السيرة الذاتية لسيد شهداء المقاومة الاسلامية سماحة السيد عباس الموسوي (قده) - منتديات موقع الميزان
موقع الميزان السلام عليك أيتها الصدِّيقة الشهيدة يا زهراء السيد جعفر مرتضى العاملي
يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذي خَلَقَكِ قَبْلَ اَنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً، وَزَعَمْنا اَنّا لَكِ اَوْلِياءُ وَمُصَدِّقُونَ وَصابِرُونَ لِكُلِّ ما اَتانا بِهِ اَبُوكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاَتى بِهِ وَصِيُّهُ، فَاِنّا نَسْأَلُكِ اِنْ كُنّا صَدَّقْناكِ إلاّ اَلْحَقْتِنا بِتَصْديقِنا لَهُما لِنُبَشِّرَ اَنْفُسَنا بِاَنّا قَدْ طَهُرْنا بِوَلايَتِكِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * صَدَقَ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ – منتديات موقع الميزان للدفاع عن الصدِّيقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها – منهاجنا الحوار الهادف والهادئ بعيداً عن الشتم والذم والتجريح ولا نسمح لأحد بالتعرض للآخرين وخصوصاً سب الصحابة أو لعنهم وهذا منهاج مراجعنا العظام والعلماء الأعلام حفظ الله الأحياء منهم ورحم الماضين
 
اضغط هنا
اضغط هنا اضغط هنا اضغط هنا
اضغط هنا
عداد الزوار
العودة   منتديات موقع الميزان .: الـمـقـاومـة وقـضـايـا السـاعـة :. ميزان أخبار الشيعة والمقاومة الإسلامية أرشيف أخبار المقاومة
منوعات قائمة الأعضاء مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
كاتب الموضوع موالية صاحب البيعة مشاركات 0 الزيارات 1641 انشر الموضوع
   
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع

موالية صاحب البيعة
الصورة الرمزية موالية صاحب البيعة
نائب المدير العام
رقم العضوية : 4341
الإنتساب : Apr 2009
الدولة : جبل عامل
المشاركات : 3,037
بمعدل : 0.52 يوميا
النقاط : 10
المستوى : موالية صاحب البيعة is on a distinguished road

موالية صاحب البيعة غير متواجد حالياً عرض البوم صور موالية صاحب البيعة



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : أرشيف أخبار المقاومة
افتراضي السيرة الذاتية لسيد شهداء المقاومة الاسلامية سماحة السيد عباس الموسوي (قده)
قديم بتاريخ : 30-Jun-2010 الساعة : 06:09 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السيرة الذاتية لسيد شهداء المقاومة الاسلامية
سماحة السيد عباس الموسوي (قده)

الفصل الأول: الولادة والنشأة في بلدة النبي شيت

من البيت الهاشمي


في بيت من بيوت الإيمان والتقى كانت ولادة السيد عباس الموسوي... المنتمي بأبويه إلى بيت النبوة... ولم يكن الارتباط بالبيت النبوي مجرد ارتباط قسريّ... وإنما كان ارتباطاً بالعاطفة والعمل... وبالأخص تلك العلاقة بسيّد الشهداء ... الذي كان يعيش في وجدان الأبوين فكانت الأم تقرأ العزاء بنفسها.. من بيت إلى بيت على حبّ أهل البيت .. وكان الأب يقيم مجالس العزاء كل ليلة جمعة في بيته حيث يحضر هذه المجالس المحبون الذين يتقربون إلى الله تعالى بحب أوليائه.


وعلى هذا المنهج سار هذا البيت الهاشمي الكريم... ورزق بولدين ذكرين تربيا في ذلك الجو المفعم بالعاطفة والحب والولاء... وفي الحمل الثالث... وكان ذلك في أواخر عام 1951وقد أحزن الأم أن مجلس العزاء الذي يقام في البيت لم يحضره إلا نفر قليل... فقالت لزوجها: فكر في إيقاف هذا المجلس لأن العدد الذي يحضر قليل... فقال يجب أن يبقى المجلس حتى ولو لم يحضر إلا شخص واحد... وانتهى الحوار هنا ولكن السيد أبا حسين ينهض من نومه قبيل الفجر على صوت زوجته التي أيقظته وهي تستغفر الله تعالى وتقص على زوجها ما رأت في منامها... حيث دخلت عليها نساء ثلاث... وأقبلن يعاتبنها على ما طلبت منه بشأن إيقاف المجلس... فسألت من أنتن فقلن زينت وسكينة ورقية... أتينا لنقول لك لا تحزني على قلّة الحضور ولا تطلبي من زوجك إيقاف مجلس أبي عبد الله الحسين .. فلو لم يحضر أحد من الناس عندكم فنحن حضَّار هذا المجلس كل ليلة جمعة...


