اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين..
وبعد..
هل تخلو الأرض من حجة؟ هذا السؤال يطرح نفسه، فقد يأتي على ذهن أحدهم، كيف أن الله تعالى ترك الأرض بدون حجة بعد عيسى «»، ومن هو الذي لولاه لانتهى الخلق بدونه، ومن هو المبلغ بعده حتى وصل الأمر إلى النبي الأعظم محمد «».
وللإجابة على هذا التساؤل، أورد هذه الإجابة لسماحة السيد آية الله جعفر مرتضى العاملي في صدد جوابه على هذا التساؤل في ما يلي:
قال الله سبحانه عن الذين كفروا: ﴿كُلَّمَا ألْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ﴾.
وقال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أمَّةٍ إِلاَ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ﴾.
1 ـ علماً أن هناك روايات كثيرة تدل على أنه قد كان في الفترة فيما بين النبي عيسى () ونبينا الأعظم«»، حجج: أوصياء، وأنبياء أو علماء وقد ذكرت بعضها أسماءهم كما سترى ونذكر من هذه الروايات العامة والمصرحة ببعض أسماء هؤلاء، كما سيأتي:
غاية الأمر أن بعضهم قد يتستر على هذا الأمر، كما هو الحال بالنسبة لأبي طالب () كما سنرى، أو يغيب عن الأنظار كما دلت عليه الروايات أيضاً..
وقد يكون هذا العالم الحجة على الناس داخلاً في جملة أهل الإيمان، حين يكونوا كثيرين.. فلا يميز التاريخ لنا شخصه، ولا يصرح لنا باسمه.
وقد جاء في الروايات: أنه لا تخلو الأرض من حجة لله، إما ظاهر مشهور، وإما غائب مستور..
والأحاديث الدالة على هذا المعنى كثيرة جداً، فلتراجع في مصادرها.
2 ـ وفي نهج البلاغة، أن الإمام علياً «»، قال:
ولم يخل الله سبحانه خلقه من نبي مرسل، أو كتاب منزل، أو حجة لازمة، أو محجة قائمة، رسل لا تقصر بهم قلة عددهم، ولا كثرة المكذبين لهم، من سابق سمى له من بعده، أو غابر عرّفه مَن قبلَه، على ذلك نسلت القرون، ومضت الدهور، وسلفت الآباء، وخلفت الأبناء، إلى أن بعث الله نبيه محمداً «»..
3 ـ ومن الأنبياء الذين تذكر الروايات: أنهم بعثوا قبل رسول الله «»، خالد بن سنان الذي بعث قبل النبي «» بخمسين سنة..
وتذكر الروايات: أنه نبي ضيعه قومه.
4 ـ وأورد في إكمال الدين وإتمام النعمة حديثاً عن النبي «»، ذكر فيه الأنبياء: عيسى، ثم يحيى، ثم العزير، ثم دانيال«»، ، إلى أن قال:
وكانت الفترة بين النبي عيسى«»، ومحمد «»، أربعماية سنة، وثمانين سنة، وأولياء الله يومئذ في الأرض ذرية (أنشوا بن مكيخا) يرث ذلك منهم واحد بعد واحد، ممن يختاره الجبار.
5 ـ وذكر حديثاً طويلاً آخر عن النبي «»، وفي آخره يقول:
وأوصى عيسى إلى شمعون بن حمون الصفا، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريا، وأوصى يحيى بن زكريا إلى منذر، وأوصى منذر إلى سليمة، وأوصى سليمة إلى بردة، ثم قال رسول الله «»، ودفعها إليّ بردة، ودفعتها أنا إليك يا علي.
وستأتي الإشارة إلى أن ذكر يحيى «»ـ إن لم يكن اشتباهاً من الراوي، فإنه جار وفق الرواية التي ذكرها المسعودي من أن يحيى «» قد كان بعد عيسى «»وكذلك الرواية التي رواها الصدوق في إكمال الدين، وهي المتقدمة برقم (4).
