اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الحركة الفاطمية في تثبيت الإمامة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعز المرسلين نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين..
أما بعد.. فإن الزهراء في المدة القصيرة التي عاشتها بعد وفاة الرسول الأعظم لعبت دوراً مهماً جداً في تثبيت الإمامة، والتأكيد على هذا الأساس العظيم من أسس الإسلام التي قام عليها وقد دعت إليها في كل حركة قامت بها سواء كانت حركة رفض لفرض الواقع الجديد أو بيان لما هو واجب الأمة تجاه قادتها.
لذلك فقد اخترت أن تكون مقالتي هذه بعنوان: الحركة الفاطمية في تثبيت الإمامة.
وهي مقالة تحليلية للدور الذي قامت به الزهراء صلوات الله عليها.
وعليه نقول: إنه بعد اغتصاب الحكم من الإمام علي صلوات الله عليه، كان على أمير المؤمنين مواجهة انحراف الأمة التي علم من رسول الله أنها ستنقلب عليه بعد مبايعتها له بل إنها ستمارس أبشع أنواع الظلم على أهل البيت وخصوصاً على سيدة النساء صلوات الله عليها.
ولما كان رسول الله قد هيء لهذه المواجهة ببيان حق علي وما هو عليه بل وبيان منزلة الزهراء وكيف أنها هي مدار سخط الله ورضاه حتى لا تعذر الأمة بعد ذلك بمخالفاتها التي مورست بحقها ولبيان أن من تبايعه الزهراء هو المنصوب وهو صاحب الحق ومن تسخط عليه مغتصب ظالم ومن هنا كانت مواجهة أهل البيت جميعاً من خلال الحركة الفاطمية التي قامت بها الصديقة الطاهرة ، وهنا جاءت مسألة فدك لتحتل الصدارة في السياسة العلوية الجديدة، فإن الحركة الفاطمية التي رسم الإمام خطوطها بإتقان وكان الدور الفاطمي يتلخص في أن تبين الزهراء للأمة عدم صلاحية من توثب لخلافة رسول الله بغير حق من خلال بيانها أنهم لا يعلمون أحكام الدين ولا يعرفون القضاء فكيف يخلفون رسول الله في بيان الأحكام وتربية الأمة على أمور لا يعرفونها فقد طالبت الصديقة أبا بكر بما انتزعه منها من أموال وجعلت المطالب وسيلة للمناقشة في المسألة السياسية، وقد هيأت مسألة فدك فرصة لا تعوض للإدلاء برأيها في الحكومة القائمة، وكان لابد لها أن تدلي بتصريحاتها أمام الناس، لإفهامهم بأن اللحظة التي عدلوا فيها عن علي إلى أبي بكر كانت لحظة هوس وشذوذ.
وأنهم بذلك أخطأوا وخالفوا كتاب ربهم عز وجل.
وقد حاولت تبيان أحقية الإمام في قيادة الأمة بعد الرسول صلى الله عليه و آله وسلم وقد تجلى ذلك في خطبتها التي ألقتها في مسجد أبيها صلى الله عليه وأله وسلم، على مسمع ومرأى من المسلمين وبضمنهم الحكومة الجديدة، فكان مما قالته: \"أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وأبن عمي؟\" وقالت أيضاً: \"أبعدتم من هو أحق البسط والقبض\"(1).
حيث أوضحت أن علياً أعلم الناس بعد النبي صلى الله عليه و أله بمعرفة الرسالة وأحكامها وقوانينها، وهو لذلك أحق برعاية شؤون الأمة التي صنعها الوحي الإلهي.
وقد كشفت ألاعيب الحكومة الجديدة على الشرع المقدس، واجتهاداتهم التي لا علاقة لها بأهداف الرسالة..
وهذه النقاط الثلاثة هي التي استهدفتها فاطمة في مطالبتها الحيثية بفدك، وليس لها وراء ذلك هدف مادي رخيص، كما يعتقد البعض من مؤرخي حياتها.
وفي الحركة الفاطمية توفر أمران لا يتهيأن لأمير المؤمنين فيما لو وقف ذات الموقف: الأول: أن السيدة الزهراء أقدر بظروف فجيعتها الخاصة ومكانتها من أبيها على استثارة العواطف وإيصال المسلمين بروح أبيها العظيم صلوات الله عليهما وأيامه الغراء وتجنيد مشاعرهم لقضايا أهل البيت .
الثاني: أنها مهما اتخذت منازعتها من أشكال فلن تكتسب لون الحرب المسلحة فقد أراد الإمام أن يسمع الناس يومئذ صوته من فم الزهراء ويبقى هو بعيداً عن ميدان المعركة ينتظر اللحظة المناسبة للاستفادة منها، وأراد أيضاً أن يقدم لأمة القرآن كلها الحركة الفاطمية برهاناً على بطلان الخلافة القائمة وقد تم للإمام ما أراد حيث عبرت الزهراء عن الحق العلوي تعبيراً واضحاً.
