اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
يقول السيد صاحب الميزان
(ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) كناية عن امتناع الجمع بين المتنافيين في الاعتقاد فان القلب الواحد أي النفس الواحدة لا يسع اعتقادين متنافيين ورأيين متناقضين فان كان هناك متنافيان فهما لقلبين وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه فالرجل الواحد لا يسعه أن يعتقد المتنافيين ويصدق بالمتناقضين وقوله: (في جوفه) يفيد زيادة التقرير كقوله: (ولكن تعمى القلوب التى في الصدور) الحج: 46. قيل: الجملة توطئة وتمهيد كالتعليل لما يتلوها من الغاء أمرالظهار والتبنى فان في الظهار جعل الزوجة بمنزلة الام وفى التبني والدعاء جعل ولد الغير ولدا لنفسه والجمع بين الزوجية والامومة وكذا الجمع بين بنوة الغير وبنوة نفسه جمع بين المتنافيين ولا يجتمعان الا في قلبين وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعز المرسلين، سيدنا وشفيع ذنوبنا، أبو القاسم محمد بن عبد الله، وعلى آله الأطهار وصحبه المنجبين..
أما بعد..
الأخت العزيزة ﴿جارية العترة﴾
أشكر لك هذا النوع من الأسئلة إذ في هذا حث على البحث ودافع لمزيد من المعرفة..
ولكي نعلم ما هو المقصود بقوله تعالى: ﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾.
علينا أولاً أن نقسم البحث إلى قسمين:
الأول: وهو المعنى الظاهر للآية، والمعنى الآخر الذي أردانا أهل البيت «» أن نعرفه.
وقبل هذا وذاك علينا أن نعرف ظروف نزول قوله تعالى: ﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾.
وقد ورد في مناسبة النزول لهذه الآية الكريمة:
أن جميل بن معمر الفهري كان حفيظاً لما يسمع ويقول : إن في جوفي لقلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد، فكانت قريش تسميه ذا القلبين فتلقاه أبو سفيان يوم بدر وهو آخذ بيده إحدى نعليه والأخرى في رجله فقال له: يا أبا معمر ما الخبر؟
قال: انهزموا.
قال: فما حال نعليك؟
قال: ما شعرت إلا إنها في رجلي لهيبة محمد، فنزل قوله تعالى: ﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾.
أما عن معنى هذه الآية والذي فسره أصحاب السير والسلوك إلى الله عز وجل.. أن هذه الآية تكون:
في مرتبة الحب لله تعالى:
فقالوا ـ وكلام لأصحاب السير والسلوك ـ : " إن علاج النفس تارة يكون بإيجاد المانع فيها من فعل الذنوب كأن يخوّف الإنسان نفسه بالنار وغضب الجبار، ففي هذه الحالة يكون الدافع إلى الذنب موجوداً في النفس إلا أنه هنالك مانع من الوقوع فيه وهو ما ذكرناه من الخوف وغيره من الموانع، وتارة يكون علاجها بإلغاء الدافع أساساً بحيث لا تطلب النفس الذنب إذ لا رغبة لها فيه، والطريقة الأولى هي من خصائص المسالك الأخرى لا مسلك الحب الإلهي أما الطريقة الثانية وهي قلع الدوافع من النفس فهي من مختصات مسلك الحب الإلهي ولهذا المسلك والطريق ركنان أساسيان:
الأول: ركن المعرفة والعلم بأن يصل الإنسان من خلال علمه إلى مرحلة يدرك فيها معنى التوحيد بكل أبعاده ومن خلال هذه المعرفة بالتوحيد لا يبقى أي موضوع لهذه الرذائل، ولن يتوجه بعد ذلك إلى الناس، ولا يطمع بما في أيديهم، لأنه يعرف حق المعرفة أن الغني منهم لا يملك ولا يعطي ولا يمنع إلا بإذن الله تعالى فلا يرجوه ولا القوي منهم خارج عن قوة الله فلا يخاف منه، وغيرها من المعاني.
ولقد كان الإمام الخميني (قده) من المصاديق البارزة في هذا المضمار من الإيمان إذ لم يخف طواغيت العالم بل خاف مالك الملوك وجبار الجبابرة فأخاف الله تعالى منه طواغيت الأرض.
