بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
++++++++++++++++++++++++++++++++
وظائف شاغرة
(موضوع قيم أرسله لنا مشكوراً الأخ الأستاذ ابو الزهراء الدمشقي)
الحلقة الرابعة
بعد المقدمتين السابقتين ...
فقد ورد في الحديث القدسي الشريف عن الله تعالى قولُه : " كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف "
ولكي يُعرفَ اللهُ عزّ وجلّ فقد خلقَ كل ما في هذا الوجود ليكون آياتٍ ودلائلَ تدل عليه، فقال سبحانه :
"سنريهم آياتِنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " .
ولم يدّع أحد أنه يمكن معرفة الله عزّ وجلّ بكنهه – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- وإنما لمعرفته سبحانه لا بد من معرفة أسمائه التي سمى بها نفسه فقال جل من قائل : " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها "، وقد جعل الله سبحانه جميع مخلوقاته مرائي وتجليات ومظاهر لأسمائه الشريفة ، فبعض هذه المخلوقات يدل على أن الله حي وبعضها يدل على أن الله عالم وبعضها يدل على أن الله مختار وبعضها يدل على أن الله قادر ... ولكنها تبقى نماذج لا تعبر عن اسم الله الأعظم والذي يضم تحته كافةَ أسماء الله الحسنى .
وعندما أراد الله عزّ وجلّ أن يجعل خليفة له يكون مظهراً ونموذجاً ومرآة لكافة أسمائه الحسنى (بمقدار تحمّل المخلوق طبعاً) خلق الإنسان وأعطاه القدرة على التخلق والتحقق بكافة أسمائه التي يمكن أن يتصف بها مخلوق فقال عزّ وجلّ في آيات الاستخلاف :
" وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً، قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ، قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ، وعَلَّمَ آدَمَ الأَْسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ والأَْرْضِ وأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ...".
و يمكن أن نستخلص من هذه الآيات أموراً عدة أهمها :
أولاً: صيغة - إني جاعل في الأرض خليفة - التي وردت في الآيات المباركة تدل على استمرار وجود الخليفة في كل زمان مثل قوله إني تارك فيكم الثقلين... فصيغة (تارك) تدل على استمرار وجود القرآن والعترة في كل زمان ...
ثانياً: هذا الخليفة فاق الملائكة في علمه بل حمل من العلم ما عجزت الملائكة بكافة مستوياتهم عن حمله ، بل كان هذا الخليفة واسطةً بين الله عزّ وجلّ وبين الملائكة لإنبائهم بما غاب عنهم .
ثالثاً: أن خلافة الله تعالى حتى الملائكة لم تستطع تحملها وحملها الإنسان .
رابعاً: أن الخلافة أمر جعلي من الله تعالى لا باختيار الخلائق بقرينة قوله تعالى (إني جاعل..).
خامساً: هذا الخليفة معصوم لأنّه معلم الملائكة التي لا تعصي الله ما أمرها وتفعل ما تؤمر.
سادساً: علم هذا الخليفة لدني من الله تعالى لا من سنخ علومنا المعروفة.
سابعاً: هذا الخليفةُ وامتثالاً لأمر الله تعالى استحق الخضوعَ والانقيادَ بل السجودَ من الملائكة لمنزلته العالية وما اختصهُ بهِ الله عزّ وجلّ من تعليمه الأسماءَ كلَها.... ومن المعلومِ والمسلمِ به في القرآن الكريم أن الله عزّ وجلّ قد اقتضت حكمته المتعالية، وتحت قيوميته وسلطانه، أن يوكل تدبير أمور وشؤون هذا الوجود إلى ملائكته المكرمين من إحياء وإماتة ورزق وسؤالِ القبر والعذاب والثواب والنفخ في الصور. .....
إلى آخر هذه الأمور كما جاء في قوله تعالى عن الملائكة : " فالمدبرات أمراً "، وقد تبين أن الملائكةَ كلُّهم أجمعين خضعوا بل سجدوا بأمر الله تعالى للإنسان الكامل خليفةِ الله في الأرض، وبناءً على ما تقدم فلا ريب ولا إشكال بثبوت ولاية التكوين لهذا الخليفة الذي خضعت له وأطاعته الملائكة المدبرات لأمور الكون بإذن الله تعالى.
... يتبع ...