اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بعد استشهاد رسول الله صل الله عليه وآله اشتدَّ عليها الحزن والأسى ، ونزل بها المرض لِمَا لاقَتْهُ من هجوم أَزْلامِ الزُمرة الحاكمة آنذاك على دارها ، وَعَصْرِهَا بَين الحَائطِ والبَابِ ، وَسُقُوطِ جَنِينِها المُحسِن ، وَكَسْرِ ضِلعِها ، وَغَصبِ أَرضِهَا فَدَك .
فتوالت الأمراض على وديعة النبي صل الله عليه وآله ، وفَتك الحزن جِسمَها النحيلَ المُعذَّبَ حتى انهارت قواها .
فقد مشى إليها الموت سريعاً وهي في شبابها الغَض ، وقد حان موعد اللقاء القريب بينها وبين أبيها الذي غاب عنها ، وغابت معه عواطفه الفَيَّاضة .
وَلَمَّا بدت لها طلائع الرحيل عن هذه الحياة طَلَبتْ حضورَ أمير المؤمنين علي ، فَعَهدتْ إليهِ بِوَصِيَّتِها ، ومضمون الوصية :
أن يُوارِي جثمانها المقدس في غَلس اللَّيل البهيم ، وأن لا يُشَيِّعُها أحد من الذين هَضَمُوهَا ، لأنهم أَعداؤها وأعداء أبيها - على حَدِّ تعبيرها - .
كَما عَهدت إليه أن يتزوَّج من بعدها بابنة أختها أمَامَة ، لأنَّها تقوم بِرِعَايَة ولديها الحسن والحسين عليهما السلام اللَّذَين هما أعزُّ عندها من الحياة .
وعهدت إليه أن يعفي موضع قبرها ، ليكون رمزاً لِغَضَبِهَا غير قابلٍ للتأويل على مَمَرِّ الأجيال الصاعدة .
وضمن لها أمير المؤمنين جميع ما عَهدَت إليه ، وانصرف عنها وهو غارق في الأسى والشجون .
وفي آخر يوم من حياتها ظهر بعض التحسّن على صحتها ، وكانت بادية الفرح والسرور ، فقد علمت أنها في يومها تلحق بأبيها صل الله عليه وآله .
وعمدت إلى ولديها عليهما السلام فَغَسَلت لهما ، وصنعت لهما من الطعام ما يكفيهم يومهم ، وأمرت ولديها بالخروج لزيارة قبر جدّهما ، وهي تلقي عليهما نظرة الوداع ، وقلبها يذوب من اللوعة والوجد .
فخرج الحسنان عليهما السلام وقد هاما في تيار من الهواجس ، وأَحسَّا ببوادر مخيفة أغرقتهما بالهموم والأحزان ، والتفت وديعة النبي إلى أسماء بنت عميس ، وكانت تتولى تمريضها وخدمتها فقالت لها : يا أُمَّاه .
فقالت أسماء : نعم يا حبيبة رسول الله صل الله عليه وآله .
فقالت : اسكبي لي غسلاً .
فانبرت أسماء وأتتها بالماء فاغتسلت فيه ، وقالت لها ثانياً : إيتيني بثيابي الجدد .
فناولتها أسماء ثيابها .
ثم هتفت الزهراء بها مرة أخرى : اجعلي فراشي وسط البيت .
وعندها ذعرت أسماء وارتعش قلبها ، فقد عرفت أن الموت قد حلّ بوديعة النبي .
فصنعت لها ما أرادت ، فاضطجعت الزهراء على فراشها ، واستقبلت القبلة ، والتفتت إلى أسماء قائلة بصوت خافت : يا أُمَّاه ، إني مقبوضة الآن ، وقد تَطَهَّرتُ فلا يكشفني أحد .
وأخذت تتلو آيات من الذكر الحكيم حتى فارقت الروحُ الجسد ، وَسَمت تلك الروح العظيمة إلى بارئها ، لتلتقي بأبيها صل الله عليه وآله الذي كرهت الحياة بعده .
وكان ذلك في 13 من جمادي الأول من سنة 11 هـ ، وفي رواية أخرى أنه كان في 8 ربيع الثاني من نفس السنة ، وفي رواية أخرى في 3 جمادي الثاني من نفس السنة أيضاً .
