اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
إساءة الفهم،مشكلة تعترضنا جميعا،ولا يكاد يخلو موقف من المواقف التي تتصل فيها مع الناس من شخص يسيء فهمك أو تسيء فهمه،مما يؤدي إلى إعاقة التواصل السليم و تسبيب الكثير من المشكلات و العوائق.
أنواع إساءة الفهم :
و إساءة الفهم قد تكون عن حسن نية بحيث لا يتعمد الطرف الآخر الإساءة و التحريف لكلامك أو فكرتك بل إن قدراته العقلية و النفسية لا تؤهله لأكثر من هذا ، و قد ورد في رواية عن الإمام الصادق أنه سئل ْ إِسْحَاقَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع الرَّجُلُ آتِيهِ أُكَلِّمُهُ بِبَعْضِ كَلَامِي فَيَعْرِفُ كُلَّهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ آتِيهِ فَأُكَلِّمُهُ بِالْكَلَامِ فَيَسْتَوْفِي كَلَامِي كُلَّهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَيَّ كَمَا كَلَّمْتُهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ آتِيهِ فَأُكَلِّمُهُ فَيَقُولُ أَعِدْ عَلَيَّ فَقَالَ يَا إِسْحَاقُ أَ وَ مَا تَدْرِي لِمَ هَذَا قُلْتُ لَا قَالَ الَّذِي تُكَلِّمُهُ بِبَعْضِ كَلَامِكَ فَيَعْرِفُ كُلَّهُ فَذَاكَ مَنْ عُجِنَتْ نُطْفَتُهُ بِعَقْلِهِ وَ أَمَّا الَّذِي تُكَلِّمُهُ فَيَسْتَوْفِي كَلَامَكَ ثُمَّ يُجِيبُكَ عَلَى كَلَامِكَ فَذَاكَ الَّذِي رُكِّبَ عَقْلُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَ أَمَّا الَّذِي تُكَلِّمُهُ بِالْكَلَامِ فَيَقُولُ أَعِدْ عَلَيَّ فَذَاكَ الَّذِي رُكِّبَ عَقْلُهُ فِيهِ بَعْدَ مَا كَبِرَ فَهُوَ يَقُولُ أَعِدْ عَلَيَّ .و قد أكد العلم الحديث ان مستويات الناس النفسية و العقلية و قواهم الإدراكية تتفاوت و تختلف ،و تتدخل فيها أمور كثيرة ليس هنا مجال حصرها و عدها.
و قد تكون إساءة الفهم مقصودة و متعمدة كما يفعل بعض مريضي النفوس الذين يسعون فتنة وفسادا ،و الله أخبر في القرآن عن مثال بني إسرائيل الذين حرفوا كلام الله و هي إساءة فهم متعمدة بعد أن وعوا كلام الله أَ فَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَ قَدْ كانَ فَريقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَ هُمْ يَعْلَمُون ، و نلاحظ أن هؤلاء الذين يتعمدون هذا النوع من الإساءة صنف خطر من الناس ينبغي التنبه له و الحرص على مجانبته لما يأتيه من مشاكل و إساءات.
:
لقد تعرض أئمة أهل البيت لإساءة الفهم من قبل كثير من الناس، وقد أوضح لنا الأئمة تعاملهم مع هذا المنهج من الإساءة المتعمدة لكلامهم، مما يؤدي إلى تحريف كلامهم و الدس فيه و الكذب عليهم ، وقد أوضح الإمام الرضا جانبا من هذا الموضوع في حديثه روى الشيخ الصدوق في [عيون أخبار الرضا ] بسنده عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ قَالَ : قُلْتُ لِلرِّضَا : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّ عِنْدَنَا أَخْبَاراً فِي فَضَائِلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ فَضْلِكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ هِيَ مِنْ رِوَايَةِ مُخَالِفِيكُمْ وَ لَا نَعْرِفُ مِثْلَهَا عِنْدَكُمْ أَفَنَدِينُ بِهَا ؟
فَقَالَ : ( يَا ابْنَ أَبِي مَحْمُودٍ ، لَقَدْ أَخْبَرَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : مَنْ أَصْغَى إِلَى نَاطِقٍ فَقَدْ عَبَدَهُ ، فَإِنْ كَانَ النَّاطِقُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَدْ عَبَدَ اللَّهَ ، وَ إِنْ كَانَ النَّاطِقُ عَنْ إِبْلِيسَ فَقَدْ عَبَدَ إِبْلِيسَ) .
