اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الثقة بالله واللجوء إليه
بسم الله الرحمان الرحيم وصل الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم وألعن أعدائهم
هي الإيمان عينه ، فمن وثق بالله آمن به ، ومَنْ آمن به توكل عليه ، ومَنْ توكل عليه نال رضاه ، ولله المنُّ والفضل ، إليه يرجع الحمدُ ، ومنه الخير كله .
ولذلك يبدأ الإنسان صلاته بالفاتحة ، ففيها الاعتراف بألوهيته وربوبيته ، وفيها الالتجاءُ إليه وعبادتُه . (( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
وهو الذي يعطي ويمنع ، ويرفع ويخفض : (( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
فإذا كان كل شيء بيد الله ، فأحرى بنا أن نقصده وحده لا شيء غيره .
ويخبرنا القرآن الكريم أن أنبياء الله جميعاً كانوا خِيرة الناس الذين توكلوا على الله في دعوتهم إليه سبحانه ، فكان لهم العونَ ونصرهم على أعدائهم ، وأقرّ أعينهم ، وجعلهم قدوة الناس .
فرسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ علمه ربه أن يلجأ إليه ويستعيذَ به من شر خلقه :
(( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) ))(3) ،
(( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) )).
وإن حاول الشيطان صرف القلوب عن الحق والذكر ، استعاذ المسلم منه بالله سبحانه : (( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
وهذا موسى يستعيذ بالله من الكفار المعاندين : (( وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ .
ويعيش المسلم هادىء النفس حين يلجأ إلى الله من وسوسات الشياطين وفسادهم : (( وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ .
وهذه مريم العذراء دخل عليها جبريل ، فاستعاذت بالله من أمرٍ قد يسيء إليها : (( قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا .
ودعا إبراهيم قومَه إلى عبادة الله سبحانه وحده ، فأبوا ذلك فخوّفهم عذابه وبطشه : (( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ )).
وقيل : إن جبريل نزل على إبراهيم وقومُه يجهّزون لإحراقه فقال له : سل حاجتك ، قال إبراهيم : أما إليك فلا ! وأما إليه سبحانه فعلمه بحالي يغني عن سؤالي ، فجاء الفرج من الله تعالى : (( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، إنها ثقة بالله عظيمة ، يحتاج إليها الدعاة إلى الله في مسيرتهم الدعويّة ليكون الله عوناً له وسنداً .
بل إنه يعلنها صراحة معتمداً على الله لاجئاً إليه (( قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) )).
ولما بشرته الملائكة بإسحاق (( قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) )). صدق سيدنا إبراهيم ، فالمؤمن لا ييئس من رحمة ربّه أبداً ، فهو يثق بنصره وتأييده ما دام معه .
وهذا ابنه اسماعيل مؤمنٌ بالله ، راض بقدره ، واثقٌ بحكمته ، فلما أراد أبوه أن يذبحه كان صبرُه في الله مثالاً رائعاً يُحتذى وثقته فيه لاحدود لها : ((فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ .
وهذا مؤمن آل فرعون آمن بموسى واجتهد في نصرته ، وبذل جهده ، وناصبوه العداء ، ومكروا به لكنه لجأ إلى ربه ، فكان له الأمن والأمان : ((فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) )) .
وهذا سيدنا نوح يدعو الناس إلى عبادة الله ، ويحثهم على تقوى الله وطاعته ، لكنهم أبَوْا هذا ، وكيف يؤمنون وأراذل القوم ـ حسب اعتقادهم ـ تبعوا نوحاً ؟ فلو طردهم لربما تبعوه !! . . ولكنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبى طرد المؤمنين فهدده قومه بالرجم ، فلجأ إلى ربه (( قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ .
وهذا فرعون يستقبل السحرة ، ويعدهم بالمال الوافر والمناصب الرفيعة إن هم عَلَوْا بسحرهم على موسى ، ولكنْ أنّى لسحرِ البشر أن يغلب أمرَ الله ؟! فلما لقَفَتْ عصا موسى سحرهم أيقنوا أنه لم يغلبهم بسحر ، فما لأحد بهم من قوة إنما غلبتهم قوة الله التي أيَّدَتْ موسى : (( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) ))( . فماذا فعل السحرة ؟ هل خافوا وعادوا يعتذرون إلى الجبار المتغطرس أو سكتوا مذعورين ؟ لا هذا ولا ذاك إنما (( قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51) ))هكذا يكون الإيمان ، وهكذا تكون الثقة في الله .
وهذا يعقوب لم يصدق أن ابنه الثاني قد سرق على الرغم من الاستشهادات التي قدّمها أولاده له ، إنما وكل أمره إلى الله تعالى (( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) ))(وجعلته ثقته في الله ، ينتظر ظهور يوسف وأخيه .
فلما ابيضت عيناه من الحزن وعاتبه أبناؤه على ذلك ، أجابهم بلهجة المؤمن الواثق بربه المتكل عليه (( قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (فكان ما قاله حكمةً تنير الدرب للسالكين . . إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون ؛ !! .
فالثقة بالله ، واللجوء إليه سبيل المؤمنين ، وزاد المتقين ، وأمان الخائفين ، وأمل العاملين نسأل الله تعالى أن نكون منهم .
آخر تعديل بواسطة السيد المستبصر ، 21-Aug-2010 الساعة 05:53 AM.
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أما بعد..
"الثقة بالله"..خلاصة التوكل على الله
إن الثقة بالله ـ سبحانه وتعالى ـ أثر انعكاس على السلوك فهي دائما تجعل لدى صاحبها الشجاعة في إعلان المبادىء في الدفاع عن هذه المبادئ، الثقة دائما تجعل الإنسان مُصرا... عنده إصرار عنده تحدي، ولكن هذا الإصرار والتحدي في الحق وليس في المخالفة الشرعية لله ، والثقة لا تصلح بدون بذل الأسباب، ولا تصلح لو الإنسان يركن ويكون أنت الداعي ويسأل من الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يرزقه ما يتمني، ولكن أن يبذل السبب، ويستعين بالله ـ سبحانه وتعالى ـ ولذلك الواثق بالله ـ عز وجل ـ موقن بأن الله لم و لن يتركه، ولن يتخلى عنه حتى لو تخلى عنه كل من في الأرض، لأن ثقته بالله ـ عز وجل ـ أكبر من ثقته بالناس. الثقة بالله ـ عز وجل ـ تقتضي أن يوقن العبد بأن أي قوة أي جبار في الأرض. لا حول له ولا قوة إلا بإذن الله، ولكن لن يضرونه بشيء ولن ينفعوه بشيء.
والواثق بالله نراه دائما هادىء البال،ساكن النفس إذا ذادت عليه الضغوط المشاكل هو يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه قال تعالى: { قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون} ومن أنواع الثقة... هناك ثقة بالنفس، إن الثقة مصدرها الأول والأساسي هو الثقة فيما يحمل الإنسان في نفسه من مبادىء ومن معتقدات ومن حرص على التمسك بهذه المعتقدات، والحرص علي إقناع الناس بها، ولذلك أعتقد على المسلمين اليوم أن يثقوا بأنفسهم ثقة المسلم ليس ثقة... ثقة المسلم القوي، وليست ثقة المؤمن الذي فيه الخور والضعف قال تعالى { ولا تهنوا و لا تحزنوا وأنتم الأعلون أن كنتم مؤمنين} .
من هنا كان كل ما أشارت إليه المشاركة للأخت (الأمل) من شواهد قرآنية تحكي حال أنبياء الله، وعباد الله الصالحين، خير شاهد على أثر الثقة بالله عز وجل..
فجزاها الله عنا بكل خير، وجعل هذه المشاركة في ميزان حسناتها يوم القيامة.. إنه سميع مجيب..
أخوكم في الله السيد المستبصر..