ورجع الحسنان عليهما السلام إلى الدار فلم يجدا فيها أمهما ، فبادرا يسألان أسماء عن أمّهما ، ففاجئتهما وهي غارقة في العويل والبكاء قائلة : يا سيدي إن أمّكما قد ماتت ، فأخبرا بذلك أباكما ، وكان هذا الخبر كالصاعقة عليهما .
فهرعا عليهما السلام مسرعين إلى جثمانها ، فوقع عليها الحسن ، وهو يقول : يا أُمَّاه ، كلميني قبل أن تفارق روحي بدني .
وألقى الحسين نفسه عليها وهو يَعجُّ بالبكاء قائلاً : يا أُمَّاه ، أنا ابنك الحسين كلميني قبل أن ينصدع قلبي .
وأخذت أسماء تعزيهما وتطلب منهما أن يسرعا إلى أبيهما فيخبراه ، فانطلقا عليهما السلام إلى مسجد جدّهما رسول الله وهما غارقان في البكاء ، فلما قربا من المسجد رفعا صوتهما بالبكاء ، فاستقبلهما المسلمون وقد ظنوا أنهما تذكرا جدّهما فقالوا :
ما يبكيكما يا ابنَي رسول الله ؟ لعلّكما نظرتما موقف جدّكما صل الله عليه وآله فبكيتما شوقاً إليه ؟
فهرعا عليهما السلام إلى أبيهما وقالا بأعلى صوتهما : أَوَ ليس قد ماتت أُمُّنا فاطمة .
فاضطرب الإمام أمير المؤمنين ، وهزَّ النبأ المؤلم كِيانَه ، وطفق يقول :
بمن العزاء يا بنت محمد صل الله عليه وآله ؟
كنتُ بِكِ أتعزَّى ، فَفِيمَ العزاء من بعدك ؟
وخَفَّ مسرعاً إلى الدار وهو يذرف الدموع ، ولما ألقى نظرة على جثمان حبيبة رسول الله أخذ ينشد ) :
وهرع الناس من كل صوب نحو بيت الإمام وهم يذرفون الدموع على وديعة نبيهم صل الله عليه وآله ، فقد انطوت بموت الزهراء آخر صفحة من صحفات النبوة ، وتذكروا بموتها عطف الرسول عليهم ، وقد ارتَجَّت المدينة المنورة من الصراخ والعويل .
وعهد الإمام إلى سَلمَان أن يقول للناس بأن مواراة بضعة النبي تأخّر هذه العشية ، وتفرقت الجماهير .
ولما مضى من الليل شَطرُهُ ، قام الإمام فغسَّل الجسد الطاهر ، ومعه أسماء والحسنان عليهما السلام ، وقد أخذت اللوعة بمجامع قلوبهم .
وبعد أن أدرجها في أكفانها دعا بأطفالها – الذين لم ينتهلوا من حنان أُمِّهم – ليلقوا عليها النظرة الأخيرة ، وقد مادت الأرض من كثرة صراخهم وعويلهم ، وبعد انتهاء الوداع عقد الإمام الرداء عليها .
ولما حَلَّ الهزيع الأخير من الليل قام فصلّى عليها ، وعهد إلى بني هاشم وخُلَّصِ أصحابه أن يحملوا الجثمان المقدّس إلى مثواه الأخير .
ولم يخبر أي أحد بذلك ، سوى تلك الصفوة من أصحابه الخُلَّص وأهل بيته .
وأودعها في قبرها وأهال عليها التراب ، ووقف على حافة القبر ، وهو يروي ثراه بدموع عينيه ، واندفع يُؤَبِّنها بهذه الكلمات التي تمثل لوعته وحزنه على هذا الرزء القاصم قائلاً :
( السَّلام عَليكَ يا رسولَ الله عَنِّي وعنِ ابنَتِك النَّازِلَة في جوارك ، السريعة اللحاق بك ، قَلَّ يا رسولَ الله عن صَفِيَّتِك صَبرِي ، وَرَقَّ عنها تَجَلُّدِي ، إِلاَّ أنَّ في التأسِّي بِعظِيم فرقَتِك وَفَادحِ مُصِبَيتِك مَوضِعَ تَعَزٍّ ، فَلَقد وَسَّدتُكَ فِي مَلحُودَةِ قَبرِك ، وَفَاضَت بَينَ نَحري وصَدرِي نَفسُكَ .