وهناك عدة مظاهر تتلخص الحركة الفاطمية فيها:
أولاً: إرسالها رسول ينازع أبا بكر في مسألة الميراث ويطالب بحقوقها وهذه الخطوة الأولى التي انتهجتها الزهراء تمهيداً لمباشرتها العمل بنفسها، وقد تقدمت المطالبة بالإرث على دعوى النحلة لأن دعوى الإرث أقرب الطريقين إلى استخلاص الحق، لثبوت التوارث بميراثها من أبيها الذي يشمل فدكاً في معتقد الخليفة لعدم إطلاعه على النحلة وليس في هذه المطالبة مناقضة لدعوى نحلة فدك إطلاقاً لأن المطالبة بالميراث لم تتجه إلى فدك خاصة وإنما تعلقت بتركة النبي وسلم عامة.
ثانياً: مواجهتها بنفسها له في اجتماع خاص وقد أرادت بتلك المقابلة أن تشتد في طلب حقوقها من الخمس وفدك وغيرهما لتعرف مدى استعداد الخليفة للمقاومة.
ثالثاً: خطبتها في المسجد بعد عشرة أيام من وفاة أبيها صلوات الله عليهما.
رابعاً: حديثها مع أبي بكر وعمر حينما زارها بقصد الاعتذار منها وإعلان غضبها عليهما وأنهما أغضبا الله ورسوله وسلم بذلك، حين قالت: \"اللهم إني أشهدك فاشهدوا يا من حضرني: أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي.
والله لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقى ربي فأشكوكما إليه بما صنعتما بي، وارتكبتما مني.
فدعا أبو بكر بالويل والثبور: وقال: \"يا ليت أمي لم تلدني!!
فقال عمر: عجباً للناس كيف ولوك أمرهم وأنت شيخ قد خرفت! تجزع لغضب امرأة؟ وقاما وخرجا(2).
خامساً: خطابها الذي ألقته على نساء المهاجرين والأنصار حين اجتماعهن عندها.
مما جعل النساء يعدن قولها على رجالهن فجاء إليها قوم من وجوه المهاجرين والأنصار معتذرين فقالوا: \"يا سيدة النساء، لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر من قبل أن نبرم العهد، ونحكم العقد لما عدلنا إلى غيره.
فقالت: إليكم عني! فلا عذر بعد تعذيركم، ولا أمر بعد تقصيركم\"(3).
سادساً: وصيتها بأن لا يحضر تجهيزها ودفنها أحد من خصومها وكانت الوصية هي الإعلان الأخير من الزهراء عن نقمتها على الخلافة القائمة.
نتائج الحركة الفاطمية: لقد فشلت الحركة الفاطمية لأنها لم تطح بحكومة الخليفة في زحفها الأخير الخطير الذي قامت به في اليوم العاشر من وفاة النبي وسلم ولا ريب في أن شخصية الخليفة المغتصب من أهم الأسباب التي أدت إلى ضلال الأمة، لأنه من أصحاب المكر والخديعة.
فقد عالج الموقف بمكر ودهاء بعدما علم بجهل الأمة، وهذا ما أنقذه من السقوط.
فبينما هو يذوب رقة في جوابه للزهراء ، وإذا به يطوي نفسه على نار متأججة تندلع بعد خروج الزهراء من المسجد فيقول: \"أيها الناس ما هذه الدعة، ومع كل قالة أمنية؟ أين كانت هذه الأماني في عهد نبيكم؟ فمن سمع فليقل، ومن شهد فليتكلم، كلا بل هو ثعالة شهيده ذنبه\"(4). ـ فهو يقصد أن الثعلب هو الإمام علي والذنب هي سيدة النساء عليهما السلام ـ فإن الانقلاب من اللين والهدوء إلى الغضب والغيظ يدلنا على مقدار ما أوتي من سيطرة على مشاعره وقدرته على مسايرة الظرف وتمثيل الدور المناسب في كل حين.
ونجحت معارضة الزهراء لأنها جهزت الحق بقوة قاهرة، وأضافت إلى طاقته على الخلود في ميدان الجهاد المذهبي طاقة جديدة، وقد سجلت هذا النجاح في حركتها كلها وفي محاورتها مع أبي بكر وعمر عند زيارتهما لها بصورة خاصة وقد ذكرنا ما قالته لهما سابقاً.
فسلام عليها يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حية.
المصادر:
(1) دلائل الإمامة ـ للطبري ـ ص117 والسقيفة وفدك ـ للجوهري ـ ص 144 وشرح الأخبار ـ للقاضي النعمان ـ ج3 ص37 والاحتجاج ـ للطبرسي ـ ص137 وبحار الأنوار ج 29 ص226.
(2) بحار الأنوار ج43 ص204 واللمعة البيضاء ـ للتبريزي ـ ص141 وبيت الأحزان ـ للشيخ عباس للقمي ـ ص 172 وصحيفة الزهراء ـ للشيخ جواد القيومي ـ ص178.
(3) بحار الأنوار ج43 ص161 وبيت الأحزان ـ للشيخ عباس القمي ـ ص175 واللمعة البيضاء ـ للتبريزي الأنصاري ـ ص851 والإحتجاج ـ للطبرسي ـ ج1 ص149.
(4) دلائل الإمامة ـ للطبري ـ ص123والسقيفة وفدك ـ للجوهري ـ ص104 وبحار الأنوار ج29 ص226 وفدك في التاريخ ـ للسيد محمد باقر الصدر ـ ص67 ومكاتيب الرسول ـ للأحمدي ـ ج1ص118وشرح نهج البلاغة ـ للمعتز لي ـ ج16 ص215.