الثاني: ركن العمل إذ مجرد العلم لا يكفي في هذا المجال، فبعد أن يتعلم الإنسان التوحيد يجب أن يكون توحيده عملياً لا نظرياً فحسب، والطريق إلى التوحيد العملي حب الله تعالى، فإن الإنسان إذا أحب شيئا أطاعه وعبده، بل إن من آثار الحب الطاعة والتسليم.
وخلاصة الأمر أن على الإنسان أن يجعل قلبه متعلقاً بالله تعالى وحده قال تعالى: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾.
إذ لا يجتمع حب الله تعالى وحب الدنيا في قلب واحد، وإذا حصلت المحبة في قلب الإنسان لله أخذ إيمانه في الاشتداد والازدياد وانجذبت نفسه إلى التفكير في ناحية ربه، واستحضار أسمائه الحسنى، وصفاته الجميلة المنزهة عن النقص والشين ولا تزال تزيد نفسه انجذاباً، وتترقى مراتبه حتى صار يعبد الله كأنه يراه...
فيأخذ الحب في الاشتداد لأن الإنسان مفطور على حب الجميل، وقد قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ امَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه﴾.
وصار يتبع الرسول «» في جميع حركاته وسكناته لأن حب الشيء يوجب حب آثاره، والرسول «» من آثاره وآياته، كما أن العالم أيضاً آثاره وآياته تعالى، ولا يزال يشتدُّ هذا الحب ثم يشتد حتى ينقطع إليه من كل شيء، ولا يحب إلا ربه، ولا يخضع قلبه إلا لوجهه، فان هذا العبد لا يعثر بشيء، ولا يقف على شيء وعنده شيء من الجمال والحسن إلا وجد أن ما عنده أنموذج يحكي ما عند الله من كمال لا ينفد وجمال لا يتناهى وحسن لا يحد، فله الحسن والجمال والكمال والبهاء، فيستولى سلطان الحب على قلبه". انتهى
وأما القول الثاني:
فهو للذين وجدوا الحلاوة في ذكر الله وعبادته، وقد أوردوا الحديث المروي عن رسول الله «» لكي يبنوا ما هو معنى قوله تعالى: ﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾.
فقد روي أن النبي «» قال عن الله عز وجل: قال الله عز وجل لا اطلع على قلب عبد، فأعلم منه حب الإخلاص لطاعتي لوجهي، وابتغاء مرضاتي، إلا توليت تقويمه وسياسته، ومن اشتغل في صلاته بغيري، فهو من المستهزئين بنفسه، ومكتوب اسمه في ديوان الخاسرين.
وقد جاء بالتفسير أن حب الله وحب الدنيا لا يجتمعان في قلب المؤمن..
لا تنافي بين المعنيين:
ولذلك وللجمع بين التفاسير، وهو جمع تبرعي، إذ ليس هناك تنافي فيما بينهما، فمن أحب الله، لا يمكن للدنيا أن يكون لها محل في قلبه.
وكذلك ولأن النبي «» وأهل البيت «» هم المصدق للكمال في الدنيا، ومن يرتبط بهم أرتبط بالله عز وجل، وذلك لقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
يكون حب الله وحب محمد وآل محمد ﴿صلوات الله عليهم أجمعين﴾ لا يجتمع مع حب غيرهم.
وتأتي الأخبار الواردة لتفسير هذا المنحى والاتجاه في هذه المرويات الآتية:
ورد في كتاب فضائل الشيعة: عن حبيش بن المعتمر قال : دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «» وهو في الرحبة متكئا.
فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته كيف أصبحت؟
قال: فرفع رأسه ورد علي.
وقال : أصبحت محبا لمحبنا مبغضا لمن يبغضنا، إن محبنا ينتظر الروح والفرج في كل يوم وليلة وإن مبغضنا بنى بناءا فأسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم، يا أبا المعتمر إن محبنا لا يستطيع أن يبغضنا. ثم قال: ومبغضنا لا يستطيع أن يحبنا، إن الله تبارك وتعالى جبل قلوب العباد على حبنا ، وخذل من يبغضنا فلن يستطيع محبنا بغضنا ، ولن يستطيع مبغضنا حبنا ولن يجتمع حبنا وحب عدونا في قلب أحد ، ﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾، يحب بهذا قوما ويحب بالآخر أعداءهم.