إِنَّـا لله وإنَّا إليه راجعون ، لقد استُرجِعَتْ الوَديعةُ ، وأُخِذَتْ الرَّهينَة ، أمَّا حُزنِي فَسَرْمَدْ ، وَأمَّا لَيلِي فَمُسَهَّدْ ، إلى أَنْ يختارَ اللهُ لي دارَك التي أنتَ بِها مُقيم ، وَسَتُنَبِّئُكَ ابنتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ على هَضمِها ، فَاحفِهَا السُّؤَالَ ، واستَخبِرْهَا الحَالَ .
فأعلن أمير المؤمنين في هذه الكلمات شكواه للرسول صل الله عليه وآله على ما أَلَمَّ بابنتِه من الخطوب والنكبات ، وطَلبَ منه أن يَلحَّ في السُؤال منها ، لتخبِرَهُ صل الله عليه وآله بما جرى عليها من الظُلم والضَيم في تلك الفترة القصيرة الأمد التي قد عاشتها .
وعاد الإمام إلى بيته كئيباً حزيناً ، ينظر إلى أطفاله وهُم يبكون على أُمِّهم أَمَرَّ البكاء .
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
سيدتي ومولاتي كيف لي على الصبرولم يترك الصبر لي مكانا ام البكاء خير انيس لفقدك يا ام ابيها ايتها الطاهرة البتول فلتشهد دموعي في ليلة ظلماء ان القلب ليحزن وان العين لتدمع وان لفراقك لمفجعون وان لله وان اليه راجعون ولا حولا ولا قوة الا بالله العلي العظيم ولعن الله من ظلمكم من الاولين والاخرين انه قريب سميع مجيب
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بعد استشهاد رسول الله صل الله عليه وآله اشتدَّ عليها الحزن والأسى ، ونزل بها المرض لِمَا لاقَتْهُ من هجوم أَزْلامِ الزُمرة الحاكمة آنذاك على دارها ، وَعَصْرِهَا بَين الحَائطِ والبَابِ ، وَسُقُوطِ جَنِينِها المُحسِن ، وَكَسْرِ ضِلعِها ، وَغَصبِ أَرضِهَا فَدَك .
فتوالت الأمراض على وديعة النبي صل الله عليه وآله ، وفَتك الحزن جِسمَها النحيلَ المُعذَّبَ حتى انهارت قواها .
فقد مشى إليها الموت سريعاً وهي في شبابها الغَض ، وقد حان موعد اللقاء القريب بينها وبين أبيها الذي غاب عنها ، وغابت معه عواطفه الفَيَّاضة .
وَلَمَّا بدت لها طلائع الرحيل عن هذه الحياة طَلَبتْ حضورَ أمير المؤمنين علي ، فَعَهدتْ إليهِ بِوَصِيَّتِها ، ومضمون الوصية :
أن يُوارِي جثمانها المقدس في غَلس اللَّيل البهيم ، وأن لا يُشَيِّعُها أحد من الذين هَضَمُوهَا ، لأنهم أَعداؤها وأعداء أبيها - على حَدِّ تعبيرها - .
كَما عَهدت إليه أن يتزوَّج من بعدها بابنة أختها أمَامَة ، لأنَّها تقوم بِرِعَايَة ولديها الحسن والحسين عليهما السلام اللَّذَين هما أعزُّ عندها من الحياة .
وعهدت إليه أن يعفي موضع قبرها ، ليكون رمزاً لِغَضَبِهَا غير قابلٍ للتأويل على مَمَرِّ الأجيال الصاعدة .
وضمن لها أمير المؤمنين جميع ما عَهدَت إليه ، وانصرف عنها وهو غارق في الأسى والشجون .
وفي آخر يوم من حياتها ظهر بعض التحسّن على صحتها ، وكانت بادية الفرح والسرور ، فقد علمت أنها في يومها تلحق بأبيها صل الله عليه وآله .
وعمدت إلى ولديها عليهما السلام فَغَسَلت لهما ، وصنعت لهما من الطعام ما يكفيهم يومهم ، وأمرت ولديها بالخروج لزيارة قبر جدّهما ، وهي تلقي عليهما نظرة الوداع ، وقلبها يذوب من اللوعة والوجد .
