اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
نحمدك اللهم ، لك الحمد في الأولى والآخرة ، على ما أفدت من نعمائك الفاخرة وأفضت من بحار آلائك الزاخرة ونصلي ونسلم على نبيك أبي القاسم ، سيدنا محمد الفاتح الخاتم ، وعلى آله الطيبين الطاهرين.
يأتي رمضان موسم العُبَّاد والركعَّ السجود، فيسكب نوره في الصدور، ورحيقه في القلوب، وهداه في النفوس، وجلاله في الأفئدة، فتذهب الأوضار، وتطرد الآثام، وتزول الهمول.
رمضان موسم التقوى والخشية والمراقبة والقربى، يشعر الناس فيه بالمعية الإلهية، والحضرة القدسية، والعناية الربانية، فتسأل القريب المجيب، وتناجي العزيز الحبيب، وتنال الإجابة، وتحظى بالرضوان، وتفوز بالمغفرة.
رمضان.. نسائم القرآن، وروائح الجنان، ومنائح الرحمن، يضاعف الله فيه الأجر، ويجزل الثواب، ويكثر الخير، من أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، ومن تقرب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، تطيب فيه الأفواه، وتطهر به الألسنة، فخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتصان فيه الفروج، وتُمنع فيه الآثام، لأنه جُنَّة من الزلل، ووقاية من المعاصي، وحصن من السيئات.
رمضان.. لا عدل له لأنه مغفرة لما تقدم من الذنوب، وطهرة لما تأخر من الأعمال، ودعوة لا ترد من القصَّاد، أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، شفيع يوم الدين، نصف الصبر، والصبر ثوابه الجنة "إنما يُوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"، لا يخيب فيه سؤل، أو يُطردَ عنه محروم، عطاؤه عامر، وفيضه عميم، قد توِّج بليلة القدر، وشرف بنزول القرآن، وبورك بنزول الملائكة، صُفِّدت فيه الشياطين، ورُفعَت راية الموحدين، برزت فيه نصرة المسلمين في بدر، وتم به فتح الله في مكة، فكان هو الفوز في البدء والختام، والفرح بالسيادة والإيمان، فوجب الفرح والتعظيم والشكر لله لما أولانا فيه من النعم، وحبانا فيه من الرحمات والطيبات، مَنْ حُرِم فيه فهو المحروم، ومن طُرد فيه فهو المطرود "بعد من أدرك رمضان ولم يغفر له" من ضل فيه عن الطريق هلك، ومن حاد فيه عن الهدى خسر إلى يوم الدين، فكم نادى مناديه: "يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر" سمع المتقون نداءه فاقبلوا على الله ففازوا، وأصم الآثمون آذانهم عن دعوته فبغوا وتاهوا عن الطريق، وخلف من بعدهم خلوف صعروا وجوههم، ولوَّثوا جباههم، وقبَّحوا أعمالهم، وسوَّدوا صحائفهم، صُفدت شياطين الجن في رمضان، وانطلق شياطين الإنس ليعيثوا في الأرض فسادا، وسلسلت مردة الأبالسة في الأيام الفضيلة، واندفعوا هم ليهلكوا الحرث والنسل، والله لا يُحب الفساد، فانقلبت مواسم الطاعة مباريات للمظالم ومسابقات للعسف والجَوْر بالمخلوقات، فسابقت في رمضان شياطين الإنس شياطين الجن، وفاقت في شهر الرحمات أبالسة البشر أبالسة الجان في كل هلاك وشر وعسف وجور، وبغي وعتو للمسلمين الموحدين، مع جبن وخَوَر للأعداء الغازين القاهرين
وبعد.. يجب ان تتوضأ هذه الشياطين قبل أن يدخل رمضان، وتغتسل على عتباته، وتتوب في لياليه، وتصوم، إن أرادت أن يُكتب لها الخير، أو يقدر لأمتها الفلاح، وتقلع عن الكوارث والآثام، فأمتنا إذا لم ينقذها رمضان فلا منقذ، أو يُقدر لها الخير في ليلة القدر فلا فلاح، وما أظنها إلا من الفالحين، وطاردة للشياطين، ومُصفدة للأبالسة إن لم يكن اليوم، فإن غداً لِناظِرِه قريب.