6 ـ وحين سئل الإمام الصادق «»، عن المجوس، قال«»: ما من أمة إلا خلا فيها نذير، وقد بعث إليهم نبي بكتاب من عند الله، فأنكروه وجحدوا كتابه..
7 ـ وفي نص آخر: أن عيسى «» قد أوصى إلى شمعون بن حمون «»، فلما مضى شمعون غابت الحجج بعده فاشتد الطلب، وعظمت البلوى الخ..
وغيبة الحجج ليس معناه أنهم لم يكونوا موجودين، بل المراد هو تخفّيهم عن أعين الجبارين، ويوضح ذلك ذيل الرواية التالية:
8 ـ وفي نص آخر عن الإمام الصادق «»، قال: كان بين عيسى «»، وبين محمد «» خمس مئة عام، منها مئتان وخمسون عاماً ليس فيها نبي، ولا عالم ظاهر.
قلت: فما كانوا؟!
قال: كانوا متمسكين بدين عيسى«».
قلت: فما كانوا؟!
قال: مؤمنين.
ثم قال«»: ولا تكون الأرض إلا وفيها عالم.
9ـ قال المسعودي، بعد أن ذكر في كتاب: إثبات الوصية جملة من أحوال المسيح «»:
وأوصى إلى شمعون، وأمرهم بطاعته، وسلم إليه الاسم الأعظم والتابوت، وذكر بعد شمعون يحيى بن زكريا «»، ثم منذر بن شمعون، ثم دانيال، ثم قال: وروي في خبر آخر: أن العزير ودانيال كانا قبل المسيح، ويحيى بن زكريا «»..
10 ـ ومما نذكره هنا. هو أن الروايات قد أشارت إلى أن أبا طالب قد كان من الأوصياء، فقد روي أنه قد قيل لأمير المؤمنين (): من كان آخر الأوصياء قبل النبي «»؟ فقال: أبي.
11 ـ عن درست بن أبي منصور: أنه سأل أبا الحسن الأول ـ الإمام الكاظم «» ـ : أكان رسول الله «» محجوجاً بأبي طالب؟ فقال: لا. ولكنه كان مستودعاً للوصايا، فدفعها إليه.
فقال: قلت: فدفع إليه الوصايا على أنه محجوج به؟!..
فقال: لو كان محجوجاً به ما دفع إليه الوصية.
قال: قلت: فما كان حال أبي طالب؟!..
قال: أقر بالنبي وبما جاء به، ودفع إليه الوصايا، ومات من يومه..
وإذا كان أبو طالب من الأوصياء فكيف يكون حال عبد المطلب أيضاً الذي يحشر وعليه هيبة الملوك، وسيماء الأنبياء..
12 ـ قال الصدوق في هذا الكتاب يعني الفترة: إنه لم يكن بينهم رسول، ولا نبي، ولا وصي ظاهر مشهور، كمن كان قبله. وعلى ذلك دل الكتاب المنزل: إن الله عز وجل بعث محمداً «» على حين فترة من الرسل، من الأنبياء والأوصياء. ولكن قد كان بينه وبين النبي عيسى «»، أنبياء وأئمة مستورون خائفون، ومنهم خالد بن سنان العبسي نبي، لا يدفعه دافع، ولا ينكره منكر، لتواطي الأخبار بذلك عن الخاص والعام، وشهرتهم عندهم؛ وكان بين مبعثه ومبعث نبينا «» خمسون سنة.
وبعدما تقدم نقول:
إن كان ثمة من فترة فيما بين عيسى «»، ونبينا الأعظم «»، فإنما هي فترة انقطاع الرسل..
أما الأنبياء فكانوا يبعثون، وأما الأوصياء فكانوا موجودين أيضاً، يحضرون أو يغيبون، حسبما تقتضيه الأمور..
بل قد يقال: إن المراد بالفترة، هي فترة غيبة أولئك الأوصياء، حينما كان يستفحل فيها الفساد والانحراف.
وعلى كل حال، فإن هناك أحاديث أخرى رواها السنة والشيعة، تدخل في هذا السياق، غير أننا نكتفي نحن هنا بهذا القدر..
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..