فخرج الحسنان عليهما السلام وقد هاما في تيار من الهواجس ، وأَحسَّا ببوادر مخيفة أغرقتهما بالهموم والأحزان ، والتفت وديعة النبي إلى أسماء بنت عميس ، وكانت تتولى تمريضها وخدمتها فقالت لها : يا أُمَّاه .
فقالت أسماء : نعم يا حبيبة رسول الله صل الله عليه وآله .
فقالت : اسكبي لي غسلاً .
فانبرت أسماء وأتتها بالماء فاغتسلت فيه ، وقالت لها ثانياً : إيتيني بثيابي الجدد .
فناولتها أسماء ثيابها .
ثم هتفت الزهراء بها مرة أخرى : اجعلي فراشي وسط البيت .
وعندها ذعرت أسماء وارتعش قلبها ، فقد عرفت أن الموت قد حلّ بوديعة النبي .
فصنعت لها ما أرادت ، فاضطجعت الزهراء على فراشها ، واستقبلت القبلة ، والتفتت إلى أسماء قائلة بصوت خافت : يا أُمَّاه ، إني مقبوضة الآن ، وقد تَطَهَّرتُ فلا يكشفني أحد .
وأخذت تتلو آيات من الذكر الحكيم حتى فارقت الروحُ الجسد ، وَسَمت تلك الروح العظيمة إلى بارئها ، لتلتقي بأبيها صل الله عليه وآله الذي كرهت الحياة بعده .
وكان ذلك في 13 من جمادي الأول من سنة 11 هـ ، وفي رواية أخرى أنه كان في 8 ربيع الثاني من نفس السنة ، وفي رواية أخرى في 3 جمادي الثاني من نفس السنة أيضاً .
ورجع الحسنان عليهما السلام إلى الدار فلم يجدا فيها أمهما ، فبادرا يسألان أسماء عن أمّهما ، ففاجئتهما وهي غارقة في العويل والبكاء قائلة : يا سيدي إن أمّكما قد ماتت ، فأخبرا بذلك أباكما ، وكان هذا الخبر كالصاعقة عليهما .
فهرعا عليهما السلام مسرعين إلى جثمانها ، فوقع عليها الحسن ، وهو يقول : يا أُمَّاه ، كلميني قبل أن تفارق روحي بدني .
وألقى الحسين نفسه عليها وهو يَعجُّ بالبكاء قائلاً : يا أُمَّاه ، أنا ابنك الحسين كلميني قبل أن ينصدع قلبي .
وأخذت أسماء تعزيهما وتطلب منهما أن يسرعا إلى أبيهما فيخبراه ، فانطلقا عليهما السلام إلى مسجد جدّهما رسول الله وهما غارقان في البكاء ، فلما قربا من المسجد رفعا صوتهما بالبكاء ، فاستقبلهما المسلمون وقد ظنوا أنهما تذكرا جدّهما فقالوا :
ما يبكيكما يا ابنَي رسول الله ؟ لعلّكما نظرتما موقف جدّكما صل الله عليه وآله فبكيتما شوقاً إليه ؟
فهرعا عليهما السلام إلى أبيهما وقالا بأعلى صوتهما : أَوَ ليس قد ماتت أُمُّنا فاطمة .
فاضطرب الإمام أمير المؤمنين ، وهزَّ النبأ المؤلم كِيانَه ، وطفق يقول :
بمن العزاء يا بنت محمد صل الله عليه وآله ؟
كنتُ بِكِ أتعزَّى ، فَفِيمَ العزاء من بعدك ؟
وخَفَّ مسرعاً إلى الدار وهو يذرف الدموع ، ولما ألقى نظرة على جثمان حبيبة رسول الله أخذ ينشد ) :
وهرع الناس من كل صوب نحو بيت الإمام وهم يذرفون الدموع على وديعة نبيهم صل الله عليه وآله ، فقد انطوت بموت الزهراء آخر صفحة من صحفات النبوة ، وتذكروا بموتها عطف الرسول عليهم ، وقد ارتَجَّت المدينة المنورة من الصراخ والعويل .
وعهد الإمام إلى سَلمَان أن يقول للناس بأن مواراة بضعة النبي تأخّر هذه العشية ، وتفرقت الجماهير .
ولما مضى من الليل شَطرُهُ ، قام الإمام فغسَّل الجسد الطاهر ، ومعه أسماء والحسنان عليهما السلام ، وقد أخذت اللوعة بمجامع قلوبهم .
وبعد أن أدرجها في أكفانها دعا بأطفالها – الذين لم ينتهلوا من حنان أُمِّهم – ليلقوا عليها النظرة الأخيرة ، وقد مادت الأرض من كثرة صراخهم وعويلهم ، وبعد انتهاء الوداع عقد الإمام الرداء عليها .
ولما حَلَّ الهزيع الأخير من الليل قام فصلّى عليها ، وعهد إلى بني هاشم وخُلَّصِ أصحابه أن يحملوا الجثمان المقدّس إلى مثواه الأخير .
ولم يخبر أي أحد بذلك ، سوى تلك الصفوة من أصحابه الخُلَّص وأهل بيته .
وأودعها في قبرها وأهال عليها التراب ، ووقف على حافة القبر ، وهو يروي ثراه بدموع عينيه ، واندفع يُؤَبِّنها بهذه الكلمات التي تمثل لوعته وحزنه على هذا الرزء القاصم قائلاً :
( السَّلام عَليكَ يا رسولَ الله عَنِّي وعنِ ابنَتِك النَّازِلَة في جوارك ، السريعة اللحاق بك ، قَلَّ يا رسولَ الله عن صَفِيَّتِك صَبرِي ، وَرَقَّ عنها تَجَلُّدِي ، إِلاَّ أنَّ في التأسِّي بِعظِيم فرقَتِك وَفَادحِ مُصِبَيتِك مَوضِعَ تَعَزٍّ ، فَلَقد وَسَّدتُكَ فِي مَلحُودَةِ قَبرِك ، وَفَاضَت بَينَ نَحري وصَدرِي نَفسُكَ .
إِنَّـا لله وإنَّا إليه راجعون ، لقد استُرجِعَتْ الوَديعةُ ، وأُخِذَتْ الرَّهينَة ، أمَّا حُزنِي فَسَرْمَدْ ، وَأمَّا لَيلِي فَمُسَهَّدْ ، إلى أَنْ يختارَ اللهُ لي دارَك التي أنتَ بِها مُقيم ، وَسَتُنَبِّئُكَ ابنتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ على هَضمِها ، فَاحفِهَا السُّؤَالَ ، واستَخبِرْهَا الحَالَ .
فأعلن أمير المؤمنين في هذه الكلمات شكواه للرسول صل الله عليه وآله على ما أَلَمَّ بابنتِه من الخطوب والنكبات ، وطَلبَ منه أن يَلحَّ في السُؤال منها ، لتخبِرَهُ صل الله عليه وآله بما جرى عليها من الظُلم والضَيم في تلك الفترة القصيرة الأمد التي قد عاشتها .
وعاد الإمام إلى بيته كئيباً حزيناً ، ينظر إلى أطفاله وهُم يبكون على أُمِّهم أَمَرَّ البكاء .
مولاتي و سيدتي .
يا أيتها الانسية المحدثة الممتحنة.....
يعجز القلب واللسان والقلم وتخجل العين يا مولاتي...
بكتك العين سيدتي ,
وبكاك القلب مولاتي,
وبكاك الخلق من الانس والجن حسرة على فقدناك
لأي الامور مولاتي ابكيك
لقتل ابيك .....
اما لقتل بنيك.....
او لظلم بعلك.....
او لكسر ضلعك....
او لحرق دارك....
او لاغتصاب حقك ....
او لسبي ابنتك......
او او او ..........................
مَا لَنَا والخطوب تعدوا علينا كل يوم مُفَوِّقَات نصولاً
فَكَأَنَّا للنائبات علينا لا نرى للفرار عنها سبيلاً
أنا جلد على نزول الرزايا ولأن هَدَّت الجبال نزولاً
وإذا سامني الزمان اختباراً لرزاياه قلت صبراً جميلاً
ما أرى صبري الجميل جميلاً إن تَذَكَّرتُ ما أَصَابَ البتولا
فَقَدَت أحمداً ونَاحَت طَويلاً وبَكَت حسرةً وأَبدَت عَوِيلاً
الشاعر السيد صالح القزويني