ولم تكن أم حسين بعيدة عن هذه المفاهيم.. فهي تلك المرأة الذاكرة لله تعالى... والتي تعلّم القرآن للنساء في القرية... ففهمت الرسالة وقرأت معانيها بتدبر وعزمت على إكمال ما كانت بدأت به مهما كانت ظواهر الأمور...
وتذهب أم حسين إلى أحد الرجال العلماء الأتقياء في القرية... وكان قد أوتي نصيباً من العلم... وتروي له ما جرى معها فبشرها بالخير.. وبأنها سوف ترزق صبياً وطلب منها أن تطلق عليه اسم عباس... وهكذا حصل. ويرزق الأبوان بهذا الصبي وأطلقوا عليه ذلك الإسم المبارك الذي طالما ذكر في مجالسهم كخير ناصر لخير قضية.



زهادة الطفولة

ويدخل السيّد عباس الموسوي إلى الدنيا طفلاً كبقية الأطفال يلهو ويلعب ولكنه يحمل معاني لا يحملها الأطفال عادة...


فال‏طفل طماع إذا وجد شيئاً عند الغير طمع به حتى ولو كان عنده أضعاف ما عند ذلك الغير... والطفل "عباس" كان زاهداً بما عنده وعند غيره... والطفل ينحاز إلى إخوته وأقاربه مهما حصل فإن اعتدَوا على أحد أو اعتدى أحد عليهم فإنهم معهم... ولا يعرفون للحق معنى وتلك هي الطفولة ويأبى الطفل "عباس" إلا أن يخترق هذه القاعدة أيضاً... فهو مع أخيه طالما أنه كان في موضع المظلوم... حتى إذا تحوَّل أخوه إلى ظالم فهو مع المظلوم حتى ولو كان الثمن هو المواجهة مع أخيه... والطفل عادة يهرب من الأمر المخيف.. بينما هذا الطفل يقتحم الأهوال لكأن معالم السيد عباس "شهيداً" في سن الأربعين قد ارتسمت منذ الصغر... وكأن هذه الأخلاق قد نقشت في القلب الكبير لذلك ال‏طفل الصغير.


خصال الطفولة

إنها عناية الله تعالى التي أودعت هذه الأمانة في تلك البيئة ليكتسب منها الفضائل... ويشب على هذه الخصال ويأخذ ذلك الطفل من الأبوين حبّ أهل البيت .. ويشعر الأبوان بهذه النعمة الكبيرة...


صحيح أنَّهما رزقا مولودين قبله ولكن لهذا الطفل مميزات جعلتهما على ثقة من أن له مستقبلاً مميزاً... وكان لا بد لهذا الطفل من التدرج... وحيث أن المدرسة تشكل حقلاً من حقول التدرج في المجتمع لذلك دخل السيد الصغير إلى مدرسة النبي شيت الرسمية حيث شعر أساتذته بتفوّقه في مجالات العلم والتحصيل، فينال الدرجات الأولى.


ولم يكن تحصيل لقمة العيش أمراً يسيراً بل لا بد من التعب والجد والنشاط... وحيث أن موارد العيش في بلدة النبي شيت كانت قليلة حيث لا يملك الأهل أرضاً ليزرعوها... بل كان الأب يعتمد على عمله اليدوي.


فهو يعمل في البناء منذ كان يافعاً... وبما أن هذا لا يؤمّن معه الوالد مستقبل أولاده... لذلك قرر الأب أن يسافر إلى الكويت ليعمل هناك. وتبقى العائلة في القرية التي كان الأب يأتي إليها في عطلة الصيف ثم يعاود السّفر من جديد حتى سنة 1958حين قرر الأب أن يأخذ معه عائلته إلى الكويت.


