تمهيد
من الأسماء الإلهية الحسنى التي تكرر وصف الله عز وجل بها هي صفة الرأفة والرحمة، كيف وقد قرن الله عز وجل اسمه بصفة الرحمن الرحيم في البسملة، وفي ابتداء كل سورة من سور القرآن الكريم.
ومظاهر الرحمة الإلهية ترافق هذا الإنسان منذ خلقته وإلى يوم القيامة، وهذه هي الرحمة التكوينية، والتي ترتبط بالنحو الذي خلقه الله عز وجل عليه، وبما وهبه من النعم المادية التي يتمكن من خلالها من الاستمرار في هذه الحياة والسير في الأرض.
ولكن الرحمة الإلهية لا تقتصر على ذلك، بل فتح باب الرحمة الخاصة، والتي ترتبط بالآخرة وما يقع فيه هذا الإنسان من تجاوز او معصية للأوامر الإلهية. وهنا يذكر الإمام علي في وصيته لولده الحسن بعد مظاهر هذه الرحمة الخاصة.
• أذن لك في الدعاء وتكفل لك بالإجابة
أبواب الله عز وجل مفتوحة للسائلين، يطلبون منه حوائج الدنيا والآخرة، وأما الإجابة فهي مضمونة لهم من الله عز وجل، وهذا ما ورد في القرآن الكريم فقال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾(غافر:60).
وعن النبي وسلم: "يدخل الجنة رجلان كانا يعملان عملا واحدا، فيرى أحدهما صاحبه فوقه، فيقول: يا رب بما أعطيته وكان عملنا واحدا؟ فيقول الله تبارك وتعالى: سألني ولم تسألني"1.
• أمرك أن تسأله ليعطيك
الإمام الصادق : "ادع ولا تقل: إن الأمر قد فرغ منه، إن عند الله عز وجل منزلة لا تنال إلا بمسألة"
إذا الكثير من النعم الإلهية، أو البلاءات لا ترتفع إلا من خلال الدعاء.
وعن الإمام علي : "اعلم أن الذي بيده خزائن ملكوت الدنيا والآخرة قد أذن لدعائك، وتكفل لإجابتك، وأمرك أن تسأله ليعطيك، وهو رحيم كريم، لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه... ثم جعل في يدك مفاتيح خزائنه بما أذن فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه"3.
• وتسترحمه ليرحمك.
الإنسان معرّض في هذه الحياة للإصابة بأنواع الابتلاءات، ومن هذه الابتلاءات ما لا يمكن للإنسان أن يدفعه عن نفسه من خلال التمسك بوسائل دنيوية ومادية، ولا يجد من سبيل للخلاص منه إلا من خلال الرجوع إلى الله عز وجل.
ورد في الرواية عن الإمام الكاظم :
"عليكم بالدعاء، فإن الدعاء لله، والطلب إلى الله يرد البلاء وقد قدر وقضي ولم يبق إلا إمضاؤه، فإذا دعي الله عز وجل وسئل صرف البلاء صرفة"
الإمام الصادق لأصحابه: "هل تعرفون طول البلاء من قصره؟ قلنا: لا، قال: إذا الهم أحدكم الدعاء عند البلاء فاعلموا أن البلاء قصير"
وهذا الأمر لا يختص بالبلاء إذا نزل بل هو يشمل البلاء الذي لم ينزل على العبد بعد، ولذا ورد في الرواية: عن الإمام علي : "ادفعوا أمواج البلاء بالدعاء، ما المبتلى الذي استدر به البلاء بأحوج إلى الدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء"
• ولم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك.
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾(البقرة:186).
إن شرط إجابة الدعاء هو التوجه الخالص لله عز وجل، وهذا الأمر لا يتم إلا من خلال اليأس عن أي سبب من الأسباب الدنيوية. وقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق : "إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم، ولا يكون له رجاء إلا عند الله، فإذا علم الله عز وجل ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه