميته بالباقر علاقة بذلك ، حيث لبَّد المحرفون سماء ثقافة الأمة بغيوم الجاهلية الأموية واليهودية ، فاحتاجت الى من يبقر العلم ويفجر النور ويبدد غيوم التحريف .