وتذهب العائلة إلى تلك البلاد ولكن لسنة واحدة. ثم يرجع الجميع إلى البلدة، ليقرر الأب بعدها الانتقال إلى الشياح في ضاحية بيروت الجنوبية.. وتنتقل العائلة معه إلى ذلك المكان الجديد... لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل حياتهم في بيروت.


ويتابع السيد عباس دراسته في مدرسة الساحل وكعادته كان من المتفوقين خلال سنوات الدراسة حتى انتهى من المرحلة المتوسطة... ولكن لم يكن الدرس والتحصيل وحده يشغل باله ويلقى بظلاله على حياته بل كانت هموم كثيرة لها دورها وذلك بسبب ما لهذه الشخصية من خصال وأوصاف من الصعب بمكان على من كان بهذا العمر أن يتملكها.


بين بيروت والنبي شيت

ولم تكن مجموعة الخصال التي وجدت في هذه الشخصية قد بعثت فيه فجأة وبلا مقدمات، بل إن هذه الأخلاق الكريمة كانت تعيش في داخله منذ أن كان طفلاً يتنقل في طفولته بين موطنه الأصلي في النبي شيت في البقاع وبين السكن الفعلي لأهله في منطقة الشياح في ضاحية بيروت الجنوبية والتي كانت الملاذ لكثير من أهل البقاع والجنوب الذين اضطرتهم مشكلات الحياة إلى النزوح إلى العاصمة من أجل تحصيل لقمة العيش.


وبين بيروت التي كان يعيش فيها طفولته في الشتاء... وبين البقاع، وبالتحديد بلدة النبي شيت التي كان يقضي فيها الصيف والمناسبات... تمكن أن يبني لنفسه منهج حياة... فهو كما ذكرنا نشأ في بيت متدين ملتزم تعرف من خلاله إلى نور الإسلام الذي ملأ قلبه حتى أنار له طريقه إلى النهاية...


ولم يكن الذين تعرفوا إليه وصادقوه وأحبوه لم يكونوا يعلمون عنه من الصفات إلا تلك الصفات التي عرفها عنه كل الناس فيما بعد والتي اكتسبها من خلال فهمه للإسلام وعيشه له، فهو وإن كان طفلاً إلا أنه يفكر بعقل الإنسان الواعي الكبير.. لقد كان يلعب كبقية أقرانه ولكن لم يكن اللعب ليأخذ منه كل وقته بل يع‏طيه ما يستحق من الوقت بحسب حاجات ذلك "الطفل" آنذاك... وهذه المزايا كانت حديث الأقارب والناس الذين عرفوا السيد في ذلك الوقت.. ولئن لم يقدر لنا أن نتعرف عن كثب على تلك المرحلة المهمة من حياته الشريفة فإن سيرة السيد عباس طفلاً كانت موجودة على لسان أقرانه وأقربائه... ويتحدثون بها على أنها أمر متواتر وثابت ولا غبار عليه.


لقد تمكن هذا "ال‏طفل" وببساطة أن يكوِّن شخصيته المميزة بدأً من اهتمامه بالقضايا الكبيرة وعيشه لها إلى علاقاته بأصناف الناس وكأنها مقدمة لأمر كبير سوف يقوم بتحمل أعبائه... إلى ثقة عالية بالنفس نابعة من ثقة كاملة بالله تعالى... إلى اعتقاد بأن التقدم إلى الأمام لا يمكن أن يحصل من خلال الآخرين وإنما الإنسان هو صاحب حركة التغيير في المجتمع (إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).


حلمٌ يفوق الطفولة

لقد تعلم في المدرسة، واكتسب فيها شيئاً من العلم.. ولكنه لم يعتمد على ذلك وحده في حياته، بل أن ما تعلّمه من مدرسة الحياة واكتسبه كان أكبر بكثير مما يمكن لمدارس التعليم أن تع‏طيه لإنسان أو لمجموعة من الناس.


