اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
سيرة الامام علي بن الحسين ( )
الإمام على بن الحسين بن علي بن أبي طالب هو الإمام الرابع من أئمة أهل البيت () كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة الواردة عن الرسول الكريم (ص) والأئمة () هذا بالإضافة إلى الأدلة الاخرى التي أوردها علماء الشيعة في مصنفاتهم.
ولادته واستشهاده
ولد الإمام علي بن الحسين في الكوفة يوم الخامس من شعبان سنة 38 هـ وأدرك من حياة جده أمير المؤمنين () سنتين واطلع بمسئولية الإمامة بعد استشهاد والده الحسين الشهيد وكان عمره آنذاك 22 سنة أو 23 سنة واستشهد () على يد الوليد بن عبدالملك-وقيل هشام بن عبدالملك- الخليفة الأموي بعد أن دس إليه السم بواسطة عامله على المدينة وذلك سنة 95هـ.
كنيته وألقابه ونقش خاتمه:
أما كنيته فأبو الحسن وأبو محمد، وأما ألقابه فكثيرة منها ذو الثفنات، سيد العابدين والأمين والزكي وزين الصالحين والبكاء واشتهر بزين العابدين والسجاد، وأما نقش خاتمه فقد كان له أكثر من خاتم، نقشَ على أحدها (خزي وشقي قاتل الحسين) ونقش على آخر (العزة لله).
الإمام كما يصفه الآخرون:
قال: عمر بن عبدالعزيز الأموي عندما نُعي عنده الإمام (ذهب سراج الدنيا وجمال الإسلام وزين العابدين).
وقال: سعيد بن المسيب (هذا الذي لا يسع مسلماً أن يجهله وقال ما رأيت قط أفضل من على بن الحسين وما رأيته قط إلا مقتُّ نفسي).
ويقول الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الإنصاري (ما رؤي في أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين).
آثاره العلمية:
دوَّن العلماء من أبناء الشيعة -وكذلك السنة- الكثير مما أُُثر عن الإمام من أحاديثَ كان يلقيها في المسجد النبوي كل جمعة وفي موسم الحج وفي مجلسه العامر بالعلماء والرواد -وقد كانت أحاديثه تبياناً للمعارف الإسلاميةحيث كان يتصدى فيها لتفسير القرآن الكريم والسنة الشريفة والتعريف بالعقائد الدينية، والاحكام الشرعية ومعالجة ما أشكل منها على الناس، هذا بالإضافة إلى ما زخرت به أحاديثه من مواعظ وحكم، ولهذا وجد العقلاء والزهاد ضالتهم عند منبره وفي مجلسه.
ومن آثاره أيضاً الصحيفة السجادية ورسالة الحقوق:
أما الصحيفة السجادية فهي مجموعة من الأدعية تتألف من 54 دعاءً غير ما اُلحق بها بعد ذلك من أدعية للإمام () وغير الأدعية الطويلة التي تناقلها الرواة كدعاء ابي حمزة الثمالي، هذا وقد ضمَّن الإمام هذه الأدعية كثيراً من المعارف الإسلامية والإعتقادات الدينية.
كالتوحيد والعدل الإلهي وسائر الصفات الذاتيه لله عز وجل ومسائل النبوة والإمامة، ورغم أنها جاءت بصيغة الدعاء والمناجاة إلا انها احتفظت بالصبغة البرهانية المتناسبة مع هذه المسائل، ثم ان هذه الادعية لم تقتصر مضامينها على ما ذكرناه بل أنها اشتملت على الكثير من المعالجات النفسية والتربوية والكثير من القيم والمبادئ الإجتماعية، فكانت بحقٍ واحةٌ لخلق الإنسان الكامل والمجتمع الكامل.
ذلك لأنها سبرت أعماق الإنسان لتضع يده على مكامن الداء ثم تصدَّت لوصف الدواء باسلوب أخَّاذٍ ورائق يفيض عذوبة ويبعث في النفس عنفواناً جامحاً ومتمرداً على مباعث الدعة والإسترخاء.
وأما رسالة الحقوق فهي نتاج غير مسبوق إذ لم يُؤثر عن أحد من العلماء او الفلاسفة في الحضارات التي سبقت الإسلام انه كتب رسالة مستقلة في الحقوق، هذا وقد بلور الإمام () في هذه الرسالة الرؤية الاسلامية الصافية تجاه ما ينبغي أن يكون عليه نظم العلائق الاجتماعية فحدد بذلك ما لكل فرد وما عليه من حقوق بعد أن صنف أفراد المجتمع على أساس مواقعهم الاجتماعية أو ملكاتهم الشخصية أو وظائفهم الدينية أو علائقهم الإنسانية او النسبية، هذا وقد صدَّر رسالته الشريفة بتحديد نحو العلاقة بين الإنسان وربه ثم أردف ذلك بتبيان حقِ النفس على الإنسان وحقوق جوارحه عليه.
وختاماً نود أن نشير إلى أن المرحلة التي عايشها الإمام إبَّان امامته كانت دقيقة وحرجة جداً حيث لم يعد النظام الأموي يخشى من التعبير عن هويته بعد أن كشفت أحداثُ كربلاء عن طبيعتها، ولذلك أشاع الفساد في أرجاء الحواضر الإسلامية فأظهر الناس الفسوق وتعاطي الخمور وكانت بيوتات مكة والمدينة تضج بالغناء والرقص، هذا بالإضافة إلى أن المجتمع الإسلامي في هذه المرحلة قد انفتح على شعوبٍ وحضارات اخرى نتيجة الفتوحات الكثيرة التي كانت في تلك المرحلة.
من هنا كان دور الإمام يتركز في محورين أساسيين:
الأول: تعئبة الأمة من أجل استئصال مادة الفساد اعني النظام الأموي، وقد استعان على ذلك بمجموعة من الأدوات والوسائل منها استعراض فاجعة كربلاء من اجل فصل الأمة معنوياً عن النظام الأموي وتحريضهم عليه وإلهاب شعورهم بالندم على تقاعسهم عن نصرة الحسين ().
ومنها تشجيع الثورات واعطاؤها الصبغة الشرعية.
الثاني: بذل الوسع من أجل تحصين الأمة عن الإنحراف الفكري والخلقي وبتعبير آخر: إن الإمام لم يكن قادراً على فصل الأمة عن الأجواء الموبؤة التي فرضتها ظروف انحراف الخلافة الإسلامية عن مسارها الصحيح ولذلك كان دوره يتمحض في تمديد أمد المقاومة للإنحراف فكان دوره يشبه إلى حدٍ كبير دور العقاقير المضادة للفيروسات والتي تساهم في اعطاء المريض القدرة على المقاومة للمرض.
وقد نجح الإمام -وكذلك أئمة أهل البيت ()- في ذلك حيث تمكنوا من إعطاء الأمة والهوية الدينية القدرة على الصمود أمام عوامل الإنهيار التام