ثُمَّ قَالَ الرِّضَا [ ]:
( يَا ابْنَ أَبِي مَحْمُودٍ إِنَّ مُخَالِفِينَا وَضَعُوا أَخْبَاراً فِي فَضَائِلِنَا وَ جَعَلُوهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا : الْغُلُوُّ ، وَثَانِيهَا : التَّقْصِيرُ فِي أَمْرِنَا ، وَثَالِثُهَا : التَّصْرِيحُ بِمَثَالِبِ أَعْدَائِنَا.فَإِذَا سَمِعَ النَّاسُ الْغُلُوَّ فِينَا : كَفَّرُوا شِيعَتَنَا وَنَسَبُوهُمْ إِلَى الْقَوْلِ بِرُبُوبِيَّتِنَا .وَ إِذَا سَمِعُوا التَّقْصِيرَ : اعْتَقَدُوهُ فِينَا .وَ إِذَا سَمِعُوا مَثَالِبَ أَعْدَائِنَا بِأَسْمَائِهِمْ : ثَلَبُونَا بِأَسْمَائِنَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ } يَا ابْنَ أَبِي مَحْمُودٍ : إِذَا أَخَذَ النَّاسُ يَمِيناً وَ شِمَالًا فَالْزَمْ طَرِيقَتَنَا فَإِنَّهُ مَنْ لَزِمَنَا لَزِمْنَاهُ وَ مَنْ فَارَقَنَا فَارَقْنَاهُ ، إِنَّ أَدْنَى مَا يُخْرِجُ الرَّجُلَ مِنَ الْإِيمَانِ أَنْ يَقُولَ لِلْحَصَاةِ هَذِهِ نَوَاةٌ ثُمَّ يَدِينُ بِذَلِكَ وَيَبْرَأُ مِمَّنْ خَالَفَهُ .يَا ابْنَ أَبِي مَحْمُودٍ احْفَظْ مَا حَدَّثْتُكَ بِهِ فَقَدْ جَمَعْتُ لَكَ فِيهِ خَيْرَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ )
و هذا مثال واضح عن كيفية التعامل بسوء نية و تحريف متعمد بالنسبة لمقام الأئمة و منهجهم،و قد دأب أئمة أهل البيت على توضيح موارد إساءة الفهم المتعمد أو الساذج مثلا يرد عن قُلْتُ لِلرِّضَا ع يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ فَقَالَ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ لَقَدْ حَذَفُوا أَوَّلَ الْحَدِيثِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص مَرَّ بِرَجُلَيْنِ يَتَسَابَّانِ فَسَمِعَ أَحَدَهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ قَبَّحَ اللَّهُ وَجْهَكَ وَ وَجْهَ مَنْ يُشْبِهُكَ فَقَالَ ع يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَقُلْ هَذَا لِأَخِيكَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ. فانظر كيف أسئ فهم حديث رسول الله بحيث غير المعنى و صيره إلى غير الوجهة الحقيقية فانطلق الإمام بكل قوة ليغير المفهوم الخاطئ و يعيد الأمور إلى نصابها.
وعن الإمام جعفر الصادق (ع) حيث قال له بعض أصحابه: ((روي عنك أنك قلت: إذا عرفت فاصنع ما شئت)) يعني إذا واليت أهل البيت فاصنع ما شئت، قال: وإن زنى وإن سرق؟ فقال له (ع): ((ما أنصفتمونا أن كلفنا بالعمل ووضع عنكم، قال إذن كيف أقول؟ قال (ع) قل: إذا عرفت (أي إذا واليت أهل البيت) فافعل ما شئت من قليل الخير وكثيره فإنه يرجع عليك.
و قد تصدى الأئمة كذلك لتصحيح المفاهيم الخاطئة التي أسيئ فهما من قبل الناس و التي أدى انتشارها إلى التأثير على الثقافة الإسلامية العامة ،و كإساءة فهم بعض الآيات مما أدى إلى القول بالتجسيم و التشبيه و الجبر و الإرجاء و كلها مفاهيم مدمرة بالنسبة للثقافة المحمدية و الإسلامية الأصيلة.
و كمثال على ذلك جاء رجل للإمام الصادق إِنَّ قَوْماً يَرْوُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ فَقَالَ صَدَقُوا فَقُلْتُ إِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ رَحْمَةً فَاجْتِمَاعُهُمْ عَذَابٌ قَالَ لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ وَ ذَهَبُوا إِنَّمَا أَرَادَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَنْفِرُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ يَخْتَلِفُوا إِلَيْهِ فَيَتَعَلَّمُوا ثُمَّ يَرْجِعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَيُعَلِّمُوهُمْ إِنَّمَا أَرَادَ اخْتِلَافَهُمْ مِنَ الْبُلْدَانِ اخْتِلَافاً فِي دِينِ اللَّهِ إِنَّمَا الدِّينُ وَاحِدٌ.
و هكذا كان دأب آل البيت على تصحيح سوء الفهم الذي ينتجه التصرف غير المسؤول في كلامهم و غياب القرائن التي تحيط بجو كلامهم ، بالإضافة إلى قصور في المتلقي الذي يسيء الفهم و يثير الغبار حول الحقيقة الناصعة لأهل البيت عليهم افضل الصلاة والسلام