كانت تعيش في نفسه مجموعة تساؤلات يبحث عن أجوبة لها ولم تكن المدرسة وحدها كافية لتجيب عن أسئلته... بل إن كثيراً من هذه الأسئلة كان خارج الإطار الأكاديمي...


لماذا كان هناك حرمان... وهناك أشخاص سلبوا آخرين حقوقهم؟...


لماذا تشرد الفلسطينيون من أرضهم وأين العرب وحكام العرب وأنظمة العرب... وكيف تستطيع شرذمة أن تتسلل في ليل إلى مواقع الأمة فتحتل الأرض من خلال الحديد والنار والإعلام، بعد أن احتلت قلوب الحكام بالمكر والخديعة، وكيف يمكن للأمة أن تنهض من جديد لتنفض عن نفسها غبار السنين المتراكم؟ أو ليست هذه الأمة "خير أمة أخرجت للناس"... فلماذا تعيش هذا الواقع المظلم وهي التي مرت في ذلك الماضي المضي‏ء الذي كانت ترسل فيه الضياء إلى كلّ متلمس وطالب حقيقة ؟ ...


لقد زادت هذه التساؤلات أمام السيد خصوصاً عندما عاشت شعوب العالم العربي ما سمي آنذاك نكسة حزيران عام 1967 كتخفيف لواقع الهزيمة التي حلت بالأنظمة الخاوية وما أفرزته تلك الهزيمة من إحباط على مستوى الشعوب حيث انكشف لهذه الشعوب إفلاس تلك الأنظمة التي كانت قد ملأت الدنيا ضجيجاً وصخباً على المستوى الإعلامي ولكنها في الواقع العملي لم تست‏طع أن تصمد ولو قليلاً أمام المحتل الإسرائيلي.
لقد أورث هذا الواقع السي‏ء مرارة إلى أبناء ذلك الجيل الذين كانوا يحلمون بالتحرير وتكبر أحلامهم يوماً بعد يوم وهم يعيشون تحت تأثير وسائل الإعلام. وبدا الأمر وكأنه يبشر بزوال المحتل الإسرائيلي بين ليلة وضحاها... ولكن خابت الآمال ودفنت الأحلام وعاش أبناء جيل النكسة هماً وكآبة لا يوصفان.


الحلم يتحقق

ولكن في نفس تلك الحقبة كانت بوادر نهضة.. بعيدة عن الحكام والأنظمة وبعيدة عن كل ما هو رسمي... تخرج إلى العلن عبر بدء الاعلان عن عمليات قامت بها مجموعات من أبناء الشعب الفلس‏طيني الجريح.. ضد العدو الإسرائيلي.. واست‏طاعت هذه العمليات أن تخرق حاجز الصمت ورغم كل العوائق است‏طاعت أن تفرض نفسها في واقع الأمة... وتع‏طي في نفس الوقت وبقوة كبيرة لأبناء الجيل اليائسين من الحكام والأنظمة... دفعاً معنوياً شعروا من خلاله بوجودهم من جديد وبأن هناك مجالاً يمكّنهم من أن يقدموا شيئاً لقضيتهم المقدسة ويشعر السيد مع أبناء جيله أنهم جزء من القوة الشعبية التي تتضمن العنفوان وال‏طموحات التي لا يحدها شي‏ء... فسكنت نفسه واطمأن باله ولكن بقي يبحث عن موطى‏ء قدم له في طريق المواجهة.


وإذ أخذت العمليات العسكرية للفلس‏طينيين تتصاعد كان لا بد من تأثير ذلك في أبناء الشعوب المواجهة.. إلى أن حصلت تلك المعركة المشهودة المعروفة بمعركة تلة الأربعين عام 68حيث خاض المجاهدون معركة قاسية وشرسة ضد العدو الإسرائيلي.. وفي هذه المعركة سق‏ط شهيد لبناني هو الشهيد خليل عز الدين الجمل الذي شاركت جماهير كبيرة في تشييعه.


وكانت هذه محطة في حياة السّيد عباس الموسوي الذي شارك في تشييع الشهيد وعاد إلى بيته وهو شديد التأثر، وفي نفسه نتيجة هذا التأثر أن يقاتل كما قاتل خليل الجمل وغيره.. ولكن كيف يمكن له أن يقوم بذلك وهناك موانع كثيرة تحول دون الوصول إلى الهدف.