وفي تفسير الإمام «»: يعني قلبا يحب محمد وآله ويعظمهم، وقلباً يعظم به غيرهم كتعظيمهم أو قلبا يحب به أعداءهم، بل من أحب أعداءهم فهو يبغضهم ولا يحبهم، ومن سوى بهم مواليهم فهو يبغضهم ولا يحبهم.
وقد جاء التنبيه على لسان النبي «» على وجوب الولاء والبراء، بقوله في علي ,«» في غدير خم : "اللهم وآل من والاه، وعاد من عاداه".
وعن الإمام الصادق «» أنه قال: "من أحب كافراً فهو كافر".
و عنه «» أنه قال: "من جالس لنا غائباً ﴿أي مستغيب لهم «»﴾، أو مدح لنا قاليا ﴿أي مبغض﴾، أو وصل لنا قاطعاً، أو قطع لنا واصلاً، أو والى لنا عدواً، أو عادى لنا ولياً، فقد كفر بالذي أنزل السبع المثاني".
وعن أمير المؤمنين «» أنه قال: "﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾، يحب بهذا قوما وبالآخر عدوهم
. وقال له رجل: إني أتولاك وأتولى فلانا وفلانا.
فقال : أنت اليوم أعور فانظر تعمي أو تبصر.
وقال الحميري «رحمه الله» في هذا شعراً:
أتانا رجل جلف وقد وافى على المنبر
فقال الرجل الداخل قولا بعضه منكر
لقد حبب لي الكل في سري وما أظهر
فقال الطهر أنت اليوم فيما قد بدا أعور
فإما أن ترى تعمى وإما أن ترى تبصر
وما للمرء من قلبين ذا صافي وذا أكدر.
ولأن الأئمة هم الحق، وغيرهم هم الباطل:
وقال صاحب كتاب بحار الأنوار: " وإنما هو حق وباطل، وإيمان وكفر، وعلم وجهل، وسعادة وشقوة، وجنة ونار، فمن هنا: لن يجتمع الحق والباطل في قلب امرئ قال الله تعالى : ﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾. وإنما هلك الناس حين ساووا بين أئمة الهدى، وبين أئمة الكفر.
وقالوا: إن الطاعة مفروضة لكل من قام مقام النبي برا كان أو فاجرا ، فاتوا من قبل ذلك".
فمن هنا لا يجتمع حب آل البيت «» مع غيرهم.
وقد قال زيد بن حارثة في قوله تعالى: ﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾.
يعني بذلك: قلباً يحب محمدا وآله يعظمهم، وقلباً يعظم به غيرهم كتعظيمهم، أو قلباً يحب به أعداءهم، بل من أحب أعداءهم فهو يبغضهم ولا يحبهم، ومن سوى بهم مواليهم فهو يبغضهم ولا يحبهم.
والخلاصة:
إن الحب الدنيا والتي يمثلها أئمة الباطل والضلال، لا يجتمع مع حب الله، والذين يمثلون خطه على الأرض وهم محمد وآل محمد ﴿عليهم صلوات الله أجمعين﴾.
انتهى
هذا هو المقصود بالآية الكريمة: ﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾.
والله ورسوله وآل بيته أعلم..
أشكركم.
أخوكم في الله السيد المستبصر.
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
عن حبيش بن المعتمر قال : دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «» وهو في الرحبة متكئا.
فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته كيف أصبحت؟
قال: فرفع رأسه ورد علي.
وقال :
أصبحت محبا لمحبنا مبغضا لمن يبغضنا، إن محبنا ينتظر الروح والفرج في كل يوم وليلة وإن مبغضنا بنى بناءا فأسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم، يا أبا المعتمر إن محبنا لا يستطيع أن يبغضنا. ثم قال: ومبغضنا لا يستطيع أن يحبنا، إن الله تبارك وتعالى جبل قلوب العباد على حبنا ، وخذل من يبغضنا فلن يستطيع محبنا بغضنا ، ولن يستطيع مبغضنا حبنا ولن يجتمع حبنا وحب عدونا في قلب أحد ، ﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾، يحب بهذا قوما ويحب بالآخر أعداءهم.