لم يدخلوا البيت ، فكيف ضربوا الزهراء ؟
يقول البعض : إن بعض الروايات تقول : إن المهاجمين لبيت الزهراء ( ع ) لم يدخلوا البيت ، فكيف يصح قول من يقول : إنهم ضربوها
، وأسقطوا جنينها ، وغير ذلك ؟ ! .
والجواب :
أولا : إن ما جرى على الزهراء من مصائب وبلايا ، لا يحتاج إلى دخول البيت ، فقد تعصر الزهراء بين الباب والحائط ، ثم يضربها المهاجمون دون أن يدخلوا البيت ، وهذا هو صريح النصوص التي تحدثت عن هذا الأمر . هذا إذا كان مراده بالدخول معناه المتبادر منه . ولو اعتذر عنه بأن مراده الهجوم ، فقول القائل . . . وددت أني لم اكشف باب فاطمة . ثم النصوص الكثيرة الدالة على دخولهم إلى البيت يرد هذا القول ويدفعه .
وثانيا : لماذا يقتصر هذا البعض على رواية عدم دخولهم البيت ، مع أنها لم تصرح بعدم الدخول ، بل اكتفت بالسكوت والاكتفاء بذكر جانب مما جرى . ولو سلمنا صراحة رواية ما بذلك ، فهي معارضة بالروايات الكثيرة الأصح سندا ، والأكثر عددا ، التي تقول : إنهم قد دخلوا بيتها ، وانتهكوا حرمته وحرمتها .
وثالثا : إن ضرب الزهراء
، وإسقاط جنينها ، ليس أمرا عاديا ، بل هو حدث هائل ، لا يمكن أن يقبله منهم أي مسلم صادق الإيمان . ولسوف يجهر بالاعتراض عليهم والتقريع لهم ، إذا لم يكن ثمة خوف من سيف أو سوط . فليس من مصلحة الحكام ، ولا من مصلحة محبيهم أن يتناقل الناس هذه الواقعة ، ولا أن يعرفوا تفاصيلها ، فلم يكونوا يسمحون لأنفسهم ، ولا لغيرهم بنقلها وتداولها ، بل لقد رأينا البعض يعتبرون نقل هذه القضية جريمة لها تبعاتها على ناقلها ، وننقل من شواهد ذلك الموارد التالية :
1 - لا تروه عني : يقول ابن أبي الحديد المعتزلي : إنه قرأ على شيخه أبي جعفر النقيب قصة زينب حين روعها هبار بن الأسود ، فقال له أبو جعفر : " إن كان رسول الله ( ص ) أباح دم هبار ، لأنه روع زينب ، فألقت ذا بطنها ، فظاهر الحال أنه لو كان حيا لأباح دم من روع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها . فقلت : أروي عنك ما يقوله قوم : إن فاطمة روعت ، فألقت المحسن ؟ ! فقال : لا تروه عني ، ولا ترو عني بطلانه ، فإني متوقف في هذا الموضع ، لتعارض الأخبار عندي فيه " .
فأبو جعفر النقيب يتراجع عن موقفه بسرعة عند توجيه المعتزلي هذا السؤال الحساس إليه ، رغم أنه كان قد أطلق حكمه بصورة قاطعة في أول الأمر . ولعل سبب تراجعه أنه رأى أن شيوع هذا الأمر عنه سوف يتسبب له بمشاكل هو في غني عنها .
2 - أنا لا أقول ، بل علي ( ع ) ! ويشبه هذه الحادثة ، ما ذكروه في مورد آخر يتميز بحساسيته وخطورته أيضا ، من أن شيخا آخر للمعتزلي قد تراجع بنفس هذه الطريقة ، ومع المعتزلي نفسه أيضا ، لكي ينأى بنفسه عن مواجهة مشاكل لا يريد أن يواجهها
فقد ذكر المعتزلي الشافعي : أن أستاذه ذكر له قول علي
: أن عائشة هي التي أمرت أباها بالصلاة بالناس في مرض النبي ( ص ) الذي توفي فيه ، قال : " فقلت له رحمه الله : أفتقول أنت : أن عائشة عينت أباها للصلاة ، ورسول الله ( ص ) لم يعينه ؟ ! فقال : أما أنا فلا أقول ذلك ، ولكن عليا كان يقوله ، وتكليفي غير تكليفه ، كان حاضرا ولم أكن حاضرا ، فأنا محجوج بالأخبار التي اتصلت بي ، وهي تتضمن تعيين النبي ( ص ) لأبي بكر في الصلاة ، وهو محجوج بما كان قد علمه الخ . . ".
3 - سماع رواية " ضرب فاطمة " أسقطه ! وقالوا عن أحمد بن محمد بن محمد بن السري بن يحيى بن أبي دارم المحدث : " كان مستقيم الأمر عامة دهره ، ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، حضرته ، ورجل يقرأ عليه : " أن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن " . إذن ، فقراءة هذه القضية عليه أخرجته عن جادة الاستقامة التي لازمها عامة دهره ، وصار ذلك سببا للطعن عليه ، وجرحه ، وبالتالي إسقاطه عن الاعتبار .
4 - الطعن على النظام : إنهم يعتبرون رواية ما جرى على فاطمة من أهم الطعون على النظام الذي كان أحد أعاظم شيوخ المعتزلة ، حتى إن الشهرستاني يقول عنه : " وزاد في الفرية ، فقال : إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها ، وما كان في الدار غير علي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين
" .
وعد البغدادي قول النظام عن عمر : " أنه ضرب فاطمة ، ومنع ميراث العترة " من ضلالاته .
5 - تحريف كتاب المعارف : بل إنهم لأجل قضية إسقاط المحسن ، نجدهم لا يتورعون عن تحريف الكتب أيضا ، فقد حرفوا كتاب " المعارف " لابن قتيبة حسبما ذكره لنا ابن شهرآشوب المتوفى سنة 588 ه ، حيث قال : " .وفي معارف القتيبي : أن محسنا فسد من زخم قنفذ العدوي " .
وقال الكنجي الشافعي المتوفى سنة 685 ه ، عن الشيخ المفيد : " وزاد على الجمهور ، وقال : إن فاطمة
أسقطت بعد النبي ذكرا ، كان سماه رسول الله ( ص ) محسنا ، وهذا شئ لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلا عند ابن قتيبة " .
ويظهر : أنه يقصد بذلك : نقل ابن قتيبة له في كتاب المعارف ، لا في الإمامة والسياسة ، وذلك بقرينة كلام ابن شهرآشوب المتقدم . لكن الموجود في كتاب " المعارف " لابن قتيبة المطبوع سنة 1353 ه ص 92 هو العبارة التالية : " وأما محسن بن علي فهلك ، وهو صغير " .
وهكذا في سائر الطبعات المتداولة الآن ، فلماذا هذا التحريف ، وهذه الخيانة للحقيقة وللتاريخ يا ترى ؟ ! .
مأساة الزهراء "ع" ج1 ... السيد جعفر مرتضى العاملي