لقد كانت الخطوة الأولى التي لا بد منها هي القيام بدورة عسكرية.. ولكن أين وكيف؟


لم يكن من الصعب على من يحمل هم قضية أن يصل إلى ما يريد... فإن هكذا تساؤلات قد يصعب الجواب عنها عند من لا يحمل هم قضاياه... فتضيع بين سؤال هنا وسؤال هنا.. ويجد المرء المبررات التي يعتبرها كافية لتسق‏ط عن "كاهله" هذه القضية التي لم يحملها أصلاً.. وإنما حملها شعاراً فحسب أراد أن يقلد من خلاله الآخرين ومضى يبحث عن مبررات للقعود فيما بعد..


... أما حينما يكون الأمر جدياً فإن السؤال يجد له جواباً.. وكان الجواب أن هناك دورات عسكرية تقام في الشام وكان لا بد من السؤال الآخر.. كيف يصل إلى هناك؟


ويذهب السيد عباس مع أحد أصحابه قاصدين الشام... ولكنهما لم يتمكنا من العبور عن نقطة الحدود بسبب المعاملات الرسمية التقليدية.. وحيث لم يسمح لهما بإكمال الطريق، قرر صاحبه الرجوع إلى بيروت.. فيما كانت المجازفة من السيد عباس حين عزم على التوجه إلى الشام عن غير نقطة المصنع فمشى سيراً على قدميه في الجرود القريبة من النقطة بحيث لا يراه أحد وأخذ يجد السير تارة على قدميه وأخرى على متن سيارة عابرة حتى وصل إلى مكانه المحدد.. وهناك توجه ببعض الأسئلة إلى القيمين على الوضع... ثم أبلغهم مقصده... فتم استقباله وبدأ الدورة العسكرية سريعاً.


ولأنه لم يخبر أهله عن مقصده وهدفه.. وحيث لم يرجع السيد عباس كعادته إلى البيت... استبد بهم القلق... ولم يعرفوا طعماً للراحة... سألوا في البداية بعضاً من أبناء المنطقة الذين تربطهم بالسيد عباس علاقة صداقة... فلم يعرفوا عنه شيئاً واستمر القلق لمدة ثلاثة أيام حين أخبرهم صاحبه الذي تركه عند الحدود بما جرى عليه، وأنه الآن في أحد معسكرات التدريب في الشام... فذهبوا إلى هناك.


ولم يكن البحث عنه هناك مسألة يسيرة... بل استمر لفترة ساعات طويلة من مكان إلى مكان وفي ظروف صعبة وشاقة إلى أن اهتدوا إلى مكانه وأسرعوا إلى لقائه.. وإذا به على الفراش وقد ربطت رجله وعلقت إلى أعلى بعد أن لفّت (بالجبس) نتيجة كسر تعرض له في إحدى الحصص التدريبية.. ولم يبد على ذلك الفتى الذي لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره أي شعور بالألم رغم حجم الإصابة أو أي شعور بالغربة رغم المسافة الفاصلة بينه وبين أهله وهو المعروف بالمودة والرحمة تجاههم... وذلك بسبب القضية التي يعيشها والتي جعلت حداً فاصلاً بينه وبين الشعور بالغربة والألم... والندم أيضاً.


... ولم يتحمل الأهل أن يتركوه في تلك الديار... ولم يعد هو بالمقابل يملك من الأمر شيئاً، فحملوه معهم إلى بيروت وبالتحديد إلى مستشفى المقاصد ليكمل علاجه هناك حتى يتم شفاؤه بالكامل.


ويطلب السيد عباس من أبيه أن يأتيه بالصحيفة السجادية للإمام علي بن الحسين زين العابدين .. حيث عاش مع هذه الصحيفة المباركة لحظات شكلت منعطفاً في حالته الإيمانية وعندما شفي جزئياً طلب من أبيه أن يساعده للوصول إلى مسجد الشياح للصلاة وراء الشيخ محمد حسن القبيسي رحمه الله في كل يوم وكان يذهب مع سماحة الشيخ إلى منزله حيث كان عنده مجموعة من الأسئلة يطرحها عليه ويأخذ الجواب. وكان يتلقى عنده بعض العلوم الدينية الأولية.


مع السيد موسى الصدر كان البدء

في تلك الآونة كان هناك نجم بدأ يبزغ في سماء المنطقة.. وكان على قدر طموحات الكثيرين من الذين عاشوا مختلف التجارب المريرة... إنه السيد موسى الصدر الّذي جاء إلى لبنان وإلى مدينة صور بالتحديد ليكمل دوراً كان قد بدأه العلامة المجاهد المقدس السيد عبد الحسين شرف الدين رحمه الله.. صاحب المواقف الجهادية المشهودة والمؤلفات الكبيرة التي أغنت المكتبة الإسلامية.. واستطاع السيد موسى الصَّدر أن يمتلك أسلوباً جديداً في كلامه العذب وخطابه الفريد ونشاطه الاجتماعي المتميز.. جعل أبناء هذا الجيل يشعرون أنهم أمام نمط جديد من العلماء المجاهدين..


لقد رأى السيد عباس في السيد موسى الصدر، ذلك العالم الذي يحمل هم الفقراء والمستضعفين ويعيش آلامهم وآمالهم.. وفي نفس الوقت ينظر إلى القضية الأساس التي أصابت الأمة الإسلامية في الصميم... وهي الوجود الإسرائيلي في فلسطين.. على أنها قضية ينبغي أن تتمحور حولها مختلف قضايانا السياسية والاجتماعية والثقافية والإعلامية... إنه عالم الدين الذين جمع السياسة والدين معاً وليس هو ذلك الإنسان الذي يصلح "للدين" ويترك قضايا الأمة لأصحاب المبادى‏ء المستوردة..


وكان لا بد من التعرف على السيد موسى الصدر... الذي كان من عادته أن يأتي إلى الشياح لزيارة أحد السادة من آل الموسوي. وهو قريب لوالد السيد عباس... فيغتنمها فرصة ويرسل مع والده للسيد موسى أنه يرغب بلقائه والتعلم عنده.. وهكذا حصل وأعجب به عندما التقاه أيما إعجاب... وأعطاه موعداً في صور ليجري له الامتحان، الذي ينجح به ومن خلاله دخل إلى عالم طلب العلوم الدينية بشكل صريح وواضح، بعد أن هيأ ما يلزم من كتب وثياب وطعام للبقاء في مدينة صور والتزود فيها من علوم الإسلام على يد ذلك العالم الجليل.


ومع السيد موسى الصدر بدأت حياة جديدة للسيد عباس الموسوي فإنه الآن يعيش معه عن قرب... لقد كان السيد موسى بالنسبة إليه مصدر اعجاب عندما كان يسمع به أو ينصت إلى خطبة له أو محاضرة... ولكنه الآن عندما أصبح على مقربة منه فهو أشد إعجاباً به من ذي قبل... لأن الإعجاب مع البعد قد يكون ناتجاً عن مؤثرات خارجية... كما يحصل لكثير من الزعماء الذين يعجب بهم الناس من خلال الاعلام... وأما الاعجاب مع القرب فإنه يكون نابعاً من المعرفة العميقة بالشخص... ولا سيما مع شخصية مثل الإمام الصدر الواضح والعميق في آن معاً... ولم يكن السيد عباس بالشخص الذي يحتاج إلى مدة زمنية طويلة ليتعرف على هذه الشخصية الكبيرة ويسبر أغوارها ويأخذ الكثير من الشمائل الحلوة لصاحب هذه الشخصية، وأهمها فهم الناس والتعامل معهم من خلال تلك المعرفة.


... ورغم أن الرحلة إلى صور كانت الرحلة الطويلة الأولى للسيد الموسوي بعيداً عن الأهل... إلا أنه لم يشعر بالوحشة.. بل كانت هذه اللحظات إحدى أفضل لحظات الأنس في حياته... حيث عاش مع الكتاب يدرس ويقرأ ويطالع لا يضجر ولا يمل... منطلقاً من حرص كبير على الوقت حتى لا يذهب سدى.


صحيح أن صور ليست مكاناً بعيداً عن سكن الأهل... إلا أن ما وضعه أمامه من أهداف كان يحتم عليه أن يقضي وقته في المدرسة الدينية.. بين درس وقراءة وتحري بعض الإشكالات وحلها... حتى إذا استعصت عليه مسألة... سعى إلى البحث عنها من خلال تلك الشخصية المحبوبة لديه.


الرسالة الإلهية والشخصية العلمية

وكان أهله هم الذين يسعون إلى زيارته بين حين وآخر حيث كانوا يرون في كل مرة منه خلقاً وعلماً جديدين... جعلاهم يتحملون مرارة البعد عنه وحرارة الشوق إليه... وهو لا يقابلهم إلا بالبر والعطف واللهفة التي كانت تملأ قلبه ويتمنى لو يمكث بينهم أيام حياته كلها... ولكنها الرسالة الإلهية التي حملها أمانة في قلبه وعقله فجعلته يضغط على عواطفه ومشاعره وأحاسيسه.


مع السيد موسى الصدر ومدرسته الدينية رسمت الشخصية العلمية للسيد عباس... ومع السيد موسى الصدر وحركته التبليغية ونشاطه الاجتماعي ورسالته السياسية... رسمت الشخصية العملية له فكانت صور هي المهد لترسيخ القواعد العلمية والعملية في هذه الذات التي سيكون لها شأن كبير في المستقبل.. ولم يكن إعجاب السيد عباس بالإمام الصدر بلا مقابل ومن دون مبادلة... بل كان هناك إعجاب كبير من قبل الإمام بذلك الشاب اليافع حيث كان يتلمس فيه معاني الفضيلة من جهة ومعاني الجهاد والتضحية من جهة أخرى مما دفعه ليعطيه اهتماماً خاصاً استحقه بجدارة لأنه استطاع أن يتجاوز همه الشخصي ليحمل هموماً أكبر بكثير..


ولم يكن الوضع الاجتماعي والثقافي لمدينة صور الساحلية يؤهّلها لتكون مدينة لتلقي العلوم الدينية.. بل كانت في ذلك الوقت مدينة سياحية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من مظاهر بعيدة عن أجواء الالتزام من جهة، ومن جهة أخرى كانت مسرحاً للأفكار العقائدية والاجتماعية التي لا تنسجم مع الإسلام... ومن جهة ثانية هي مدينة يسكنها الكثيرون لطلب الرزق فيها.


ومع ذلك فإن السيد موسى الصدر قد اختار هذه المدينة التي ركّز فيها الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين دعائم حركته الإسلامية الرائدة. فأسس فيها المدرسة الدينية لتكون ممطلقاً للعمل الإسلامي على مستوى المنطقة... فالمدينة تصلح أن تكون ركيزة للعمل التبليغي... وهي في نفس الوقت مقصد ما حولها من القرى مما يجعلها ملتقى للأفكار والمبادى‏ء المتنوعة.


هكذا شاء الإمام الصدر أن يستفيد من هذه المدينة من أجل القيام بأعباء الحركة الإسلامية التي أسسها.


ولئن كان السيد عباس في ذلك الوقت غير قادر على القيام بمهام العمل التبليغي لصغر سنه من جهة ولاستغراقه في التحصيل العلمي من جهة أخرى فإنه تعلم الكثير من مبادى‏ء العمل التبليغي والنشاط السياسي في تلك الفترة التي قضاها في مدينة صور، لتكون ذخيرة في المستقبل.


ولكن كان لا بد للرحلة العلمية أن تكمل طريقها إلى مكان آخر حيث العلم والعلماء... فكان لا بد عند السيد عباس من التوجه إلى النجف الأشرف. وكانت هذه فكرة الإمام الصدر الذي أيقن أنه لا بد من إكمال المسيرة العلمية للسيد عباس وليست صور هي المحطة النهائية لتلك الرحلة العلمية... بل لا بد من الذهاب إلى النجف والتعرف على كل مظاهر العلم في جوار أمير المؤمنين ... فكانت الفكرة التي تم العمل لها.. وقام السيد الصدر وقتها بالكتابة إلى صهره وابن عمه آية الله الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه موصياً إياه بالسيد عباس.
لا تنسوا المجاهدين من دعائكم



إضافة رد



ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


 

 


المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc